01-يوليو-2017

يكتنف الغموض مشروع الضبعة النووي في مصر (أرشيفية)

لأسباب لم تعلن إلى الآن، وافق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في 2015 على عرض روسي دون غيره من عروض دول أخرى، ووقّع على عقد أولي من اتفاقية مشتركة تتضمن بناء محطة للطاقة النووية من الجيل الثالث، تضم أربعة مفاعلات، طاقة كل منها 1200 ميجاوات بإجمالي 4800 ميجاوات. 

وتستوعب تلك المحطة المزمع إنشاؤها، 8 محطات نووية تنفّذ على 8 مراحل، توفر فيها روسيا حوالي 80% من المكوّن الأجنبي للمحطة مقابل 20% من مصر، على أن تقوم مصر بسداد قيمة المحطة النووية بعد الانتهاء من إنشائها وتشغيلها. وكان الاتفاق على أن يتم تشغيل الوحدة الأولى في 2022، والباقي تباعًا حتى عام 2026، وذلك في منطقة الضبعة بمحافظة مرسى مطروح المصرية.

توقف الأمر قليلًا، ثم تناقلت العديد من الصحف المصرية خلال الأيام الماضية، دعوة السيسي "المفاجئة" لتوقيع عقود البدء للانطلاق في تنفيذ هذا البرنامج في ذكرى 30 حزيران/يونيو المنصرم، وذلك بعد التصريح بأن جميع التجهيزات اللازمة للمشروع أوشكت على الانتهاء. 

وشارك في التوقيع المدير العام للشركة الروسية "سيرغي كريانكو"، ووزير الكهرباء المصري محمد شاكر، وعدد من مسؤولي هيئة الطاقة النووية المصري، ولا يبقى إلا قرار السيسي بعد ذلك للبدء فعليًا فى إنشاء المحطة باعتباره الموكل له قرار البدء في تنفيذ البرنامج النووى المصري. كما أكد السفير الروسي "سيرجى كيربيتشينكو"، على أنه تم الاتفاق على 99% من العقود الضرورية لتنفيذ المشروع.

تضم المحطة النووية المزمع إنشاؤها، بتمويل روسي، 4 مفاعلات نووية، طاقة كل منها 1200 ميجاوات

وقالت وزارة الكهرباء المصرية، إنه "تم الانتهاء من صياغة العقود الأربعة الخاصة بالمحطة النووية بشكل قانوني"، مُضيفةً أنّ "العقود أصبحت جاهزة للتوقيع مع الشركة الروسية المسؤولة عن إنشاء المرحلة الأولى من البرنامج النووي المصري، وهو ما أدى إلى دخولها في حيز التنفيذ هذا العام"، وذلك بعد أن أعلنت هيئة الرقابة النووية والإشعاعية المصرية، باعتبارها الجهة الوحيدة المعنية بالتأكد من سلامة المنشآت النووية وإصدار شهادات الصلاحية؛ موافقتها على موقع الضبعة لإنشاء المحطة النووية وعدم انطباق معايير الرفض عليه.

تاريخ المشروع النووي المصري

بدأ الموضوع في عام 1957، حيث كان التفكير آنذاك في إنشاء هيئة متخصصة للطاقة الذرية، والسعي لبناء أوّل مفاعل نووي للبحث والتدريب التجريبي، وهو مفاعل أنشاص، الذي بني بعد ذلك، تحديدًا عام 1961، وهو نفس العام الذي يمكن اعتباره البداية الحقيقية للتواجد النووي في مصر.

اقرأ/ي أيضًا: الطاقة النووية.. الحلم المستمر للدولة المصرية 

كان التفكير بعد ذلك، في منتصف الستينات، في عمل الدراسات التمهيدية للمشروع، التي أدت لإنشاء "مؤسسة الطاقة الذرية" في مصر، وإعداد المواصفات الخاصة بالمحطة النووية عن طريقها، بالتالي تمكنّها من استخدام تلك المحطة في توليد الكهرباء بقدرة 150 ألف كيلووات، وتحلية مياه البحر لإنتاج 20 ألف متر مكعب يوميًا، وذلك في منطقة سيدي كرير بالساحل الشمالي الغربي لمصر، ثم طُرح المشروع في مناقصة عالمية، ورغبت الولايات المتحدة الأمريكية في الإشراف عليه وتنفيذه في عام 1966، إلا أن العدوان الإسرائيلي على مصر في 1967 وفدائح الهزيمة بعدها، أدّت إلى توقف المشروع.

وفي عام 1973، بعد حرب تشرين الأول/أكتوبر، ثم اتفاقية السلام، عاد المشروع لحيز التفكير والتنفيذ مرة أخرى، لكن بأقدام مضطربة أيضًا، ثم جاء قرار تخصيص "محطة الضبعة النووية السلمية" في عام 1981، مع توقيع مصر على معاهدة حظر السلاح النووي، والتفكير في اتخاذ خطوات أكثر فاعلية تجاه المشروع، حتى وقعت أكبر كارثة نووية شهدها العالم، بانفجار مفاعل تشرنوبل عام 1986، وتوقف التفكير في المشروع تمامًا هذه المرة نظرًا لخطورته المحتملة.

انفجار مفاعل تشرنوبل دفع السلطات المصرية إلى تأجيل مشروعها النووي (إيغور كوستين/ Getty)
انفجار مفاعل تشرنوبل دفع السلطات المصرية إلى تأجيل مشروعها النووي (إيغور كوستين/ Getty)

وفي عام 2007، عادت الحكومة المصرية مرة أُخرى لتعلن تفعيل البرنامج النووي المصري. واستقرت الآراء آنذاك على منطقة الضبعة على الساحل الشمالي الغربي على البحر المتوسط، ما أدّى إلى تهجير أهالي الضبعة من أرضهم قسريًا، وسحب الأراضي منهم، في مشهد ربما لا يختلف كثيرًا عن ترحيل أهالي النوبة في مصر من أراضيهم لبناء السد العالي، إلا أنّ مشروع المحطة النووية لم يكتمل طوال تلك الفترة.

وبعد اندلاع ثورة 25 يناير، عاد سكان منطقة الضبعة للسيطرة مرة أخرى على أراضيهم بالقوة أيضًا، وسط حالة من التهلهل الأمني في البلاد. واستمر وضعهم كمعتصمين حتى أواخر 2012، حتى بعد مجيء الرئيس المعزول محمد مرسي، وفتحه ملف المشروع مرة أخرى، واستمر حتى منتصف 2013، ووقعت مواجهات بين الشرطة والأهالي على الخروج من الأرض.

وفي أيلول/سبتمبر 2013، تحدثت الصحف القومية عن عقد عدة لقاءات ضمت مشايخ قبائل الضبعة وقيادات الداخلية، تحت إشراف مدير مكتب المخابرات الحربية في مطروح، العميد علاء أبوزيد، الذي أصبح محافظ مطروح بعد ذلك، وتم الاتفاق على أن يخلي سكان الضبعة المنطقة، مع تعهد بعدم الملاحقة الأمنية لهم، وإعادة افتتاح قسم شرطة الضبعة بعد تجديده على "نفقة الأهالي"، وإنشاء مدينة جديدة بمثابة "هدية" لهم.

وفي نفس العام، أنشئت أول مدرسة ثانوية فنية نووية بمنطقة الضبعة في مرسى مطروح، بنظام 5 سنوات دراسية، وانتهت 40% من أعمال إنشائها، على أن يتم افتتاحها أيلول/سبتمبر من 2017 الجاري، بحسب محافظ مرسى مطروح.

لغز "مستور أبو شكارة" والدولة

منذ عدة أعوام نشرت صحيفة المصري اليوم خبرًا يفيد بقيام أهالي مدينة الضبعة بإغلاق مبنى مجلس المدينة، مبدين اعتراضهم على الدعوى القضائية التي رفعتها هيئة محطات الطاقة النووية ضد الأهالي، ووصفتهم فيها بالإرهابيين. واختصت الدعوى كلًا من المواطنين مستور أبو شكارة وشقيقه جمعة أبو شكارة، بتهمة التحريض على هدم سور المفاعل، والاعتداء على المباني التابعة للمشروع داخل السور.

وفي تصريحات صحفية، قال مستور أبو شكارة إن "مدينة الضبعة تعاني من إهمال وحرمان شديد، مثل أزمة مياه الشرب والتمليك والوظائف، بين تجاهل المسؤولين في المحافظة وصمت أعضاء مجلس الشعب"، مُضيفًا: "حتى قامت هيئة محطات الطاقة النووية، برفع دعوة قضائية ضد أهالي الضبعة، عندما قرروا العودة إلى أراضيهم وبيوتهم التي سلبت منهم على مدار 30 عامًا، فقرر الأهالي التصعيد والمطالبة بحقوقهم المتمثلة في إلغاء الدعوة القضائية الباطلة، وتسليم شباب الضبعة عدد 18 شقة بنية داخل سور المشروع الوهمي كمبانٍ إدارية، وهي في الحقيقة شاليهات للعاملين بالهيئة، وكذلك حل مشاكل المياه والوظائف".

وبعد جلسات الصلح، عُيّن مستور أبوشكارة رئيسًا للجنة التنسيقية لمتضرري أهالي الضبعة. وقال أبوشكارة، إنه بسبب مشروع الضبعة، تضررت 1500 أسرة، بمتوسط سبعة أفراد للأسرة الواحدة، أي أن إجمالي من تضرروا من المشروع، وفقًا لأبوشكار، قرابة 10 آلاف مواطن.

 يشتكي كثير من الأهالي المتضررين من مشروع الضبعة، من طلبات الحكومة لهم بدفع أكثر من 250 ألف جنيه للحصول على المساكن البديلة!

لكن، وفقًا لأبوشكارة أيضًا، فإن المتضررين حصلوا على وعود تعويضية، منها إقامتهم في مدينة الضبعة السكنية الجديدة، والتي أُنشئت بقيمة ملياري جنيه. وفي انقلاب واضح لخطاب أبوشكارة، قال: "نحن على ثقة بأن القيادة السياسية على وعي تام بمخاوفنا، وتعمل على إزالتها، ونحن نؤكد أننا وضعنا ثقتنا فى محلها، وسلمنا الأرض إلى مؤسسة عريقة وأمينة، ليس على مشروع الضبعة فحسب، بل على مقدرات وثروات وحدود الدولة المصرية"، مُضيفًا: "ومن هنا فإننا نرحب بجميع الجهود التى من شأنها رفعة الوطن وتقدمه، وما يهمنا في الأساس هو صالح المجتمع، وهذا ما سنعمل على تفعيله من خلال التعاون المثمر والبناء".

اقرأ/ي أيضًا: عنتريات فرعون صغير

وفي سياق متصل، أُعلن في حزيران/يونيو 2016، عن افتتاح المرحلة الأولى من المدينة السكنية الجديدة بالضبعة، والتي كان السيسي قد أعلن عن إنشائها للمتضررين من أهالي الضبعة، تحت إشراف وتنفيذ الهيئة الهندسية بالقوات المسلحة. 

وأنشئت تلك المرحلة من المدينة السكنية على الجزء الغربي من أرض المحطة النووية، على مساحة 2380 فدان، وتضم ألف مسكن على الطريقة البدوية من 1500 مسكن بالمدينة، واستراحات وبيوتًا صغيرة لمجموعة العاملين بالمشروع، بتكلفة إجمالية تبلغ مليار جنيه، بينما لم يكتمل المشروع حتى كتابة هذه السطور.

انقلب مستور أبوشكارة من المطالبة بحقوق المتضررين من مشروع الضبعة، إلى الترويج لـ"الثقة في القيادة السياسية" (صحيفة الأهرام)
انقلب مستور أبوشكارة من المطالبة بحقوق المتضررين من مشروع الضبعة، إلى الترويج لـ"الثقة في القيادة السياسية" (صحيفة الأهرام)

في المقابل نجد أن أغلب المتضررين، لا زالوا ينتظرون وعودًا من القوات المسلحة بتوفير وظائف لأبنائهم، وتوفير مشروعات تنموية للقضاء على البطالة بين أفراد المنطقة، كما يشتكون من مطالبات الحكومة بدفع مبالغ مالية تزيد عن 250 ألف جنيه للفرد للمساكن التي أعلنوا سابقًا أنها ستقدّم "كهدية" مقابل خروجهم من أرضهم، بسبب "تغيّر الظروف" كما قالت الحكومة. وذلك بخلاف ما يعلنه مستور أبو شكارة للصحف!

مشاكل أخرى في المشروع

يحتاج المفاعل إلى "الوقود النووي" الذي يتم تجديده سنويًا، في حين أنّ عددًا قليلًا من دول العالم فقط هي التي تملك تقنية "دورة الوقود النووي الكاملة"، وهو ما يكلف مصر كثيرًا إذا لم تستطع توفيره ضمن الاتفاقية، مع العلم بأن شروط الاتفاقية غير معلنة للآن، وهو ما دفع عديد المتخصصين إلى التساؤل حول ما إذا كانت الاتفاقية تسمح بالحصول على الوقود النووي من خارج روسيا أم لا؟ ثم، هل تحتاج شبكات الكهرباء المصرية إلى تطوير يجاري عمل المفاعلات النووية؟ ولا إجابة على أي سؤال يخص المشروع بصورة تقنية، نظرًا لعدم إتاحة معلومات كثيرة عنه من قبل السلطات المصرية.

ومن جانبه، قال وكيل بوزارة الكهرباء المصرية، في تصريحات صحفية، إن "إنتاج الكهرباء من المشروعات النووية يعد من المشروعات الاقتصادية الأرخص بعد الطاقة التي تم استغلال جميع مصادرها في مصر بنسبة بلغت 98%"، زاعمًا أنّه "لا مخاطر من التخلص من بقايا الوقود النووي والنفايات أو استقدام هذا الوقود".

فيما قال السيسي إن "توقيع الاتفاقية وسط الأحداث التي يمر بها العالم، يعتبر رسالة أمل وعمل وسلام لمصر وللعالم"، مضيفًا أن "البرنامج نووي سلمي، وسيتم سداد تكلفة المحطة على 35 عامًا ومن عائدها حتى لا نكلف الأجيال القادمة عبء سداد الديون".

لكن في المقابل، يُعارض بعض المتخصصين ما تروج له الدولة، باعتباره لا ينطبق على الحالة المصرية لعدة اعتبارات، من أهمها عدم امتلاك الدولة للخامات الضرورية، أو حتى الإمكانيات المادية الثاتية للمشروع، وهو ما سيعرضها لتراكم الديون على الأجيال القادمة.

نقطة أخرى هامة يُشار إليها، وهي أنّ مشروعًا مماثلًا مع نفس الشركة الروسية، في تركيا، مُفعّل بتكلفة أقل بخمس مليارات دولار، فيما أنّ تكاليف المشروع المصرية تصل إلى 29 مليار دولار، تدفع منهم مصر أربعة مليارات، وتقرضها روسيا 25 مليار، كأضخم قرض في تاريخ مصر.

من جهة أخرى، انتهى قسم التشريع بمجلس الدولة، برئاسة المستشار أحمد أبو العزم، من مراجعة مشروع قانون إنشاء الجهاز التنفيذى لإدارة مشروعات إنشاء المحطات النووية لتوليد الكهرباء. وقال أبوالعزم، إن "حاجة الدولة الماسة أدت إلى إنشاء جهاز جديد للإشراف على عقد إنشاء المحطة النووية الضبعة حتى تسليم المشروع إلى هيئة المحطات النووية لكونها الجهة المالكة والمشغلة لها".

تُقيم نفس الشركة الروسية مشروعًا مماثلًا في تركيا بتكلفة 5 مليارات دولار، في حين أن المشروع المصري يكلف 29 مليار دولار!

وتضمن مشروع القانون المعروض في 18 مادة، اعتبار هذا الجهاز "هيئة عامة اقتصادية"، حتى يتمتع بالمزايا المقررة لهذه الهيئات، وتتحقق له المرونة في سرعة إصدار القرارات اللازمة لتحقيق الهدف من إنشاءه، "مع الوضع في الاعتبار ما قد تقدمه الدولة من اعتمادات مالية يستطيع بها مباشرة مهامه وإمكانية الاستفادة منه في الإشراف على إنشاء المحطات النووية الأخرى في مصر وخارجها مستقبلًا، بالإضافة إلى إصدار لوائح داخلية دون التقييد بالقوانين والنظم الحكومية، على أن تكون له موازنة مستقلة وعدم ترحيل الفائض من موازنته من سنه إلى أخرى "، وفقًا لتصريحات أبو العزم.

اقرأ/ي أيضًا: مصر في زمن التوك توك

كما نص مشروع القانون على "إعفاء ما يتم استيراده من الأدوات والأجهزة وغيرهما من الجمارك وغيرها من الضرائب والرسوم. كما يتم تشكيل ذلك المجلس بقرار من رئيس الجمهورية بناء على عرض رئيس مجلس الوزراء وترشيح وزير الكهرباء".

لكن في المقابل، يرفض متخصصون مشروع القانون، كونه يُرجع الأمر برمته إلى سلطات رئيس الجمهورية، كما أنه يزيد المشروع غموضًا على غموضه بعدم التصريح عن الميزانية التي تحدد للمشروع حتى يسير في إطارها.

وإجمالًا، ورغم أن الخيار النووي للطاقة، يُطلَق عليه مصطلح "خيار التمكين الكلي"، لما يمكن أن يوفره من قوة سياسية واقتصادية للدولة التي يوجد بها، حيث تساهم الطاقة النووية بحوالي 14% من صناعة الطاقة في العالم، بالإضافة لما تقوله الحكومة المصرية من أنّ المشروع سيعمل على "دخول مصر ضمن قائمة الدول المصدرة للطاقة"، كما أنّه قد يوفر آلاف فرص العمل للشباب؛ إلا أنّ المشروع لا يزال يواجه العديد من العوائق التي يجب تذليلها، فضلًا بالطبع عن الحالة العامة من الغموض، وعدم إتاحة معلومات كافية حوله، ما يدفع العديدين إلى التشكيك في جدّيته، وجدواه.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

حاميها حراميها.. تملك الشقق بوضع اليد في مصر!

الأسعار ترتفع في مصر مجددًا.. جوع بأمر صندوق النقد