13-يوليو-2021

تراجع زخم الاحتجاجات بسبب القمع الأمني لها (Getty)

ألتراصوت- فريق التحرير

مظاهرات غير مسبوقة مناهضة للسلطات في هافانا، رددت فيها الحشود التي تجمعت أمام مقار الحزب الشيوعي الكوبي، وهو الحزب الوحيد المرخص في البلاد: "كوبا ليست لكم". وندد المتظاهرون بحالة الجوع والفقر وغياب الحريات، ونادوا "لتسقط الدكتاتورية"، في مشهد نادر في كوبا بعد ثورة فيديل كاسترو عام 1959، وهي الثورة التي دفعت بكوبا باتجاه الشيوعية وإلى ساحة الحرب الباردة. 

وتعد هذه المظاهرات الأكبر من نوعها منذ عقود في البلاد، حيث أوعز الرئيس الكوبي الحالي ميغيل دياز كانيل إلى القوات الأمنية بفضّ التجمّعات ومواجهة المتظاهرين بالقوّة، ما أسفر عن وقوع اشتباكات وإصابات بين المتظاهرين.

لكن ما الأسباب الحقيقية التي دفعت الكوبيين للخروج إلى الشارع والانتفاض ضد الحكومة في هذه الدولة الجزيرية التي تعاني من حصار اقتصادي وتجاري وعزلة سياسية منذ ستينات القرن العشرين؟

حقائق أساسية عن كوبا

  • الموقع: تقع الجمهورية الكوبية في منطقة البحر الكاريبي في الجنوب الشرقي من أمريكا الشمالية، وتتألف من جزيرتين أساسيتين، هما جزيرة كوبا، وجزيرة لا جوفنتود، بمساحة إجمالية تبلغ حوالي 111 ألف كم مربع.
  • العاصمة: هافانا، وهي العاصمة وأكبر المدن في كوبا.
  • عدد السكان: 11 مليون نسمة، وهي أكثر جزر منطقة الكاريبي كثافة سكانية.
  • اللغة الرسمية: الإسبانية
العلم الكوبي (HBR)

نظام الحكم في كوبا

يصف الدستور الحزب الشيوعي في كوبا بأنه القوة الأساسية لدى دولة كوبا ومجتمعها، وهو الحزب الوحيد في البلاد، حيث الأمين العام للحزب هو أيضًا رئيس الدولة ورئيس مجلس الوزراء. ولا تسمح الدولة بأي نشاط رسمي معارض للحزب، والشكل الوحيد للمعارضة الحزبية ينشط خارج كوبا.

ما طبيعة الوضع الحالي في كوبا؟

تم نشر قوات أمنية في المدن الأساسية في كوبا، ولاسيما العاصمة هافانا، اعتبارًا من يوم أمس الإثنين 12 تموز/يوليو، وذلك عقب موجة الاحتجاجات التي شهدتها البلاد، والتي ترجّح التقديرات تراجع زخمها بسبب الحضور الأمني الكثيف في الشوارع وحملات الاعتقالات بين المتظاهرين.

ولاحتواء الأزمة عمدت السلطات في كوبا إلى حجب مواقع التواصل الاجتماعي، لمنع تداول المعلومات والمنشورات حول المظاهرات، كما تم الإبلاغ عن حدوث انقطاعات في شبكة الإنترنت على الهواتف المحمولة بشكل كامل، وهي الخدمة التي أتيحت للكوبيين منذ ثلاثة أعوام فقط.

انتشار أمني مكثف في عدد من المدن الكوبية (Getty)

وألقى الرئيس دياز كانيل كلمة تم بثها على محطات التلفزة الرسمية في كوبا، أوضح فيها وجود ما وصفه بأنه "حملة ضد كوبا تشهد تصاعدًا على وسائل التواصل الاجتماعي خلال الأسابيع الماضية، ضمن محاولات لخلق حالة من التضارب والاحتقان عبر التلاعب بالعواطف والمشاعر".

وقد أعقب تصريحات دياز كانيل اعتقال أكثر من 100 متظاهر وصحفي وناشط، وذلك بحسب تقديرات ناشطين معارضين في الخارج، إلا أن حجب مواقع التواصل الاجتماعي والتحكم بشبكة الإنترنت في البلاد قد جعل من الصعب تقدير ما إذا كانت المظاهرات قد تجددت خلال اليومين الماضيين. رغم نشر بعض المعلومات من حسابات غير موثقة على تويتر بأن الشارع ما يزال في حالة غليان، وأن بعض المناطق خارج العاصمة ما تزال تشهد وجودًا للناس في الشوارع.

لماذا يتظاهر الكوبيون؟

يعاني معظم سكان كوبا مؤخرًا من ظروف معيشية صعبة، من أبرز مظاهرها الطوابير الطويلة للمواطنين الذين يرغبون بالحصول على وجبات الطعام، إضافة إلى نقص توفر الأدوية، والارتفاع العام في أسعار السلع المختلفة في كوبا.

وبحسب تقرير لوكالة رويترز الشهر الماضي، فإن الأسواق الكوبية تعاني من غياب العديد من السلع الأساسية، إذ أصبح الكثير من المواطنين يتساءلون عن الكيفية التي يمكنهم من خلالها تأمين المواد الغذائية الضرورية مثل الحليب واللحوم والحبوب، وكذلك الأدوية ومستحضرات التنظيف. في حين يرتفع القلق لدى الكوبيين جراء تزايد أسعار المواد التي لم يعد بمقدورهم تأمين ثمنها الباهظ، يضاف إلى ذلك نقص حاد في المواد الأساسية من الأسواق، في ظل إفلاس وشيك للدولة الكوبية.

تعاني كوبا من نقاص حاد في احتياطي العملة الأجنبية (Getty)

فالخزينة الحكومية تعاني من نقص حاد في احتياطي العملات الأجنبية، ما يعني ضعف القدرة على الاستيراد من الخارج، علمًا أن "البيزو" الكوبي عملة غير مقبولة في عمليات الاستيراد. كل ذلك أدى إلى تراجع الاقتصاد بنسبة 11% العام الماضي، في ظل الاستمرار في التراجع حتى هذا العام تحت استمرار تأثير جائحة كورونا عالميًا، إضافة إلى العقوبات الأمريكية، التي تم تشديدها في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.

انقطاعات في الكهرباء

المشكلة الأساسية الكبرى التي تثير غضب الكوبيين تتمثل في الانقطاعات المتكررة للتيار الكهربائي، وهو ما يذكر بالحقبة الأصعب في تاريخ كوبا في تسعينات القرن الماضي عقب انهيار الاتحاد السوفيتي. ويتزامن ذلك مع تزايد كبير في أعداد الإصابات بعدوى فيروس كورونا الجديد في كوبا. ففي حين تشير السلطات الرسمية إلى أن أعداد الإصابات لم يتجاوز 245 ألف إصابة، وأن عدد الوفيات المرتبطة بكوفيد-19 وصل إلى 1،579 حالة وفاة فقط، إلا أن بعض التقديرات تشير إلى أن الأرقام قد تكون أعلى من ذلك بكثير.

انهيار في قطاع السياحة

من التبعات الأساسية لجائحة كورونا ما حصل من شبه انهيار في قطاع السياحة في كوبا، وهو أبرز القطاعات التي يقوم عليها اقتصاد البلاد، ويعد أحد أبرز مصادرها للحصول على العملات الأجنبية. وقد انعكس هذا التأثير بشكل أساسي على العاصمة هافانا، والتي تعد نقطة جذب سياحي عالمي مهمّة، ولاسيما أن مركزها التاريخي مدرج على قائمة اليونسكو للتراث العالمي، واعتادت المدينة على استقبال مئات الآلاف من الزوار والسائحين كل عام، ولاسيما من أوروبا وروسيا والصين وغيرها.

تاثرت العاصمة هافانا بغياب السياح أثناء أزمة كوفيد-19 (Getty)

"مؤامرة خارجية"

من جهتها، ادعت السلطات الكوبية، ممثلة بالرئيس دياز كانيل، وغيره من كبار المسؤولين في الحكومة الكوبية، أن حركة الاحتجاجات النادرة التي شهدتها البلاد في اليومين الماضيين "تحمل بصمة أمريكية"، تسعى إلى إثارة حالة من الفوضى في البلاد. وقال الرئيس الكوبي يوم الإثنين، 12 تموز/يوليو، بأن الولايات المتحدة تسعى إلى الاستفادة من "سياسة الخنق الاقتصادي لإثارة الفوضى الاجتماعية بين الكوبيين". وقال دياز كانيل في تغريدة على تويتر: "الثورة المضادة تحلم بإشعال فتنة بين الكوبيين أنفسهم"، وأكّد على أن تلك المساعي مصيرها الفشل، وأن الكوبيين متحدين بحسب تعبيره خلف قيادتهم.

وقال الرئيس دياز كانيل، في خطابه: "إنّ الأمر بالنضال قد صدر، الثوّار إلى الشارع"، متّهمًا الولايات المتحدة ومن ورائها المافيا الكوبيّة-الأمريكيّة، بالوقوف وراء الاضطرابات التي تشهدها البلاد. وأضاف: "ندعو جميع ثوّار البلاد، جميع الشيوعيّين، إلى الخروج للشوارع حيث ستحدث هذه الاستفزازات الآن وفي الأيّام القليلة المقبلة، وندعو إلى مواجهتها بطريقة حازمة وشجاعة".

اقرأ/ي أيضًا: تظاهرات حاشدة غير مسبوقة مناهضة للحكومة في كوبا

كما عبرت قيادات في الحزب الشيوعي الكوبي عن قناعتها بأن الاحتجاجات "ممولة" من الولايات المتحدة، لإثارة "الفوضى وعدم الاستقرار" في البلاد، وقارن روغليو فيونتيس، أحد أبرز المسؤولين في الحزب، الاحتجاجات التي شهدتها كوبا بتلك التي حصلت عام 2019 في فنزويلا ضد نيكولاس مادورو، والذي يعدّ كذلك أحد أبرز حلفاء كوبا.

حصار اقتصادي منذ 60 عامًا

وتفرض الولايات المتحدة على كوبا عقوبات اقتصادية وتجارية منذ بداية الستينات، وتعد هذه العقوبات من أبرز المؤثرات السلبية على الوضع الاقتصادي المتردي الذي تعاني منه كوبا بسبب عزلها المستمر اقتصاديًا وتجاريًا، وسياسيًا، بالرغم من تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة مرارًا على قرار يدعو إلى إنهاء العقوبات الأمريكية ضدّ كوبا، كان آخرها في 23 حزيران/يونيو الماضي. فقد صوتت 184 دولة لصالح قرار يطالب بإنهاء الحصار الاقتصادي الأمريكي، بينما صوتت الولايات المتحدة وإسرائيل ضد القرار، وامتنعت ثلاث دول عن التصويت، وهي البرازيل وأوكرانيا وكولومبيا.

دياز كانيل متحدثًا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2018 (Getty)

وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد بدأت بالتصويت على القضيّة منذ العام 1992، بغية المساعدة في رفع حالة الحصار المفروضة على كوبا، إلا أن القرار كان يصطدم بالرفض الأمريكي القاطع لإنهاء الحظر الاقتصادي والتجاري والمالي المفروض على كوبا منذ عقود، بدعوى "تعزيز الديمقراطية، وتعزيز احترام حقوق الإنسان" بحسب تعبير رودني هانتر، المنسق السياسي في البعثة الأمريكية الدائمة لدى الأمم المتحدة.

ردود الفعل الدولية

بادر البيت الأبيض بالتعبير عن تضامنه مع المتظاهرين، وذلك في بيان صادر عن الرئيس الأمريكي جو بايدن يوم الإثنين، 12 تموز/يوليو، جاء فيه أن الولايات المتحدة تدعم الشعب الكوبي ومطالبه المشروعية بالحرية و"التخلص من القبضة التراجيدية للجائحة ومن العقود الطويلة من الاستبداد والمعاناة الاقتصادية التي تعرضوا لها على يد النظام السلطوي في كوبا".

ويعدّ هذا البيان بحسب مراقبين مؤشرًا جديدًا على أنّ إدارة بايدن الجديدة قد لا تكون معنيّة بتغيير سياساتها المتشددة تجاه كوبا والدخول في مفاوضات مع قياداتها لرفع العقوبات المفروضة عليها.

كما سارع الرئيس البرازيلي خاير بولسونارو إلى التعبير عن "التضامن" مع المتظاهرين الكوبيين، وقال إن كوبا "ترزح تحت دكتاتورية طاغية".

أما الاتحاد الأوروبي فقد دعا عبر الممثل السامي للاتحاد للشؤون الخارجية، جوزيب بوريل، إلى ضرورة أن تنصت الحكومة الكوبية إلى المواطنين وغضبهم الذي عبروا عنه في الشارع.

من جهتها عبرت روسيا والمكسيك عن تخوفات من احتمال استغلال الموقف الحاصل في كوبا لتبرير التدخّل الخارجي في شؤون البلاد. كما نقل الرئيس الفنزويلي مادور رسالة تضامن إلى الحكومة الكوبية، قال فيها إن بلاده ستقف مع كوبا "بالسرّاء والضراء".

 

اقرأ/ي أيضًا: 

تظاهرات حاشدة غير مسبوقة مناهضة للحكومة في كوبا

تضخم حاد في أسعار السلع في كوبا وفقدان المواد الأساسية من الأسواق