31-يناير-2022

شبكة من المصالح المعقدة تحكم علاقة تركيا بملف أوكرانيا (نيويورك تايمز)

الترا صوت – فريق التحرير

في المائة عام بعد سقوط خانية القرم، استولت الإمبراطورية الروسية تدريجيًا وبالقوة على الأراضي الواقعة غرب أوكرانيا حتى وصلت إلى عتبة القسطنطينية في العام 1878. وتحت ضغط من موسكو خسر العثمانيون البلقان مع ظهور دول حديثة النشأة، وأصبح الآلاف من الأتراك لاجئين في الشرق، حيث استولت الإمبراطورية الروسية على القوقاز بعد حملة دامية خلفت آلاف القتلى من المسلمين، واستولت على مدن تركية مثل كارس وأردهان وأرتفين. 

تشعر أنقرة بالقلق حيال احتمالات الغزو الروسي لأوكرانيا، فهذا من شأنه أن يعطل التعاون القائم مع كييف في مجال صناعة الأسلحة، كما يزيد من هيمنة موسكو على البحر الأسود

مثل هذه القصص هي التي تتبادر إلى الذهن اليوم في تركيا بينما تحشد روسيا قواتها على الحدود الأوكرانية. ففي الأشهر القليلة الماضية تم نشر دبابات وقاذفات صواريخ وقوات خاصة ونحو 120 ألف جندي روسي، حسب تقديرات غربية، ما يشير إلى أن حربًا أو عملية عسكرية  تلوح في الأفق. تشعر أنقرة بالقلق حيال احتمالات الغزو الروسي لأوكرانيا، فهذا من شأنه أن يعطل التعاون القائم مع كييف في مجال صناعة الأسلحة، كما يزيد من هيمنة موسكو على البحر الأسود، وهو ما يؤثر على قطاع السياحة والطاقة في تركيا. مع ذلك، فإن علاقتها مع موسكو محكومة بتوازنات دقيقة أيضًا، بالنظر إلى أهمية السياحة الروسية، إضافة إلى التعاون المشترك، أو الاتفاقيات الضمنية في ملفات عديدة.

يسرد موقع Middle East Eye البريطاني وقائع تاريخية يتعلمها التلاميذ الأتراك في المدارس: "عبر التاريخ  سعت روسيا للسيطرة على موانئ المياه الدافئة التي تنتمي إلى الإمبراطورية العثمانية، خلقت هذه السياسة تنافسًا كبيرًا بين موسكو والقسطنطينية، وهو التنافس الذي كان يتأرجح تدريجيًا لصالح الأولى، حيث استولت الإمبراطورية الروسية على كل مئا تريده من الباب العالي من خلال الحرب والإكراه، وكانت خانية القرم التي تتبع أوكرانيا اليوم، أول معقل عثماني يسقط في أيدي الروس حيث استولت عليها موسكو عام 1783".

ليس مجرد تاريخ

لا يرى المسؤولون الأتراك أن هذا مجرد تاريخ على ما يبدو. يقول أحدهم فضل عدم الكشف عن هويته للموقع البريطاني، "أوكرانيا مثل السد الذي يوقف المزيد من النفوذ والضغط الروسي في المنطقة. إذا سقطت أوكرانيا فسيكون لذلك تداعيات مباشرة على تركيا". ويعلم الجميع في أنقرة، يضيف تقرير ميديل إيست آي، أن تلك العملية ستضع تركيا في مرمى هذا الصراع. لذا منذ أشهر يحاول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان التوسط  لاستضافة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والأوكراني فولوديمير زيلينسكي في قمة بتركيا لإعطاء فرصة للجهود الدبلوماسية، لكن المسؤولين الأتراك يدركون جيدًا أن الرئيس الروسي لا يريد مثل هذا الاجتماع، حتى أن المتحدث باسمه ديمتري بيسكوف سخر من المبادرة.

A guided-missile cruiser from the Russian Navy  in the port of Sevastopol, Crimea, in November. Russia called off plans to conduct naval exercises next week in international waters off Ireland’s coast.

ويتوقع أن يزور أردوغان أوكرانيا في 3 شباط/ فبراير المقبل وسيحاول الدفع بمبادرة  للسلام بين بوتين وزيلينسكي. وكما يوضح المسؤول التركي نفسه، "علينا أن نحاول التحدث إلى كلا الجانبين لمنع مثل هذه الحرب، ليس لدينا خيار، علينا أن نفعل ذلك على الرغم من أننا لسنا متفائلين للغاية". 

تعتقد أنقرة إذًا أن لديها مصالح أساسية في أوكرانيا، فقد سارع المسؤول التركي في حديثه إلى الموقع البريطاني بذكر شبه جزيرة القرم وتتار القرم الشقيقين، الذين يُنظر إليهما على أنهما مناطق تركية، لذا هذا يستلزم من تركيا الاهتمام الكامل بأوكرانيا. وقد قال أردوغان في عدة مناسبات إن تركيا لن تعترف أبدًا بضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014. 

في نفس السياق، يبرز إلى الواجهة التعاون العسكري بين أنقرة وكييف خاصة في مجال صناعة طائرات بدون طيار، حيث تزود الشركات الأوكرانية تركيا بالمحركات لمجموعة متنوعة من مشاريع صناعة  الطائرات بدون طيار المتقدمة. وقد بدأت كييف في الإنتاج المشترك للطائرات بدون طيار الشهيرة Bayraktar TB-2 الشهر الماضي، كما أقامت شركة Baykar التي تنتج Bayraktar TB-2 مصنعًا على أرض في أوكرانيا، وقد بدأ العمل في بناء المصنع، وقال المسؤولون الأوكرانيون إن لديهم 12 مقاتلة من طراز  Bayraktar TB-2، ولديهم خطط لشراء 24 أخرى.

بالمقابل أوضح المسؤولون الروس بمن فيهم وزير الخارجية سيرجي لافروف أن موسكو منزعجة بشدة من بيع تركيا طائرات Bayraktar TB-2  إلى أوكرانيا، والتي استخدمت إحداها لضرب مدفع هاوتزر روسي الصنع في إقليم دونباس المتنازع عليه. 

على الرغم من تلك الانتقادات إلا أن موقع Middle East Eye يوضح أن تركيا وقعت مع أوكرانيا صفقة جديدة تم بموجبها بيع طائرة بدون طيار مسلحة بأسلحة ثقيلة وتحملها على ارتفاعات عالية يطلق عليها اسم Akinci، وهي أول عملية تصدير لمثل هذه الطائات، والتي يتم توفير محركاتها أيضًا من قبل كييف، وسيتم تسليمها إلى أوكرانيا العام المقبل.

Poetin en Erdogan roepen op tot staakt-het-vuren in Libië | NOS

ومع أن مصادر تركية مقربة من شركة Baykar المنتجة للطائرات المسيرة نفت المعلومات المسربة عن الصفقة، فإن الموقع يصر أنها قد تكون مؤشرًا على أن أنقرة ستستمر في دعم جارتها الشمالية بالرغم من إحجام بعض حلفاء الناتو الآخرين، مثل ألمانيا التي رفضت حتى السماح لبريطانيا تسليم الأسلحة إلى كييف باستخدام المجال الجوي الألماني. 

تعقيدات وحساسيات العلاقات مع روسيا

رغم هذا الدعم، فإن مشاركة مباشرة لقوات تركية مع قوات حلف الناتو لا تبدو مرجحة، بالنظر إلى حساسيات وتعقيدات العلاقات التركية الروسية. يقول تيموثي آش  كبير المحللين الاستراتيجيين السياديين في Bluebay Asset Management في لندن، إنه "إذا فرضت طائرات Bayraktar خسائر عسكرية كبيرة على روسيا في أي صراع، فإن ذلك سيؤدى إلى توتر العلاقات مع موسكو، وسيعطل إمدادات الطاقة والسياحة". حيث يتصدر الروس قائمة السياح إلى تركيا بـ 20% من إجمالي نسبة السياح الذين يزورون تركيا، ويأتي الأوكرانيون في المرتبة الثالثة. 

Ukraine crisis: Why is Germany out of step with the US, Europe? | Ukraine-Russia  crisis News | Al Jazeera

كذلك في العام 2020 استوردت تركيا 34% من احتياجاتها للغاز من روسيا حيث تعتبر أكبر مورد لها. وبحسب الموقع، يتحدث المسؤولون الأتراك عن أن تزايد النفوذ الدولي لأنقرة خلق بالفعل توترات مع موسكو، حيث يقول أحد هؤلاء المسؤولين "لقد دمرنا أنظمة دفاعهم الجوي في ليبيا وسوريا وأذربيجان، لكننا تعلمنا في النهاية كيفية الاتفاق على الاختلاف والتعايش في المنطقة".

وبينما أحدثت أنقرة خلافًا داخل حلف الناتو من خلال شراء أنظمة دفاع صاروخي روسية الصنع من طراز S-400 في العام 2020، فإنها في نفس العام أيضًا سمحت للجيش الأمريكي بمعاينة نظام صاروخي روسي آخر وهو Pantsir والذي استولت عليه تركيا في ليبيا. 

البلقان ليس الشرق الشرق الأوسط

في خضم التطورات المتلاحقة يشير الموقع البريطاني إلى أن المسؤولين الأتراك سيشعرون بالقلق في حالة غزو روسيا لأوكرانيا، لأنه سيزيد من هيمنة موسكو في البحر الأسود ويرفع الضغوط الكبيرة على دول أخرى مثل رومانيا وبلغاريا. 

بالإضافة لذلك، هناك من يعتقد أن إمدادات تركيا لطائرات بدون طيار لأوكرانيا يمكن أن يأتي على حساب نفوذها في سوريا، حيث تقف القوات التركية في وجه الهجوم على إدلب من قبل النظام السوري والقوات الروسية، والذي في حال وقع قد يدفع بملايين اللاجئين إلى الحدود التركية. في هذا الصدد من المرجح أن تمارس روسيا ضغوطًا على تركيا عبر سوريا كما يقول جاليب دالاي الزميل المشارك في مركز أبحاث تشاتام هاوس، حيث يضيف: لقد تعاونت تركيا وروسيا على مستوى واسع من جهة وتنافستا من جهة أخرى ببؤر الصراع في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ومع ذلك كانت موسكو أقل انفتاحًا على تكرار هذه التجارب مع تركيا في دول الاتحاد السوفيتي السابق.

Erdogan to Russia: We are addressing the Assad regime not you in Syria –  Middle East Monitor

وفقًا لدالاي، تنظر موسكو إلى الصراعات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على أنها فرص للعب على السلطة وفرصة لإظهار النفوذ، وهي أقل مرونة بكثير واستيعابًا للسياسة التركية في دول الاتحاد السوفيتي السابقة والتي لا تزال تعتبرها منطقة نفوذها الحصرية. وبالرغم من إعلان الناتو الأسبوع الفائت عن حزمة من إجراءات الردع ضد الهجوم العسكري الروسي المحتمل على أوكرانيا، يجدر بالذكر أن تركيا لم تكن من بين الدول التي وعدت بالمساهمة.  وهو ما يعطي صورة عن تعقيدات وحساسية موقع أنقرة في سياق الصراع المحتمل.

تنظر موسكو إلى الصراعات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على أنها فرص للعب على السلطة وفرصة لإظهار النفوذ، وهي أقل مرونة بكثير واستيعابًا للسياسة التركية في دول الاتحاد السوفيتي السابقة

يعتقد البعض مثل سفير الاتحاد الأوروبي السابق في تركيا مارك بيريني أنه من المحتمل ألا تضيف أنقرة سفنها وطائراتها إلى قوة الردع، إذ سيؤدي القيام بذلك إلى تصعيد التوترات مع موسكو بشكل كبير، لكن المسؤولون الأتراك يقولون إنهم دعموا دائمًا دوريات وعمليات الناتو في البحر الأسود، كما فعلوا هذا الأسبوع من خلال الموافقة عليها داخل الحلف. ويقول مسؤل تركي "قد نشارك في بعض العمليات، اعتمادًا على مصالحنا"، إلا أن مسؤولًا آخر يشير إلى أن ذلك " قرار سياسي ستتخذه القيادة السياسية عندما يحين الوقت، لكننا نبذل بالفعل أقصى ما في وسعنا لتزويد أوكرانيا بطائرات بدون طيار".

 

اقرأ/ي أيضًا: 

ملف أوكرانيا: التصعيد الروسي الغربي يصل مستويات غير مسبوقة

أوكرانيا: تصعيد الخطاب بين روسيا والغرب ومناورات لتجنب الخيار العسكري