12-أغسطس-2023
lkjhg

فولكسفاجن أكبر مُصنِّع سيارات حول العالم من حيث الإيرادات. (GETTY)

هذه المادة مترجمة عن الأصل المنشورة في الإيكونومست


"مستقبل العلامة التجارية لشركة فولكسفاجن معرضٌ للخطر والضياع"، لمّا قدّم توماس شيفر، الرئيس التنفيذي الجديد للعلامة التجارية العالمية، عرضه الشامل لطاقم إدارته في أواخر شهر يوليو الماضي، لم يلجأ إطلاقًا إلى تجميل الواقع والتهوين من خطر المشكلات المحدقة بالشركة، سواء التكلفة المرتفعة وتراجع الطلب وازدياد المنافسة وغيرها من المشكلات التي يطول تعدادها. وأطلق شيفر تحذيره قائلًا: "السقف يحترق"، مرددًا بذلك أشهر نداء تحذير في التاريخ الحديث للشركات، وهي عبارة قالها ستيفن إيلوب، الذي قارن سنة 2011 شركته بـ "منصة نفطية مشتعلة" عقب وقت وجيز من توليه رئاسة شركة نوكيا، التي كانت آنذاك أكبر مصنعٍ للهواتف المحمولة في العالم. 

ففيما يخصّ شركة نوكيا، لم ينفع جرس الإنذار الذي أطلقه رئيسها، وما هي إلا سنين قليلة حتى تفككت الشركة وبيع قسمها المخصص للهواتف المحمولة إلى شركة مايكروسوفت، التي سارعت إلى إغلاقه مذاك. وهنا لا بد من طرح السؤال التالي: "أيعقل أن تعاني مجموعة فولكسفاجن القوية، بمجموعتها الأم الأقوى، وبالعلامات التجارية التسعة التي بحوزتها، وبتصنيفها على أنها أضخم قوة صناعية في ألمانيا برمتها، أيعقل بعد هذا أن تلاقي مصيرًا مشابهًا لنوكيا؟ ولو سلمنا جدلًا بحدوث هذه الكارثة، فما انعكاساتها المحتملة على أكبر اقتصاد في القارة الأوروبية؟ 

إنّ وقوع انهيار وشيك في صناعة السيارات أمرٌ مستبعدٌ لحدّ الآن؛ ففي عام 2022، أصبحت فولكسفاجن أكبر مُصنِّع سيارات حول العالم من حيث الإيرادات، فحظيت لذلك بمالٍ وفير مكرس لدعم علامتها التجارية الأكبر. وفي يوم 27 يوليو من الشهر الفائت، ارتفعت مبيعات الشركة خلال النصف الأول من عام 2023 بنسبة صحية قدرها 18%، مقارنة بالوقت نفسه من العام السابق، فبلغت زهاء 174 مليار دولار أمريكي. أما شركتا بي إم دبليو ومرسيدس بنز - اللتان تعدان من أكبر مصنعي السيارات في ألمانيا- فهما في حالٍ حسنة كذلك. 

بيد أن الكارثة لم تعد بعد الآن أمرًا مستحيل الحدوث، إذ ينتاب الصناعيين الألمان قلقٌ حقيقي بشأن المستقبل؛ ففي شهر تموز/ يوليو الفائت، أشار معهد ليبنيز للأبحاث الاقتصادية بجامعة ميونيخ (ifo) إلى تراجع مؤشر الثقة بقطاع الأعمال للشهر الثالث تواليًا، وما ينفك رؤساء الشركات الكبرى في ألمانيا يرددون مخاوف شيفر ويُلحِقون بها شكاوى أخرى، منها الإجراءات البيروقراطية المعرقلة، والقضايا الجيوسياسية الحساسة بشأن التجارة مع الصين.

أشار معهد ليبنيز للأبحاث الاقتصادية بجامعة ميونيخ (ifo) إلى تراجع مؤشر الثقة بقطاع الأعمال للشهر الثالث تواليًا، وما ينفك رؤساء الشركات الكبرى في ألمانيا يرددون بعض المخاوف ويُلحِقون بها شكاوى أخرى، منها الإجراءات البيروقراطية المعرقلة، والقضايا الجيوسياسية الحساسة بشأن التجارة مع الصين.

واللافت أنّ هذه التحديات والمشكلات تواجه صانعي السيّارات أكثر من معظم القطاعات الصناعية الأخرى، إذ يتعين عليهم معالجة عدة تحولات دفعة واحدة؛ فلا بدّ لهم من تزويد أسطولهم من السيارات بالطاقة الكهربائية وتعلم تطوير البرمجيات. وفي ظل تواصل هذه الاتجاهات الراهنة، يبدو مرجحًا أن تأتي القيمة المضافة من أماكن أخرى، ويقرّ بعض المطلعين على صناعة السيارات باحتمال أن تضطر بعض المصانع إلى الانكماش أو الإغلاق، والحال عينها تسري على بعض الموردين، لا سيما أولئك الذين يصنعون أجزاء محركات الاحتراقي الداخلي وعلب التروس.  

ولا بدّ لقطاع صناعة السيارات في ألمانيا من التصدي لمشكلة الصين المتنامية؛ فصحيح أن هذا القطاع استفاد من النمو السريع الذي حققه العملاق الآسيوي خلال السنوات الأخيرة- ففي النصف الثاني من عام 2022، حققت أكبر ثلاث شركات ألمانية مصنعة للسيارات نسبة قدرها 40% من إيراداتها في تلك المنطقة- بيد أنه يعاني الآن من بعض الانتكاس؛ إذ خفضت شركة فولكسفاجن توقعات الشحنات العالمية جرّاء تباطؤ المبيعات في السوق الصيني، ولا ريب أن الأزمات الجيوسياسية تفاقم الأمور، إذ بدأت الشركات الصينية المنافسة التوسع في الأسواق الخارجية، لا سيما الأوروبية. وفي العام الماضي صدّرت الصين لأول مرة سيارات أكثر من ألمانيا، إذ بلغ عددها زهاء 3 ملايين سيارة (الصين) مقارنة بنحو 2.6 مليون سيارة ألمانية.

هل تقود هذه المشكلات إلى الزوال؟

تتلاقى المشكلات السابقة كلها في فولسبورج حيث يوجد المقر الرئيس لشركة فولكسفاجن، أو السقف على حد تعبير شيفر؛ إذ تشير بعض التقارير الصحفية إلى تراجع الطلبات على السيارات الكهربائية التابعة للمجموعة بنسبة تقل عن الخطط المتوقعة بين 30%-70% حسب العلامة التجارية لتلك السيارات. كذلك ما يزال على الشركة واجب حل مشكلات البرمجيات؛ ففي شهر مايو الماضي عمدت الشركة إلى تغيير طاقم الإدارة في قسم كارياد (Cariad)، وهو وحدة البرمجيات الرقمية ضمن الشركة. واللافت أن علامة فولكسفاجن التجارية ما تزال متخلفة في سوق السيارات الكهربائية متسارع النمو في الصين، إذ تبلغ حصتها السوقية نحو 2%. 

ولا ريب أن عواقب الزوال المحتمل للشركات الألمانية المصنعة للسيارات مرهون بحجم هذا القطاع؛ إذ يوظف قطاع صناعة السيارات على نحو مباشر ما يقلّ عن 900 ألف شخص في ألمانيا، على أنّ ثلثيهم يعملون في شركات السيارات، أما الثلث الباقي فيعمل في الشركات الموردة، وهذا العدد يشكل نسبة قدرها 2% فقط من إجمالي القوى العاملة في البلاد. في المقابل يتبين أن ثلاث أرباع السيارات المباعة باسم علامة تجارية ألمانية تصنع خارج البلاد، وشهد العام الماضي إنتاج نحو 3.5 مليون سيارة من المصانع المحلية، وهو عدد مشابه تقريبًا لما حدث في منتصف السبعينيات من القرن الماضي. 

نتا

ويشير بعض المطلعين على خبايا صناعة السيارات الألمانية إلى تدابير وإجراءات بديلة؛ فمن المعلوم أن ألمانيا تنتج ما يربو عن نصف إجمالي القيمة المضافة لصناعة السيارات في الاتحاد الأوروبي، متقدمة بأشواط على فرنسا التي تتبوأ المرتبة الثانية بنسبة قدرها 9%، كذلك تشكل السيارات نسبة قدرها 16% من صادرات السلع الألمانية. وصحيح أنّ الأهمية الجوهرية لصناعة السيارات في ألمانيا تجلت ذروتها حينما ساهمت بنسبة قدرها 4.7% من إجمالي القيمة المضافة لاقتصاد البلاد عام 2017، بيد أنّ هذه الحصة تراجعت قليلًا وظلّت عند نسبة 3.8% في عام 2020، وهو العام الأخير الذي تتاح فيه البيانات وفقًا لتقديرات وحسابات نيلز يانسين من معهد كييل للأبحاث. وتشير تقديرات أخرى إلى أن هذه النسبة تزيد بنقطة مئوية واحدة عن القوى الكبرى الأخرى في مجال صناعة السيارات، مثل اليابان وكوريا الجنوبية. 

ولا ريب أن التركيز على أرقام الصناعة الضيقة يغفل الأهمية الحقيقة لهذا القطاع في الاقتصاد الألماني. وفي هذا الصدد يقول أوليفر فالك، الذي يتولى إدارة مركز Ifo للتنظيم الصناعي والتقنيات الحديثة: "هذا القطاع هو بمنزلة نظام تشغيلي إلى حد ما، إذ تُعوّل عليه قطاعات مهمة من الاقتصاد الألماني ومؤسساته". 

ومن المعلوم أن الموردين المباشرين ليسوا الوحيدين ممن يعولون على فولكسفاجن وأقرانها؛ وصحيح أنهّ يتعذر الإتيان بأرقام حديثة، لكنّ دراسةً أجراها توماس بولز وآخرون من المعهد الألماني للأبحاث الاقتصادية (iw)، تبين أنّ الطلب العالمي على السيارات الألمانية يشكل نحو 16% من القيمة المضافة لقطاع المعادن وصناعة البلاستيك في ألمانيا. وقدّر الباحثون كذلك أن هذا الطلب العالمي يساهم مساهمة غير مباشرة في دفع أجور نحو 1.6 مليون وظيفة أخرى، وبهذا يبلغ عدد الأفراد الذين يتلقون الأموال من قطاع صناعة السيارات نحو 2.5 مليون شخص، أي ما يعادل نسبة قدرها 5% من القوة العاملة في ألمانيا. 

كذلك ثمة صلة وثيقة بين الاستثمار والابتكار في ألمانيا وبين شركات صناعة السيارات، إذ تشير بيانات معهد iw إلى مساهمة صناعة السيارات بنسبة قدرها 35% من تكوين رأس المال الثابت الإجمالي في مجال التصنيع عام 2020. وفي عام 2021 كان هذا القطاع المصدر المباشر لنحو 42% من أبحاث التصنيع والتطوير في البلاد، وهو إلى قد ذلك موّل زهاء 64% من إجمالي عمليات البحث والتطوير التي نفذتها الشركات والمؤسسات البحثية الأخرى، وهذه المعلومات كلها واردة بحسب أرقام مركز شتيفترفيرباند Stifterverband، وهو جمعية تتكون بمعظمها من مؤسسات بحثية. كذلك تشير بيانات معهد iw إلى أنّ شركات صناعة السيارات حازت نصف طلبات براءات الاختراع التي تقدمت بها الشركات في عام 2017، أي أنّ هذه النسبة ارتفعت كثيرًا مقارنة بنسبة الثلث عام 2005. 

ولا عجب أنّ صناعة السيارات تتبوأ مكانة محورية في النموذج الاجتماعي الألماني المعتدّ بنفسه كثيرًا؛ فالمساواة المناطقية من الأوجه المهمة لهذا النموذج، إذ تبنى مصانع السيارات غالبًا في أماكن تشهد حركة اقتصادية ضعيفة، مثل مدينة فولفسبورج، وبذلك يوفر قطاع السيارات دعمًا كبيراً لتلك المناطق. وفي هذا الصدد تشير دراسة حديثة إلى اعتماد 48 مدينة ومقاطعة ألمانية على الوظائف التي استحدثتها صناعة السيارات، وتأتي مدينة فولفسبورج في قائمة تلك المدن؛ فنحو 47% من عمال المدينة لديهم وظائف يكدحون فيها ضمن هذا القطاع. ومن هذا المنطلق لو اتفق أن تدهورت صناعة السيارات الألمانية وزالت عن الوجود، حينئذ ستعصف بالبلاد "أزمات محلية كثيرة" على حد وصف فولفجانج شرودر، وهو أحد مؤلفي الدراسة وباحث في مركز العلوم للأبحاث الاجتماعية في برلين wzb. 

منت

ولولا وجود قطاع صناعة السيارات المتين في ألمانيا، لغلب الجفاء والقسوة على طبيعة العلاقات بين العاملين في المجال الصناعي في البلاد؛ فزعماء النقابات الوطنية، مثل رومان زيتسيلزبرجر، رئيس نقابة عمال المعادن في مقاطعة بادن فورتمبيرغ- أي المقاطعة التي تضم مقرات شركات مرسيدس بنز وبورشه وبوش- وهو علم في مجال توريد قطع غيار السيارات، يقرّ صراحة أن صناعة السيارات هي العمود الفقري للمنظمة. فكما هو معلوم يبلغ عدد نقابة عمال المعادن زهاء مليوني عضو، فهي بذلك أكبر نقابة عمالية في العالم، على أنّ ثلثهم يعمل في وظائف ضمن صناعة السيارات. وقد يبلغ عدد المنتسبين إلى النقابة في بعض شركات القطاع قرابة 90%، أي أنهم يشكلون مصدر قوة يعين النقابة في التفاوض مع تلك الشركات على صفقات أجور محسنة، وسرعان ما تبلغ هذه النتائج الشركات والصناعات الأخرى التي لا تشهد وجودًا راسخًا لأعضاء النقابة.

ولا يقتصر تأثير صناعة السيارات على الأمور والمجالات السابقة، فهي تعزز عملية المشاركة في اتخاذ القرارات، وتكفل ضمان تمثيل العمال في مجالس إدارة الشركات؛ فمجموعة فولكسفاجن هي أبلغ مثال على هذا الأمر. وتزود مجالس الأعمال المتنفذة ضمن هذا القطاع نقابة عمال المعادن بالقدرة على بلوغ موارد شديدة الأهمية، بدءًا بالأموال وانتهاء بالمعلومات. كذلك يحظى ممثلو الموظفين في الشركة بنصف المقاعد ضمن المجلس الإشرافي المكون من 20 عضوًا، فيسعهم الحصول على تحديثات منتظمة عن حالها، ولديهم القدرة على نقض القرارات الاستراتيجية (إذ يعين عضوان آخران من طرف السلطات السياسية في مقاطعة ساكسونيا الدنيا، التي تحوز نسبة 12% من المجموعة).

لذلك إذا تداعى هذا التدبير، إذن لطرأ تغير كبير على توازن سوق العمل في البلاد حسبما يعتقد سيباستيان دوليان، وهو باحث اقتصادي في مؤسسة هانس بوكلر شتيفتونغ Hans-Böckler-Stiftung المرتبطة بالنقابات العمالية. ويقول دوليان: "لو أردنا المبالغة قليلًا، إذن لقلنا إن الأمر يشكل فرقًا شاسعًا بين أن تقود فولكسفاجن عملية تحولها، أو تحل شركة تسلا محلها"، فهو يقصد بكلامه شركة تسلا الرائدة في مجال تصنيع السيارات الكهربائية، إذ أعلنت مؤخرًا عن عزمها توسيع مصنعها قرب برلين ليصبح بذلك أضخم مصنع سيارات في أوروبا. ويشير دوليان إلى الآثار السلبية المترتبة على هذا الأمر، خاصة حينما لا تعود وظائف التصنيع في البلاد ذات أجور مجزية مقارنة بالوظائف الخدمية ووظائف التصنيع الأخرى في دول أوروبية أخرى. 

وربما يتعذر علينا قياس التداعيات النفسية لتدهور وزوال صناعة السيارات الألمانية، بيد أنها ليست بأقل تأثيرًا ولا عمقًا من سابقاتها؛ فمن شأن هذه الكارثة أن توجه صفعة أخرى للصناعة الألمانية والبراعة الهندسية المشهود بها، التي لم تتعافَ حتى الآن من التأثيرات السلبية لفضيحة الغش والتلاعب المتعلقة بانبعاثات الديزل لشركة فولكسفاجن عام 2015. وفي ورقة بحثية نشرت العام الماضي، استطاع روديجر باخمان- من جامعة نوتردام- وباحثون آخرون حساب التداعيات الناجمة عن فضيحة التلاعب بقياسات الانبعاثات، فخلصوا إلى انخفاض مبيعات العلامات التجارية الألمانية الأخرى بنحو 166 ألف سيارة، مما كلفهم نحو 7.7 مليار دولار أمريكي من الإيرادات الضائعة، أي ما يناهز ربع إجمالي إيراداتهم عام 2014. 

إذا تلاشت صناعة السيارات الألمانية واختفت عن الوجود، إذن فمن شأن هذه الكارثة أن "تخلّف ثغرة اقتصادية كبيرة في وسط أوروبا" على حد وصف شرودر من مركز WZB. وبطبيعة الحال يستميت الساسة الألمان لتفادي هذه الكارثة؛ فعقب فضيحة انبعاثات الديزل، تراجع دعمهم الحماسي لهذا القطاع بعض الشيء، بيد أن سياسة الإعانات لم تتراجع على الإطلاق، مثل الإعفاءات الضريبية على سيارات الشركة وما يكتنفها من مزايا جديرة بأن يترك الموظفون بعض رواتبهم للحصول على سيارة عالية الجودة والأداء، فالشركات في ألمانيا تشتري سيارتين من كل ثلاث سيارات جديدة في البلاد، وكثير منها يستخدمها الأفراد لغاياتهم وأغراضهم الشخصية. 

إذا تلاشت صناعة السيارات الألمانية واختفت عن الوجود، إذن فمن شأن هذه الكارثة أن "تخلّف ثغرة اقتصادية كبيرة في وسط أوروبا".

ويبدو أن صناعة السيارات في ساكسونيا الدنيا أضخم حجمًا وتأثيرًا من تركها في مهب الريح تواجه مصيرًا سوداويًا، فشركة فولكسفاجن تدير خمسة مصانع في بقاع أخرى، بخلاف فولفسبورج، وهي إلى ذلك توظف بالمجمل قرابة 130 ألف شخص. ولا يستلزم الأمر من ساسة المقاطعة إلا معاينة مقاطعة تورينجن بجوارهم حتى يستبينوا حقيقة ما يحدث إن تعثر الاقتصاد، فلا ريب أن يسبب ذلك انهيار فولكسفاجن. ففي الوقت الحالي يتقدم حزب "البديل لأجل ألمانيا" الشعبوي استطلاعات الرأي في مقاطعة تورينجن بنسبة قدرها 34%. 

المضي نحو الأفول

من شأن الاعتبارات السابقة جميعها أن تطغى على الأصوات القائلة إنّ الدعم طويل الأمد لشركات صناعة السيارات ربما يجلب نتائج عكسية لاحقًا. ويرى السيد باخمان أنّ على الساسة الألمان إيلاء ثقة أكبر بقوى السوق لملء الفراغ الاقتصادي الذي قد يتمخض عن تراجع صناعة السيارات في البلاد. أما السيد كريستوفر بورنتشين من شركة TLGG للاستثمارات، فيجادل بأن صناعة السيارات المتضخمة تعيق البلاد باطراد بعدما كانت في السابق من مصادر قوتها، وهو إلى ذلك يقول: "إن صناعة السيارات هي مظهر فج لتركيز ألمانيا الكلي على الهندسة الميكانيكية". وتبين المتاعب المستمرة التي تواجهها فولكسفاجن مع وحدة البرمجيات أنّ النظام الاقتصادي المحسن بغرض إنتاج عجائب ميكانيكية باهظة تعمل بدقة وانتظام، سيكابد مشقة كبيرة لإعادة استحداث نفسه في عالم تطغى عليه الرقمنة.

ومن هذا المنطلق إذا انتهت هيمنة قطاع السيارات على الاقتصاد، فستتوفر مساحة أكبر لقطاعات وصناعات بديلة، فمن شأن تراجع الدعم والإعانات لقطاع السيارات أن يؤدي إلى تدفق أموال أكثر للشركات الناشئة، وبذلك يقل عدد الشبان الألمان الذين يتوجهون لدراسة الهندسة الميكانيكية، في حين يكثر عدد الذين يختارون تحصيل علوم الكمبيوتر. ويحثّ ذلك أيضًا الباحثين على بذل جهود أكبر لتطوير خدمات النقل في البلاد عوضًا عن الانكباب على تسجيل براءات اختراع أخرى متصلة بصناعة السيارات.

ولا يمكن إغفال حقيقة مشابهة بأن النهج الاقتصادي المتحرر برهن عن نجاحه في أيندهوفن؛ فهذه المدينة الهولندية طغت على جوانبها كافة شركة فيليبس (Philips)- عملاق الإلكترونيات فيما مضى- فحالها من حال فولفسبورج التي تهمين فولكسفاجن على جوانبها الاقتصادية، لكن اللافت أن أيندهوفن أصبحت الآن مقرًا لآلاف الشركات الصغيرة، وتعمل معظم تلك الشركات مورداً لشركة ASML الهولندية، التي تنشط في تصنيع معدات الرقائق الإلكترونية المتطورة، وقد بزغ نجمها ضمن قائمة الشركات الأكثر قيمة في أوروبا. أما مدينة إسبو، التي ما تزال مقرًا لشركة نوكيا التي تعكف حاليًا على تصنيع معدات شبكات الاتصالات، فتزهو اليوم بنظام شامل مزدهر للشركات الناشئة. 

ولا ريب أن صناعة السيارات لها جذور ضاربة مقارنة بالإنتاج الوقتي والعابر للأجهزة الإلكترونية مثل الهواتف المحمولة، وهذا معناه أن القطاع قادر على التكيف مع الأزمة، خاصة إذا حدث التدهور تدريجيًا. فالموردون الكبار، مثل شركتا بوش وكونتيننتال، سيعملون لصالح شركات صناعة السيارات الأجنبية مثل تسلا (في بدايات تسلا في كاليفورنيا، ساهمت شركة بوش بنحو 80% من قيمتها المضافة حسب الأقاويل). أما الموردون الأصغر فسيتخصصون بتقديم الخدمات، مثلما حدث سابقًا مع كثير من الشركات الألمانية الصغيرة والمتوسطة، ومن المرجح كذلك أن يتوقف قطاع السيارات في البلاد عن إنتاج سيارات أرخص، على أن يوجه تركيزه نحو تصنيع أعداد أقل من السيارات الفاخرة ذات الهامش الربحي الأعلى. كذلك ربما تتحول فولكسفاجن إلى شركة تصنيع تعاقدية، على أن تتولى مهام تجميع السيارات الكهربائية للشركات الأخرى كما يحدث مع شركة فوكسكون (Foxconn) المسؤولة عن تجميع أجهزة أيفون لشركة آبل. 

ويتخيل بعض الأفراد من داخل الصناعة والمطلعين عليها مستقبلًا دون فولكسفاجن، على الأقل بالشكل الحالي للشركة. وفي هذا الصدد يقول أندرياس بوز، من مركز أبحاث العلوم الاجتماعية في ميونيخ إن الشركة ملزمة "بالتخلي عن توجيه استراتيجياتها حول إنتاج السيارات فحسب". ويقود بوز مجموعة من المديرين التنفيذين والخبراء الشباب في مجال صناعة السيارات، وهم إلى ذلك أطلقوا مؤخرًا بيان الحركة Mobilistic Manifesto؛ فعوضًا عن إضفاء عناصر راحة إضافية على السيارات لدفع الأفراد إلى استخدامها لوقت أطول بما يكفل بيعهم خدمات إضافية، ينبغي للشركات أن تعنى بتنظيم قدرة أفراد المجتمع ككل على الانتقال من مكان لآخر، فلطالما ساهمت فولكسفاجن ونظيراتها الألمانية الأخرى في تيسير سبل التنقل على الناس، وما من سبب يحول دون استمرارهم بهذا الأمر معتمدين على وسائل حديثة وذكية.