14-مايو-2017

فيروزة دوماس (1965)

بعيدًا عن مواضيع السيّر الذاتية السياسية التي تُعرب لتقديم ما بات معروفًا عن الحياة الاجتماعية داخل إيران، وما ينقل على المواقع الإلكترونية مع تصاعد الثورة المعلوماتية، تكتب الإيرانية – الأمريكية فيروزة دوماس (1965) سيرًة ذاتية مختلفة مصبوغة بسرد فكاهي، ينقل تفاصيل بسيطة لعائلة إيرانية انتقلت من إيران إلى الولايات المتحدة قبل الانقلاب، أو ما يُعرف بـ"الثورة الإسلامية الإيرانية"، بعد أن سرقتها السلطة الحاكمة حتى يومنا الحالي.

تكتب الإيرانية – الأمريكية فيروزة دوماس سيرًة ذاتية بسرد فكاهي، تنقل تفاصيل هجرة عائلة إيرانية 

في "مضحك بالفارسية" (مسارات 2017 ترجمة بثينة الإبراهيم)، تسرد فيروزة دوماس ضمن نصوص سردية قصيرة، يصبغها حسٌ فكاهي صادق، رحلة انتقالهم من "عبادان" في إيران إلى ولاية "كاليفورنيا" الأمريكية عندما كانت في سن السابعة، بسبب انتداب والدها من الشركة الوطنية الإيرانية للنفط للعمل كمستشار لإحدى الشركات الأمريكية لمدة عامين، وامتدت لإقامة دائمة بعد وصول الإسلاميين للحكم في البلاد.

اقرأ/ي أيضًا: في صندوق بريد فرجينيا وولف

في الصفحة الأولى من الكتاب الذي يقع في 209 صفحات كتبت فيروزة دوماس مهدية الكتاب "إلى أبي كاظم الذي يحب سرد القصص.. وإلى أمي نظيرة"، القصص المقبلة ستتيح لنا معرفة السبب في إهدائها هذه السيرة الأكثر من رائعة، لأن والد فيروزة دوماس سيكون حاضرًا في معظم القصص المروية، ومحركها الدائم بأفعاله الفكاهية، وسرده للقصة الواحدة أكثر من مرة، وهو ما سنعرفه من حديث الكاتبة التي كانت تتفاعل معها كما لو أنها تسمعها للمرة الأولى.

تتقمص فيروزة دوماس في كتاب "مضحك بالفارسية" شخصية الحكواتي لتروي شعورها لحظة وصولها للولايات المتحدة، وذهابها في اليوم الأول إلى المدرسة مع والدتها، شعور الأطفال الشرق الأوسطيين في محيطهم الغربي الجديد، فالكتاب يقدم صورًة يمكن مقاربتها بما يعيشه المهاجرون في يومنا الحالي من صعوبة في الاندماج مع المجتمعات الجديدة.

على الغلاف الخلفي اقتبس الناشر تقديم مجلة "لايبراري جورنال" للكتاب: "ينصح بقراءته.. اليوم حين يتعرض الشرق أوسطيون إلى التنميط والعنف العنصريين"، وما كتب في صحيفة "سان خوسيه ميركوري نيوز" بأن فيروزة دوماس "تترجم بوضوح تجربة المهاجرين من أي بلد في العالم.. يقربنا الكتاب من اكتشاف ماذا يعني أن تكون أمريكيًا".

بعد مرور وقت قصير من قراءة عدد من القصص يكتشف القارئ أن شخصية الأب كاظم الطريفة تشبه إلى حد ما شخصيات آبائنا في سردهم لقصصهم التي يصبغونها بلمحات فكاهية، والكثير من البطولة، فهو على الرغم من قصصه الكثيرة عن إقامته في الولايات المتحدة كطالب قبل أن يعود إليها مستشارًا، كان "يتحدث نسخة من الإنكليزية لم يكن يعرفها باقي الأمريكيين".

تستذكر فيروزة دوماس في سيرتها الذاتية "مضحك بالفارسية" جهل الأمريكيين عن إيران، فمنهم من لم يسمع بها أبدًا، ومنهم من عرفها عن طريق السجاد أو القطط الفارسية، اسمها الغريب على المجتمع الغربي جعلها تبدله باسم جولي ليكون أكثر سهولة في اللفظ، فهي تصف علاقة الأمريكيين بإيران قبل حادثة الانقلاب، بأن عقولهم عنها كانت "صفحات بيضاء"، لكن الحال تغير بعد أزمة الرهائن الذين احتجزهم مجموعة من الطلاب الموالين للانقلاب داخل السفارة الأمريكية في طهران.

يغيب الجانب السياسي في "مضحك بالفارسية"،  ليحل مكانها الجانب الاجتماعي الحميمي للعائلة

اقرأ/ي أيضًا: عباس كيارستمي.. ريح الشعر وأوراق السينما

يغيب الجانب السياسي في معظم القصص المسرودة في كتاب "مضحك بالفارسية" ليحل مكانها الجانب الاجتماعي الحميمي للعائلة، ونجد حضورًا لكافة أفرادها من أشقاء الأب، أو أقاربها الأطفال، وبعدها نتعرف على زوجها الفرنسي فرانسوا، ووالدة زوجها التي لا تميل إليها كثيرًا. عندما يحضر السياسي في القصص نقرأ معنى أن تكون من الشرق الأوسط، بالأخص حين تروي كيف كان ينظر إليها الأمريكيون مستذكرين حادثة الرهائن، بينما كان زوجها يدعهم يتخيلون "جين كيلي يراقص ليزلي كارون".

تقول فيروزة دوماس مستذكرة بطريقة ساخرة هذه القضية: "هذا هو السبب الذي جعلني أتمنى أن أبعث في الحياة الأخرى كسويدية، أظن أنني سأكون شقراء طويلة الساقين، وإن عدت سويدية محتجزة في جسد امرأة شرق أوسطية فسأكتفي بالتظاهر أنني فرنسية"، بمثل هذا السرد البسيط غير المتعمق بسير ذاتية سياسية قدمت فيروزة دوماس عن الحياة في إيران لتكون أكثر قربًا من حياتها في كاليفورنيا، لكن ذلك لا يعني أن تكون مؤيدة لحادثة الرهائن، إنما طريقة تعاطي الآخر مع الإيرانيين فيها. اليوم تتكرر الحادثة لكن بتهمة التطرف.. العالم يتغير ونظرة الأخر للشرق الأوسط تبقى ثابتة.

قصص والدها كاظم الطريفة هي أكثر ما يلاحق القارئ في المتن السردي، منذ محاولته أن يصبح غنيًا بانضمامه للاتحاد المحلي للبولينغ، وخسارته في برنامج "بولينغ فور دولارز"، وعدم ربحه على طاولات القمار في لا فيغاس رغم إيمانه بأنه كان قريبًا من "الضربة الكبرى"، ووصولًا لزيارته إلى منزل العالم ألبرت إينشتاين الذي طلب منه أن يحدثه "قليلًا" عن برنامج "فل برايت"، الذي وفر لكاظم الدراسة عامين في الولايات المتحدة، تتخيل فيروزة دوماس أن إينشتاين قال لنفسه بعد إجابة والدها: "لا تسأل عن فل برايت مرة ثانية"، وجهله لحديث العالم الأمريكي عن القطط الفارسية.

بهذا السرد المتقن في "مضحك بالفارسية" تقدم لنا فيروزة دوماس سيرة عائلة فارسية وصلت إلى الولايات المتحدة حلم جميع المهاجرين، لكنها سرعان ما اصطدمت باختلاف الثقافة بين البلدين، فالعائلة على الرغم من حصولها على الجنسية الأمريكية بقيت تحتفظ بتقاليدها وعاداتها، وتحولت مع مرور الوقت لـ"عائلة إيرانية أقل.. وكاليفورنية أكثر".

 

اقرأ/ي أيضًا:

عبد الفتاح كيليطو.. جاحظ يكمل الغناء

تعرّف على 3 من أهم كتب السيرة العربية