24-أبريل-2024
ما أول ناطحات سحاب في العالم؟

(freepik) يمكن أن تعدّ مباني شبام مثالًا على أول ناطحات السحاب في العالم تاريخيًا

يقصد بناطحات السحاب المباني التجارية الشاهقة ذات الهياكل الحديدية أو الفولاذ، المبنية في أواخر القرن الـ19 عشر ومطلع القرن الـ20، وفيما يتعلق بأول ناطحة سحاب فإن مبنى التأمين على المنازل في شيكاغو المكون من 10 طوابق فقط يعد أول بناء يمكن أن للتسمية أن تنطبق عليه. ومع مررو  الزمن تتابع بناء وتشييد عمارات أطول، ساعد في ذلك تطور الهندسة المعمارية ومواد البناء المستخدمة التي من أهمها اختراع طريقة لإنتاج الفولاذ بكميات كبيرة. حتى صارت ناطحات السحاب بالهيئة التي نراها اليوم، فصارت بعض البنايات بعدد طوابق يزيد عن الـ 100 طابق وتتجاوز ارتفاعاتها 2000 قدم (600 متر).

 

أول ناطحات سحاب في العالم

كان البنيان الشاهق أمرًا معهودًا في بعض الحضارات القديمة، فها هي الأهرامات مثلًا التي ترتفع عاليًا حتى 139 مترًا، فهل يمكن اعتبار هذه المقابر الملكية الفخمة ناطحات سحاب؟ يبدو أنه لكي يعد المبنى ناطحة سحاب فإنه في البداية لا بد من أن يكون مبنى عموديًا يرتفع طوليا بطوابق متعددة، وفي التاريخ القديم برزت مباني مدينة شبام في حضرموت كمثال على ذلك.

 

عمارات شبام في حضرموت اليمن

اليمن بلد الحضارات والإرث التاريخي المجيد، هذا البلد الذي من فرط ما فيه من حياة نابضة وازدهار وخيرات سمي باليمن السعيد، وهو الآن في حالة يرثى لها ككل بلادنا، فلا هو بالمزدهر ولا بالسعيد، ومهما كان مؤلمًا الوعي بما آلت إليه الأحوال، فقد يتعين علينا إشاحة النظر قليلًا عن الحاضر، واختلاس نظرة خجلى إلى تاريخ المكان الجميل.. ولعل من أروع ما يمكن النظر إليه هو الطراز المعماري البديع لمدينة شبام اليمنية، المميزة.

وشبام مدينة محصنة ومحاطة بأسوار، تمثل خير مثال على روعة الحضارة الحضرمية في الفترة الممتدة بين القرنين 16-17 للميلاد، في معمارها وهندستها، فبالإضافة إلى المباني فإن تخطيط الشوارع والساحات تدل على براعة المهندسين، خاصة لأن المدينة معمَّرة في واد بين جبلين. ويبلغ ارتفاع مبانيها (المبنية من الطين) حوالي 40 مترًا، وبتعداد طوابق يصل إلى 7. وهي مبنية عموديًا بقاعدة عريضة تضيق كلما ارتفع البناء، وهي مدعمة بهياكل خشبية من الداخل، وغالبا كانت المباني مخصصة لعائلة واحدة، ويُتخذ من الطابقين الأوليين إسطبلات للخيول أو المواشي، مع استغلال بعض المساحات فيهما كمخازن، أما الطابق الثالث فعادة ما يكون المسكن الرئيسي للسكان. وبذلك يمكن أن تعدّ مباني شبام مثالًا على أول ناطحات السحاب في العالم تاريخيًا.

من أهم العوامل التي جعلت بناء أول ناطحة سحاب ممكنًا عملية بيسمر لإنتاج الفولاذ بكميات كبيرة

أول ناطحات السحاب حسب المفهوم الحديث

عند اعتماد تعريف ناطحة السحاب بكونها مبنىً تجاريًا طويلًا بهيكل مكون من الحديد أو الفولاذ. فإن أول ناطحة سحاب حديثة هي مبنى التأمين على المنازل في شيكاغو، المكون من 10 طوابق بطول 180 قدم (بحدود 55 مترًا)، وقد اكتمل بناؤه في عام 1885. ولعل من أهم العوامل التي جعلت بناء أول ناطحة سحاب ممكنًا عملية بيسمر لإنتاج الفولاذ بكميات كبيرة. ولاحقًا في عام 1931 هُدم المبنى واستبدل بالمبنى الميداني، وهو ناطحة سحاب أطول مكونة من 45 طابقًا.

وعلى الرغم من أن ناطحات السحاب الأولى كانت صغيرة نسبيًا مقارنة بما هي عليه اليوم، إلا أنها شكلت تحولًا مهمًا في البناء والتطوير الهندسي. ومن العمارات الأكثر شهرة في التاريخ المبكر لناطحات السحاب، نذكر:

  1. ناطحات سحاب شيكاغو

بالإضافة إلى مبنى التأمين، فقد شهدت شيكاغو في وقت مبكر جدًا بناء عدة عمارات تصنف كناطحات سحاب، ومنها:

  • مبنى تاكوما: الذي شُيّد باستخدام إطار من الحديد والفولاذ، وقد تم تصميم مبنى تاكوما من قبل شركة الهندسة المعمارية الكبرى هولابيرد آند رووت.
  • مبنى راند ماكنالي: تبرز أهمية مبنى راند ماكنالي، الذي اكتمل بناؤه عام 1889، كأول ناطحة سحاب مبنية بإطار فولاذي بالكامل.
  • مبنى المعبد الماسوني: يضم المعبد الماسوني مساحات تجارية ومكاتب واجتماعات، وقد تم الانتهاء منه في عام 1892. وقد لفترة من الوقت أطول مبنى في شيكاغو. 
  1. ناطحات سحاب نيويورك

نيويورك لحقت شيكاغو في تصميم وبناء ناطحات السحاب، ومن أبرز أمثلتها:

  • مبنى البرج: كان مبنى البرج، الذي اكتمل بناؤه عام 1889، أول ناطحة سحاب في مدينة نيويورك.
  • مبنى الضمان الأمريكي: على ارتفاع 300 قدم، حطم هذا المبنى المكون من 20 طابقًا الرقم القياسي لارتفاع شيكاغو عندما تم الانتهاء منه في عام 1896.
  • مبنى نيويورك العالمي: كان هذا المبنى موطنًا لصحيفة نيويورك وورلد.
  • مبنى فلاتيرون: مبنى فلاتيرون هو أعجوبة مثلثة الشكل ذات إطار فولاذي لا تزال قائمة في مانهاتن حتى اليوم. وفي عام 1989، تم تحويله إلى معلم تاريخي وطني.

أما مبنى وينرايت: فهو ناطحة السحاب صممها المهندسان دانكمار أدلر ولويس سوليفان، وتشتهر بواجهتها وزخارفها المصنوعة من الطين، وكان إنشاؤها قد اكتمل في عام 1891 في منطقة سانت لويس في ولاية ميسوري الأمريكية.

خلال العقود التي تلت الحرب العالمية الثانية، فقد ارتفع عدد ناطحات السحاب

لقد مر تصميم ناطحات السحاب بعدة مراحل. فكانت هناك مبان يبرز تصميمها البناء العمودي، وبعضها احتفظ بالطراز التقليدي الذي كان سائدًا، فعلى سبيل المثال برزت بعض الناطحات ذات طابع يعكس النهضة الكلاسيكية الجديدة، كالبنايات المصممة بنمط الأعمدة اليونانية الكلاسيكية. وذلك يتضح في شكل مبنى متروبوليتان للتأمين في مدينة نيويورك عام (1909) المبني على نمط برج الأجراس في سانت مارك في البندقية، ومبنى وولوورث (1913)، الذي يعد مثالًا رئيسيًا على الزخرفة القوطية الجديدة. وحتى المنحوتات على أبراج مثل مبنى كرايسلر عام (1930)، أما مبنى إمباير ستيت (1931)، ومبنى آر سي إيه (1931) في مدينة نيويورك، فقد كانا يعدان آنذاك كمثال على التكنولوجيا الجديدة، ولكن بالنظر إلى تصميمهما حاليًا فلا يمكن إلا رؤيته من منظور كونهما يتبعان نمطًا معماريًا قديمًا بزخارفهما وهيئتهما العامة القديمة.

أما خلال العقود التي تلت الحرب العالمية الثانية، فقد ارتفع عدد ناطحات السحاب كمبنى سيجرام (1958) في مدينة نيويورك وشقق ليك شور درايف (1958). كما أصبحت البنايات المبنية بطريقة عمودية بالواجهات الزجاجية هي النمط المميز لمظهر الحياة الحديثة في العديد من البلدان. وبحلول السبعينيات، برزت محاولات لإضفاء سمات طبيعية على المباني كدمج الساحات والمتنزهات داخل قواعد ناطحات السحاب وحولها، تمامًا كما تم إقرت قوانين لتقسيم المناطق في السنوات الأولى من القرن العشرين لتجنب تراكم ناطحات السحاب وحجبها للشمس بحيث تصبح شوارع المدينة مظلمة فصار التوجه نحو بناء ناطحات سحاب أقصر ومدرجات. وبذلك استمر بناء أبراج المكاتب، مثل برج مركز التجارة العالمي (1972) في مدينة نيويورك وبرج سيرز (1973 وصار يُسمى الآن برج ويليس) في شيكاغو، وتتميز بمساحات مبتكرة للتسوق والترفيه.

 

يعود الفضل في جعل بناء ناطحات السحاب مشروعًا قابلًا للتنفيذ إلى جهود المهندس والمخترع الإنجليزي هنري بيسمر، الذي اخترع أول عملية لإنتاج الصلب على نطاق واسع وبتكلفة زهيدة في عام 1855، وقد سميت هذه العملية بـ عملية بسمر. ومن قبله كان الأمريكي يعمل على عملية مماثلة لصنع الفولاذ. وقد فتح هذا الاختراع الآفاق أمام الشركات لإنتاج الفولاذ مما عنى صنع هياكل أطول فأطول. فما يزال الفولاذ الحديث يُصنع اليوم باستخدام تقنية تعتمد على عملية بسمر.

كما أصبح بناء المباني الشاهقة ممكنًا أيضًا من خلال اختراع المصعد الكهربائي في عام 1883، الذي أدى إلى تقليل الوقت الذي يستغرقه التنقل بين الطوابق. بالإضافة إلى دور اختراع الإضاءة الكهربائية الذي جعل من السهل إضاءة المساحات والطوابق.