16-مايو-2017

محمد عبد النبي

في "في غرفة العنكبوت" (دار العين، 2016)، الغرفة الحقيقة والمجاز معًا، يروي محمد عبد النبي عن هاني محفوظ، المثلي الجنس، الذي يتعرّض للسجن عدة شهور، ليخرج بعد ذلك غير قادر على الكلام، فيبدأ بالتعبير عن نفسه بالكتابة. خَرَس الكاتب ليس صدفة، وإنما هو خرس مقصود، من حيث أنه يدل على حالة أعم وأضخم من الصمت والكتمان، يشمل غيره من المثليين جنسيًا في دول عربية، وغير عربية، يتعرضون لهذا المسكوت عنه، والممنوع من النقاش أو الحديث، والذي يصلّ اجتماعيًا لمرحلة الخطيئة الكبرى، ولا ينظر إليه أبدًا على أنّهُ أمرٌ فسيولوجي، وبالتالي موضوعه خارج عن إرداة الإنسان، دون أن يكون ذلك بالضرورة مرضًا، أو عيبًا. 

تعتمد "في غرفة العنكبوت" على حادثة سجن مجموعة مثليين بتهمة الفجور في مصر

يعتمد محمد عبدالنبي في روايته "في غرفة العنكبوت" على حادثة شهيرة عرفت في مصر بـ"حادثة كوين بوت"، وقعت في عام 2001، حيث ألقت الشرطة القبض على اثنين وعشرين مثليًا جنسيًا، وتم توجيه اتهامات مختلفة لهم، أشهرها ممارسة الرذيلة، وتشجيع الفجور، وقد يتهيأ للقارئ أن رواية "غرفة العنكبوت" قائمة بشكل كلي على "كوين بوت"، إلا أنها قائمة أولًا وأخيرًا، وبشكل أساسي، على هاني، وصوت الإنسان فيه، في إشارة واضحة إلى أنها ليست رواية توثيقية، بل هي رواية قبل أي شيء، تلامس روح الإنسان وألمه، كما هي الاستراتجية العامة للفن الروائي. يقول المؤلف محمد عبدالنبي بما يشبهُ التعريف: "هي حكاية أكبر من سجن لبضعة شهور، بل هي صوت للذين لاصوت لهم في عالمنا هذا".

اقرأ/ي أيضًا: فيروزة دوماس.. "خنده دار" بالفارسية

تركت هذه الحادثة ألمًا وقسوة وتشهيرًا وكشفًا لمستور المثليين الجنسيين بطريقة فجة، لذلك تم إخفاء الوجوه في المحكمة، وهي السمة الأساسية في "قضايا الفجور" كما تسمى، ليمنح الكاتب أحد هؤلاء اسمًا وأوراقًا ثبوتية وملامحَ شخصية، لا لشيء سوى أن يعري الآخر، الآخر الذي هو المجتمع، هو نتاج تحالف آخرين عديدين لا يقبلون الاختلاف، ويحاربون لأجل تكريس التشابه.

هاني فتى مدلل، ثري نوعًا ما، شخصيته تكسر في أذهاننا الصورة النمطية للمثليين، فمن حيث الشكل يميل إلى السمنة، مع أثداء كبيرة وصلع خفيف كما وضّحته الرواية، ومن حيث المضمون ينتمي إلى أقلية المثليين دون أية أسباب أو ظروف كم عودتنا السردية العربية، حتى أنه أقام علاقته الأولى من دون أية عقدة ذنب، إذ قال: "المرة الأولى التي دخلني فيها رجل لم أشعر بالمرة أن شيئًا في داخلي قد انكسر، أو أنني فقدت جزءًا كبيرًا من الكرامة أو الشرف أو الرجولة، بل كان العكس هو ما حدث، كأنني استعدت شيئا كان ضائعًا مني".

يعاين الكاتب بطله بجلاد هو المجتمع، لا سيما حين يخضع لضغوط الآخرين، وقبل الزواج من شيرين، وإنجاب طفلة أملًا منه بإبعاد تهمة الشذوذ عنه، قام بالتقاط عشيقه عبد العزيز من حضن خطيبته أسماء، التي هي قريبة زوجته شيرين. 

هي "في غرفة العنكبوت" رواية تعاين عوالم المثلية الجنسية عن كثب

اقرأ/ي أيضًا: جبور الدويهي.. حميمية السرد

رواية "في غرفة العنكبوت" هي رواية تعاين عوالم المثلية الجنسية في عالمنا العربي عمومًا، وعن الذل والابتذال، الذي قد يصل أحيانًا إلى الضرب والتعنيف القاتل، وعن الإفراط بالتجاوزات التي يرتكبها الجميع بحق المثليين من أفراد ومجتمع وشرطة وعائلة، ومن محاولات الهروب خارج البلاد، عن حكايات ينسجها عنكبوت أخرس ليس أمامه سوى العويل والبكاء والصراخ وأحيانا الانتحار.

"في غرفة العنكبوت" تطرح موضوعًا شائكًا اجتماعيًا، بجرأة ولغة انسيابية، وسرد رشيق، يقرّب المسافة مع قارئها. وإذا كان هناك من رسالة أرادها محمد عبد النبي غير رسالتهِ الأدبية، فهي أن يرفع عن كاهله عبئًا تجاه شريحة لايستهان بها، وعلى الجميع مناقشتها خارج التابوهات الكثيرة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

نجاة عبد الصمد: لا ماء يروي الجنوب

"خمارة جبرا": لماذا لا تسقط النجوم؟