23-يناير-2024
تعتبر دعوة جنوب أفريقيا اختبارًا للعدالة الدولية (GETTY)

(Getty) تعتبر دعوة جنوب إفريقيا اختبارًا للعدالة الدولية

لا تزال الدعوى القضائية التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد "إسرائيل" في محكمة العدل الدولية، بتهمة ارتكابها إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في غزة، تلقى تفاعلًا على الصعيد الدولي، إذ تعتبر المحكمة أعلى هيئة دولية تنظر في قضايا الجرائم التي يمكن أن تدين الدولة مدعومة غربيًا.

وفي هذا الإطار، نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" تقريرًا تتساءل فيه عن أهمية الدعوة التي قدّمتها جنوب إفريقيا لمحكمة العدل الدولية ضد "إسرائيل".

من المرجح، ألا يصدر قرار بشأن الدعوى التي تنكرها "إسرائيل"، قبل سنوات، إلا أن المحكمة بقضاتها الـ 17 ستقرّر في الأيام المقبلة ما إذا كانت ستقبل المطلب الجنوب إفريقي، الذي يتضمن تدابير تعني الحدّ من الهجوم الإسرائيلي على غزة. 

وبحسب الصحيفة البريطانية، فإن الدعوى لا أساس لها وتثير السخط لدى "إسرائيل" وحلفائها، أما بالنسبة للفلسطينيين وداعميهم، وخاصة في عالم الجنوب، فالدعوى هي بمثابة امتحان للنظام الدولي الذي يرون أنه ظلّ دائمًا يعمل ضدهم.

تقول المتخصصة في استطلاعات الرأي بتل أبيب، داليا شيندلين: إن "قلّة من النزاعات حول العالم أحدثت هزات مثل هذا الصراع. وفي كل أنحاء العالم، لدى الناس موقف منه"، وأضافت: "لهذا، أتخيل أن يشعل أي قرار من المحكمة الطرفين، بطريقة أو بأخرى".

قال السفير حسام زملط عن الدعوى في محكمة العدل: "هذا هو أول جهد دولي جاد لإنهاء هذا الوضع المروع والمطالبة بالمساءلة بعد 75 عامًا من حرماننا من حقوقنا الأساسية المساوية لجميع الشعوب الأخرى"

تشير "فايننشال تايمز" إلى أنه لا يزال قرار جنوب إفريقيا تقديم "إسرائيل" للمحكمة غير مفهوم ومثير للغضب، خاصة أن قانون الإبادة الجماعية 1948، الذي أقامت عليه جنوب إفريقيا دعواها، ظهر بعدما قتل النازيون والمتعاونون معهم 6 ملاين يهودي في الحرب العالمية الثانية.

أما بالنسبة للفلسطينيين فتقدم الدعوى شيئًا مختلفًا تمامًا، ويتمثل في الأمل بزيادة الضغط الدولي على "إسرائيل" لإنهاء هجومها المدمر على غزة، الذي قتل الآن أكثر 25 ألف شخص، وشرد 1.9 مليون من سكان القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة. كما يرونها فرصة لمحاسبة "إسرائيل" على اضطهادها لهم خلال 75 عامًا الماضية.

يتحدث السفير الفلسطيني في المملكة المتحدة، حسام زملط، للصحيفة البريطانية، قائلًا: "هذا هو أول جهد دولي جاد لإنهاء هذا الوضع المروع والمطالبة بالمساءلة بعد 75 عامًا من حرماننا من حقوقنا الأساسية المساوية لجميع الشعوب الأخرى"، وأضاف: "هذه لحظة حاسمة، إذا التزمت محكمة العدل الدولية بولايتها القانونية ونجحت في حكمها، فإنها ستنجح لنفسها وللنظام الدولي القائم على القانون. وإذا فشلت فأعتقد أنها ستفشل لنفسها وللتفويض الذي تملكه، وللنظام الدولي القائم على القانون".

وكي تتخذ قرارًا يجب على المحكمة تحديد ما إذا كانت أفعال "إسرائيل" تقع تحت قانون الإبادة الجماعية، وما إذا كان هناك حاجة إلى تدابير طارئة لحماية حقوق الفلسطينيين في غزة، وهي عتبة أقل بكثير من تلك المطلوبة لدعم الدعوى التي تقدمت بها جنوب إفريقيا.

(GETTY) من مظاهرة أمام محكمة العدل الدولية
 من مظاهرة أمام محكمة العدل الدولية

وإذا قررت المحكمة، أن الدعوى تتوافق مع قانون الإبادة، فإن المحكمة ستقر بعض أو كل التدابير التي طلبتها جنوب إفريقيا، والتي تتراوح من التعليق الفوري للعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة،  إلى ووقف التحريض على ارتكاب الإبادة الجماعية.

وقالت أستاذة القانون الدولي في كلية الحقوق بجامعة كاليفورنيا، تشيمين كيتنر: أي "تدابير يتم إقرارها في هذه المرحلة الأولية ستعني بأنها مبررة قانونيًا"، لكنها أردفت: "في حين إنها حقًا مجرد خطوة أولى في عملية أكثر دقة وأكثر استهلاكًا للوقت."

ويشك محللون قانونيون، بأن قرار من المحكمة سيكون ملزمًا لإسرائيل، فهم يقولون إن حماس ليست مشمولة بالقضية، ولا تزال تحتفظ بـ 130 محتجزًا في غزة، وربما كانت النتيجة هي حلّ وسط من ناحية زيادة المساعدات الإنسانية، وفتح المجال أمام تحقيقات مستقلة، بحسب ما تقوله الصحيفة.

ويرى المحللون إنه في حالة قررت "إسرائيل" تجاهل قرار المحكمة، فإن أي قرار سيؤثر على طريقة تعامل الدول مع "إسرائيل"، مثل عدم بيع السلاح لها أو الاستعداد لفرض عقوبات عليها.

فيما يؤكد آخرون أن القرار سيترك أثره على دعاوى أخرى مقدمة للمحكمة الجنائية التي تتعامل مع حالات ضد أفراد وليس دولًا. وتقول الخبيرة بالقانون الدولي وحقوق الإنسان، شيلا بيلان: إنها "جريمة الجرائم، ولهذا فهذه لحظة متفجرة للغاية".

بالنسبة للمحكمة نفسها هناك الكثير من القضايا على المحك، فثمة الكثير من الدعاوى التي تعرّضت للشلل بسبب مجلس الأمن الدولي. ولدى الدول استعداد للجوء إلى المحكمة ضد الدول الأخرى، لإصدار تدابير بشأن القضايا الإنسانية العاجلة.

وأشارت كيتنر إلى أن ذلك في نهاية المطاف يعزز من نفوذ المحكمة، ولكن كان هناك خطر من أن يتم جذب المحكمة بشكل متزايد إلى قضايا من شأنها أن تتركها مفتوحة أمام اتهامات بالتسييس.

وأضافت: "يمكن أن تساعد محكمة العدل الدولية على أن تكون هيئة أكثر نشاطًا واستجابة في النظام القانوني الدولي، خاصة في ضوء شلل مجلس الأمن"، وتابعت: "لكن الخطر هو أن محكمة العدل الدولية ستواجه شكاوى في الكوارث الإنسانية الانتقائية، وهذا من شأنه، على ما أعتقد، أن يغير بشكل أساسي الدور الذي لعبه حتى الآن".