25-مايو-2020

رجل يلتقط صورة لمقاتلات روسية خلال العرض العسكري في يوم النصر وسط الساحة الحمراء في موسكو (فرانس برس)

ألترا صوت – فريق التحرير

أثار إعلان إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رغبة بلاده الانسحاب من اتفاقية الأجواء المفتوحة مع 34 دولة بما فيها روسيا موجة من الانتقادات في صفوف مسؤولي الحزب الديمقراطي، الذين اعتبروا أن إقدام ترامب على مثل هذه الخطوة سيكون بمثابة هدية جديدة يقدمها لموسكو إلى جانب الهدايا الأخرى التي قدمها إليها سابقًا، إضافةً إلى أن الإعلان عن الانسحاب من الاتفاقية يأتي في وقت تشهد فيهالساحة العالمية سباقًا دوليًا على تطوير ترسانتها النووية.

قدمت فكرة اتفاقية الأجواء المفتوحة مع روسيا لأول مرة خلال فترة ولاية الرئيس الأمريكي دوايت إيزنهاور في عام 1955، لكن الفكرة قوبلت بالرفض من قبل رئيس وزراء الاتحاد السوفييتي نيكيتا خروتشوف

ماذا تعرف عن اتفاقية الأجواء المفتوحة؟

قدمت فكرة اتفاقية الأجواء المفتوحة مع روسيا لأول مرة خلال فترة ولاية الرئيس الأمريكي دوايت إيزنهاور في عام 1955، لكن الفكرة قوبلت بالرفض من قبل رئيس وزراء الاتحاد السوفييتي نيكيتا خروتشوف في ذلك الحين على اعتبار أنها "خطة مفصلة" للتجسس على عدو أضعف في فترة لم يكن قد مضى أكثر من 10 أعوام على انتصار الدول الحلفاء في الحرب العالمية الثانية.

اقرأ/ي أيضًا: بعد الانسحاب من "الأجواء المفتوحة": واشنطن قد تجري أول تجربة نووية من ربع قرن

وبقيت فكرة الاتفاقية قائمة لأكثر من 30 عامًا إلى حين إعلان واشنطن توقيعها كمبادرة من طرفها في عام 1989، وبعد مفاوضات عقدتها واشنطن مع الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وحلف وراسو الذي أنشئ في الحقبة السوفيتية بضم مجموعة من الدول الحليفة مع الحزب الشيوعي السوفيتييي للرد على التهديدات الغربية، حيثُ وقعت 34 دولة على الاتفاقية في العاصمة الفنلندية هيلسنكي في عام 1992.

وتشير صحيفة واشنطن بوست في تقرير لها إلى أن الاتفاقية أصبحت أقل أهمية عمّا كانت عليه عندما دخلت حيز التنفيذ لأول مرة في عام 2002، حيثُ كان مفهوم الاتفاقية بحسب إيزنهاور يقوم على بناء الثقة المرتبطة بالتحركات والنوايا العسكرية بين الدول الأعضاء، معتبرًا أنها ستساعد على التحقق من تحركات وتدريبات القوات العسكرية التقليدية للأطراف الموقعة عليها، إلا أنها لعبت في وقت لاحق دورًا في مراقبة الترسانة العسكرية الروسية بعدما نصبّت صواريخ باليستية موجهة ضد مجموعة من الأهداف في أوروبا الغربية.

وبحسب ما نقلت شبكة CNN الأمريكية في بيان عن الخارجية الأمريكية، فإن الهدف من الاتفاقية كان تعزيز الثقة بين الأطراف الموقعة عليها، عبر منحها – بغض النظر عن حجمها العسكري – دورًا مباشرًا في جمع المعلومات من خلال التصوير الجوي للقوات العسكرية، ومراقبة الأنشطة التي تهم الدول الأعضاء.

وكانت الدول التي وقعت على الاتفاقية هي: بيلاروسيا، بلجيكا، البوسنة والهرسك، بلغاريا، كندا، كرواتيا، جمهورية التشيك، الدنمارك، إستونيا، فنلندا، فرنسا، جورجيا، ألمانيا، اليونان، المجر، أيسلندا، إيطاليا، لاتفيا، ليتوانيا، لوكسمبورغ، هولندا النرويج، بولندا، البرتغال، رومانيا، جمهورية سلوفاكيا، سلوفينيا، إسبانيا، السويد، تركيا، أوكرانيا، والمملكة المتحدة بالإضافة للولايات المتحدة وروسيا، ووقعت قيرغستان في وقت لاحق على الاتفاقية لكنها لم تصادق عليها.

أبرز بنود اتفاقية الأجواء المفتوحة

تتألف اتفاقية الأجواء المفتوحة من مجموعة من العناصر الأساسية تحدد طبيعة الرحلات الاستطلاعية التي تقوم بها الأطراف الموقعة عليها، إذ أنها تسمح للدول الأعضاء بإجراء رحلات مراقبة غير مسلحة فوق أراضي الدول الموقعة على الاتفاقية، بما في ذلك الحدود البرية والجزر والمياه الإقليمية والداخلية، وتمنع تقييد رحلات المراقبة إلا في حالات خاصة مرتبطة إما بسلامة الطيران أو الأمن القومي، وتفرض على الدولة التي ترغب بإجراء رحلة مراقبة إخطار الدولة المعنية بذلك قبل 72 ساعة من موعد الرحلة.

ويشير مضمون الاتفاقية إلى أن طائرات المراقبة المستخدمة في الرحلات يمكن أن تكون إما من الدولة التي تنفذ رحلة المراقبة أو الدول المستهدفة بها، كما أنها تلزم جميع الطائرات وأجهزة الاستشعار المستخدمة بالرحلة الاستطلاعية اجتياز إجراءات التفتيش للحصول على الموافقة بأنها تتناسب مع الشروط التي وضعت عند صياغتها لأول مرة.

وتضم طائرات الاستطلاع التي تقوم بتنفيذ الرحلات كاميرات فيديو بانورامية بصرية وماسحات للأشعة تحت الحمراء تسمح لها بمشاهدة جميع الأنشطة العسكرية على مدار الـ24 ساعة، وتساعد جودة الصور الفوتوغرافية الملتقطة على مشاهدة المعدات العسكرية الرئيسية مثل الدبابات والآليات.

وتمنح الدولة التي تستضيف طائرات الدولة الأخرى أحقية الحصول على نسخة كاملة من المعلومات التي يتم جمعها خلال الرحلة الاستطلاعية، ويمكن لأي دولة من الدول الأعضاء الحصول على نسخة من تلك البيانات بالاتفاق مع الدولة التي تملكها.

هدية أخرى من ترامب إلى بوتين

تقول واشنطن بوست في تقريرها إن الديباجة الأساسية للاتفاقية توضح أن الهدف من رحلات المراقبة تحسين الانفتاح والشفافية وتسهيل مراقبة الامتثال لاتفاقيات الحد من التسلح سواء الحالية أو المستقبلية وتعزيز القدرة على منع النزاعات وإدارة الأزمات، مشيرةً إلى أنه من بين السلبيات التي تواجه واشنطن التزامها الكشف عن المعلومات الاستخباراتية التي تحصل عليها من روسيا مع الحلفاء، وبالأخص خلال فترة الخلاف الدبلوماسي الدائر بين البلدين منذ ضم موسكو لشبه جزيرة القرم في عام 2014.

وكان خلاف نشب بين واشنطن وموسكو على الاتفاقية بعدما منعت موسكو الطائرات الأمريكية من التحليق فوق مساحة تقدر بـ500 كم في مدينة كالينيغراد ذات الأهمية الاستراتيجية في عام 2014، وعلى الرغم من محاولة واشنطن معالجة مثل هذه القضايا الإشكالية ضمن هذه الاتفاقية، فإنها ردت على ذلك بتقييد وصول موسكو إلى ولايتي هاواي وألاسكا المطلتان على المحيط الهادئ في عام 2017.

وكانت موسكو قد أدانت في وقت سابق من هذا العام رحلة مراقبة ثلاثية مشتركة بين الولايات المتحدة وإستونيا وليتوانيا تجاوزت في تحليقها فوق كالينيغراد مسافة الـ500 كم، وتختم واشنطن بوست تقريرها بالقول إن قرار الإدارة الأمريكية الانسحاب من الاتفاقية يزعم بأن موسكو استخدمت الاتفاقية لتطوير قدراتها العسكرية في حال استهدفت واشنطن أو أوروبا الغربية، وهو ما رأته أنه يتناقض مع شروط "بناء الثقة" التي حددتها الاتفاقية.

اقرأ/ي أيضًا: قمة مجموعة الدول السبع.. ورقة تين أخيرة

في حين أشارت شبكة CNN الأمريكية في تقرير لها إلى أن أحد الأسباب التي أدت لانسحاب واشنطن من الاتفاقية، كان إجراء رحلة مراقبة روسية مباشرة فوق منطقة بدمينستر في ولاية نيوجيرسي في عام 2017، وهي المنطقة التي يملك فيها ترامب ملعبًا خاصًا للغولف، الأمر الذي أغضبه بسبب تنفيذ الرحلة أثناء تواجده في الملعب حينها، فضلًا عن أن مسؤولين أمريكيين تحدثوا عن رصد موسكو في رحلات المراقبة نقاط الضعف في البنية التحتية الأمريكية، مما يسهل عليها استهدافها بالأسلحة التقليدية أو الهجمات السيبرانية.

تمنح الدولة التي تستضيف طائرات الدولة الأخرى أحقية الحصول على نسخة كاملة من المعلومات التي يتم جمعها خلال الرحلة الاستطلاعية

وكان كبار الديمقراطيين في لجنة مجلس الشؤون الخارجية للكونغرس قد انتقدوا إعلان الإدارة الأمريكية نيتها الانسحاب من الاتفاقية، وأضافوا بأن القرار في حال تم تنفيذه سيكون هدية أخرى تضاف للهدايا التي قدمتها إدارة ترامب لنظيره الروسي فلاديمير بوتين، فضلًا عن أن قرار الانسحاب كان أحاديًا بسبب عدم التشاور مع أعضاء الكونغرس أو الدول الحلفاء لواشنطن الموقعة على الاتفاقية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

 تبادلية الجنون الروسي "الزائف" والتفوق العسكري الأمريكي.. سوريا مسرحًا

ما هي فرص استمرار التحالف الروسي الإيراني بعد انتهاء الحرب السورية؟