15-أغسطس-2017

محمود عوض (1942 - 2009)

كل حديثٍ عن الصحافة المصرية عمومًا ينبغي أن يبدأ من أهمّ روادها الجدد؛ التوأمين علي ومصطفى أمين، مؤسسي "أخبار اليوم" التي أخرجت لنا رواد وعمالق الصحافة والكتابة في مصر، إلى جانب الأهرام، ثم  الجمهورية التي أنشأها وأدارها الرئيس السادات، وحديثنا الآن عن أحد رفاق وتلاميذ رحلتهم الممتعة وأحد أفراد المؤسسة العتيدة التي بدأت في أربعينات القرن المنصرم عندما كان يزيد توزيعها عن مليون نسخة يوميًا؛ الكاتب المصري محمود عوض.

كل حديثٍ عن الصحافة المصرية عمومًا ينبغي أن يبدأ من أهمّ روادها الجدد؛ التوأمين علي ومصطفى أمين

ولد محمود عوض في مدينة طلخا بمحافظة الدقهلية، وسط أسرة من سبعة أطفال كان الثالث في هذا العنقود. عمل في أخبار اليوم، ولاقى نجاحات كبيرة، وكتب العديد من الأعمال المميزة، كان أشهرها "شيء يشبه الحب" والمسلسل الإذاعي "أرجوك لا تفهمني بسرعة"، الذي زاد صلته ببطل المسلسل عبد الحليم حافظ، نشأت بينهما صداقة عميقة جعلته ينفرد بالكثير من أسراره وتفاصيل حياته. كان محمود عوض صديقًا مقرّبًا أيضًا إلى بليغ حمدي، حيث كانت أول عمارة يستأجرها محمود عوض في القاهرة يملكها والد بليغ حمدي، وفي الوقت الذي رفض كتابة مذكرات للمطرب فريد الأطرش، تقرّب من كوكب الشرق كما لم يفعل أحد وانتقدها خلال كتابه "أم كلثوم التي لا يعرفها أحد"، وتعامل معها كمطربة فقط/، بالرغم من حبه الشديد لها، وكانت تحب صحبته، أيضًا انتقد محمد عبد الوهاب في كتابه "عبد الوهاب الذي لا يعرفه أحد"، وكان محمود عوض أول من أدخل المطرب "أحمد عدوية" للإذاعة.

اقرأ/ي أيضًا: "سنة أولى سجن".. وقائع سجن صحفي مصري

لقبه الكاتب إحسان عبد القدوس وقتها بلقب "عندليب الصحافة"، رغم ثوريته الكبيرة التي جعلته يتولى رئاسة تحرير صحيفة "الأحرار" المعارضة للنظام بالتزامن مع نشر مقالاته في "أخبار اليوم" أيضًا. مُنع محمود عوض من الكتابة أثناء فترة حكم السادات تحديدًا في عام 1977، حيث كان يسبب إزعاجًا للسلطة بسبب آرائه من مفاوضات السلام مع إسرائيل، وتغطيته لشؤون الأمم المتحدة بشكل حاد، وكتب محمود عوض عن تفاصيل المصريين بالخارج وحلّل أيضًا الداخل الاجتماعي والعلمي للكيان الصهيوني في سلسلة "اعرف عدوك"، وقدّم أطروحات حول "ضرورة ما على العقل العربي أن يعرفه منها خاصة في تلك الفترة التالية لهزيمة 67"، وقتها عكف محمود عوض وقدّم رائعته "وعليكم السلام"، وله العديد من الكتب بالمكتبة العربية سواء في المجالات الفنية أو السياسية.

أيضًا كتب محمود عوض للصغار مجموعة قصصية صغيرة في سابقة في ذلك الوقت، وقدّم ست شخصيات شجعان ومتمردين، على اختلاف أزمانهم، تحت مسمى "سلسلة نوابغ العرب"، الصادرة عن دار المعارف، حيث ضمت "طه حسين، أحمد شوقي، سيد درويش، سعد زغلول، مصطفى كامل، جمال الدين الأفغاني". وحرص محمود عوض على أن تتاح تلك الأعمال للعامة مثل غيرها بأسعار رخيصة جدًا، وبحسب موقع مصراوي، تم بيع كتابه "عبدالوهاب الذي لا يعرفه أحد" في مارس 1971 بسعر 150 مليما للنسخة، فيما بيع كتاب "شخصيات" بحوالي 200 مليم في 1976، وفي يناير 2007، وقع محمود عوض على عقد "من وجع القلب" ليصل سعره 18 جنيها.ً

كان محمود عوض يعتقد أن "المستقبل في الصحافة الخاصة، وذلك إذا لم تأكلها الرأسمالية، وإنها تتيح الإبداع الصحفي" لذلك تجد بصماته في العديد من الأماكن الصحفية، تنقل عبر الكثير ولم يوقفه خلال مشواره الطويل شروط ولوائح وأجندات تلك الأماكن التي يشترك فيها مصالح التي، وتتلمذ على يديه العديد من الأجيال الصحافية عديدة في مصر والبلاد العربية سواء في "المصري اليوم" و"أخبار اليوم" المصريتين أو "الحياة اللندنية".. وغيرها.

كان محمود عوض يعتقد أن المستقبل سيكون في الصحافة الخاصة إذا لم تأكلها الرأسمالية

اقرأ/ي أيضًا: أربعة عقود على رحيل العندليب

كان محمود عوض أيضًا شديد الاحتكاك بفناني ومثقفي عصره منذ بدايته، حيث كانت هناك جلسة دائمة تجمعهم في بيته، كان يقول عن تلك الجلسات في مذكراته "بيتي وقتها كان شقة صغيرة بحي العجوزة في القاهرة، وهي بالدور الرابع بغير أسانسير، والضيوف القادمون في كل مرة كبار في فنهم وبسطاء في صحتهم، ثم إن المكان لا يتسع لأكثر من عشرة مقاعد، وبقدرة قادر يتسع المكان أكثر وأكثر، البعض جالس على الأرض، في مقدمتهم عبد الحليم والبعض يتحرك إلى الشرفة، والبعض لا يجد مكانًا إلا في المطبخ للشاي والقهوة، ومع ذلك تستمر الجلسة حتى الفجر، الغناء أقلها، والحديث فى الأدب والفن والسياسة أكثرها". وظل هكذا طوال حياته المهنية والشخصية، على تواصل دائم مع المحيطين به، وبقي محمود عوض كاتبًا من أشهر الصحافيين والكتاب المصريين إلى أن عُثر عليه ميتًا في بيته عام 2009 بعد يومين دون أن يكتشف أحد وفاته، حيث عرف الموضوع بالصدفة عندما لم يذهب لموعده مع أحد الأطباء.

 

اقرأ/ي أيضًا:

هزيمتنا في الرواية المصرية

4 روائيين مصريين نقلت أعمالهم إلى الشاشات