30-مارس-2017

(Getty) عبد الحليم حافظ

يصادف يوم 30 آذار/مارس هذه السنة الذكرى الأربعين لرحيل عبد الحليم حافظ، المطرب الأول للحقبة الذهبية للأغنية العربية، كما هي أم كلثوم المطربة الأولى في الوجدان والذاكرة.

حينما يسخر أحدهم من صوت صديقه، يقول له "هل أصبحت عبد الحليم؟"

حينما يسخر أحدهم من صوت صديقه، يقول له "هل أصبحت عبد الحليم؟"، وحتى حينما يصفف أحدهم شعره جانبًا فيما تبدو علامة للشاب الوديع والبريء، يناديه الأصدقاء سخرية "يا عبد الحليم". عبد الحليم بالنسبة لجيلنا، نحن الذين نعيش الآن فترة شبابنا، هو أيقونة الشاب العربي الذي لم نلحقه، هو صورة جيل نسمع عنه ولا نعرفه، ربما هو الجيل الذي يحدثك فيه والدك عن شبابه.

اقرأ/ي أيضًا: محمود عبد العزيز في الدور الأخير: سلم على الحياة

لكن حينما نتحدث عن أم كلثوم، فغالبًا ما نتحدث عن أغانيها، عن قصصها مع زكريا أحمد والسنباطي، أو عن حفلاتها الشهيرة أو حتى طرائفها وهي المعروفة بخفّة دمها. عمومًا حينما نتحدث عن أم كلثوم، فغالبًا ما نكون نبتسم. أما حينما نتحدث عن حليم، فربّما قد يتزاوج الشعور بالحسرة مع الحزن، قد تستذكر روائعه الجميلة خاصة التي أبدع بليغ حمدي في تلحينها، ولكن غالبا فالاستذكار صورته رمادية. حينما يُذكر اسم حليم، قد نستذكر صورة المطرب الجميل والشاب البائس في آن واحد. الأغاني الجميلة قد نتمتم بعض كلماتها أو ندندن بعض ألحانها، ولكن سرعان ما تغلب قصة حياة حليم في شريط استعادة صورته. فحياته البائسة ثم معاناته مع المرض حتى وفاته وهم لم يكمل 48 سنة، دائمًا ما تكون حاضرة في مشهد الاستعادة.

عاش يتيمًا في قرية الزقازيق حيث توفيت أمّه بعد أيام قليلة من ولادته، وتوفي والده بعد أقل من عام، ثم جاهد لإبراز موهبته في القاهرة من داخل مبنى الإذاعة. غنى في الرابعة والعشرين من عمره "صافيني مرّة" على أحد مسارح الإسكندرية فقذفوه بالطماطم، فغادر المسرح منكس الرأس، ولكنه واصل شق طريقه حتى بنى مجدًا وكان عبد الحليم حافظ.

بالتوازي مع نجاحه الفني، عانى من المرض، وأجرى زهاء ثلاثين عملية جراحية، وظلّ أعزب ولم ينجب أطفال. ولذلك فرغم المجد، هي قصة يغلب عليها لون الحزن.

ملامح حليم مصرية خالصة بسمرته، وحينما تشاهد صورته تشعر أنه "ابن بلد" الذي لا يكون حليمًا دائمًا. في أواخر سنواته، غنى حليم رائعة "قارئة الفنجان" وقد صفّر بعض الحضور في أولى حفلات عرضها، لم يسكت العندليب. أوقف العرض وقال "أنا أعرف أصفّر، وأعرف أتكلم وأعرف أزعّق" وصفّر. حليم كان مجنونًا.

حليم شق طريقه مع "ثورة 52"، وكبر مجده معها، ولذلك سُميّ فنان الثورة

قصته مع السندريلا سعاد حسني لم تُكشف إلى ليوم حقيقتها وتفاصيلها. تشير روايات أنه تزوّجها في السرّ، وتؤكد أخرى، منها رواية طبيبه الخاصّ هشام عيسى، أن سعاد هي حبه الحقيقي. مات حليم وماتت سعاد، وظلت روايات مختلفة بين المقربين من كلّ منهما. حينما نستذكر حليم، نحن نستذكر معه السندريلا الجميلة. وقطعًا في أجواء لا تبعد كثيرًا عن الأسطرة، قد تحلّ قصة الفتاة الإسكندرانية المجهولة التي قيل بأنها حليم عشقها بجنون وحزن بشدّة لوفاتها.

اقرأ/ي أيضًا: 3 من أشهر مقرئي مصر

حليم لم يمت. كل من لا تزال أغانيه حية لا يموت. لا تزال "وحياة قلبي وأفراحه" تواكب نجاحاتنا، ولا تزال "جانا الهوى" و"الهوى الهوايا"، وباقة الأغاني الشعبية والراقية في آن التي لحنها بليغ نسمعها في الإذاعات، كما لاتزال الخالدة "بحلف بسماها وترابها" التي كتبها الأبنودي بعد نكسة 67 الأغنية الوطنية الأكثر حماسة في قلوبنا. حليم شق طريقه مع "ثورة 52"، وكبر مجده معها، ولذلك سُميّ فنان الثورة.

حليم هو أيقونة خالصة لحقبة زمنية في التاريخ السياسي والاجتماعي والفني في الوطن العربي، أيقونة للثّورة وزمن عبد الناصر وللنكسة وثم نصر أكتوبر، لمجتمع ما بعد التحرر وللتوجه الاشتراكي ثم الانفتاح الاقتصادي، وأيقونة للتجديد في الأغنية العربية والتي خاض غمارها مع عمالقة التجديد ومنهم ثلاثي دربه كمال الطويل وبليغ حمدي ومحمد الموجي.

قصة عبد الحليم من ولادته إلى مماته، وقصة مجده والأغاني الخالدة وتفاصيل إعداد بعضها، هي قصة ستظلّ فصولها عالقة في الأذهان لعقود في استذكار زمن كبرنا على وصفه بالجميل. يصعب الجزم في المطلق بجماله، ولكن ما هو يقيني بأنه زمن دافئ لأننا اليوم عراة.

اقرأ/ي أيضًا:

مصر.. طبقات أشعار الدراويش

سيزاريا إيفورا.. إلهة سمراء تغني حافية