18-أبريل-2018

ثبت وجود تنسيق مسبق بشأن الضربات رغم التهديدات الروسي (Getty)

هذه المقالة مترجمة عن موقع مجلة "ذا نيويوركر" الأمريكية، بخصوص تأثير التهديدات الروسية على الضربة الأمريكية البريطانية الفرنسية ضد النظام السوري، التي وصفها متابعون بأنها كانت محدودة، ولم تهدف أصلًا إلى تغيير الوضع على الأرض.


 هل منح التهديد بحرب عالمية ثالثة، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، انتصارًا تكتيكيًا في سوريا نهايةَ الأسبوع الماضي؟ يبدو الأمر على هذا النحو: بعد أيام من تلميح المسؤولين الروس بحدة، وفي بعض الأحيان الصراخ بشكل هستيري، بأن الهجمات الصاروخية الأمريكية في سوريا ستقابل بالهجوم المضاد التصعيدي، يبدو أن الجيش الأمريكي استهدف مجموعة أهداف أقل أهمية وأقل استفزازية.

لم تكن القواعد والمنشآت العسكرية السورية التي ضربتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا أهدافًا ذات أهمية  أو مواقع تضم قوات أو معدات روسية

في صباح يوم السبت، أظهر بوتين على نحو متوقع، الغضب والهلع، ووصف الضربات بأنها "عمل عدواني ضد دولة ذات سيادة في طليعة الدول المكافحة للإرهاب"، وحذر من أن "التاريخ سيضع كل شيء في مكانه"، مشيرًا إلى تدخلات الولايات المتحدة في يوغوسلافيا والعراق وليبيا. لكن هذا الخطاب الناري ـ الذي كان مسرحيًا أكثر من كونه موضوعيًا ـ قد يكون الحد الأقصى لرد فعل روسيا الفوري، أو على الأقل دلالة على أن ردها لن يكون في ساحة المعركة.

لم تكن القواعد والمنشآت العسكرية السورية التي ضربتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا أهدافًا ذات أهمية خاصة للعمليات العسكرية الروسية في سوريا، أو مواقع تضم قوات أو معدات روسية. في الواقع، يبدو أنه كان لدى روسيا فكرة عما يمكن توقعه مبكرا. وقال الجنرال جوزيف دانفورد، رئيس هيئة الأركان المشتركة، إنه على الرغم من أن الجيش الأمريكي لم يتعاون مع روسيا في وقت مبكر، فإنه استخدم خط "فض الاشتباك" بين الدولتين للتحذير من المناطق التي ستعمل فيها القوات الغربية. ومع ذلك، قال تقرير في صحيفة كوميرسانت الروسية صباح السبت الماضي أن المسؤولين العسكريين الفرنسيين حذروا نظرائهم الروس من الضربات الوشيكة. إذ وصف كاتب عمود في كومرسانت القصة بأكملها بأنها  "حرب بالاتفاق". بدوره، قال مسؤول مقرب من نظام الأسد لرويترز: "تلقينا تحذيرًا مبكرًا من الضربة من خلال الروس".

اقرأ/ي أيضًا: الضربة الأمريكية.. وخيارات تقسيم سوريا

بدأت الجهود الروسية الرامية إلى إرهاب الغرب بشكل استباقي للحد من عملياته العسكرية في سوريا في الشهر الماضي، عندما حذر فاليري غراسيموف، رئيس أركان الجيش الروسي، من أن موسكو سوف تسقط الصواريخ التي تطلق على الأراضي السورية، بل وأكثر من ذلك، إذا ما تعرضت القوات الروسية إلى التهديد، فإنها سوف تستهدف مرافق ومنصات الإطلاق. تضمنت تلك الكلمات تلميحًا استفزازيًا بأن روسيا ستطلق النار على السفن الحربية والطائرات الأمريكية. وكان المسؤولون الروس الآخرون أكثر صمتًا من غراسيموف، قائلين إن روسيا لن تتصرف إلا إذا تعرضت قواتها لضربة مباشرة. في الأسبوع الماضي، قال سفير روسيا في لبنان إنه سيتم إسقاط جميع الصواريخ الأمريكية، واستهداف مواقع إطلاقها.

مسؤول مقرب من نظام الأسد لوكالة رويترز: تلقينا تحذيرًا مبكرًا من الضربة من خلال الروس

أثار ذلك مخاوف من مواجهة عسكرية أمريكية روسية مباشرة، والتي كانت، بالنظر إلى شخصيتي زعيمي البلدين والترسانات النووية الضخمة تحت تصرفهما، أمرًا مثيرًا للانزعاج. لكن هذه المخاوف لديها أيضا فائدة تكتيكية للكرملين، سواء من حيث إثارة الذعر في العواصم الغربية أو العمل على توحيد السكان في الداخل ضد شبح العدوان الخارجي. في الأسبوع الماضي، على شاشة التلفزيون الرسمي الروسي، عرضت تسجيلات فيديو عن ملاجئ القنابل وكم من الوقت يمكن للمواد الغذائية أن تظل صالحة في حالة الشتاء النووي "الأرز، الشوفان، الحليب المجفف، المعكرونة والحنطة السوداء. بدا الأمر وكأنه إحدى الظواهر التي وصفها كاتب المقال في عام 2016 إذ يقول: تستخدم روسيا "جرعة محسوبة من الجنون الزائف للتعويض عن التباين الكبير في القوة العسكرية والاقتصادية التقليدية".

وسواء كان ذلك بفضل أسلوبهم "المجنون" الناجح، أو نجاح وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتس في إقناع الرئيس بضرورة ضبط النفس، فإن بوتين وجنرالاته يجب أن يكونوا سعداء. أعلنت وزارة الدفاع الروسية أن الضربات الصاروخية لم تعبر "منطقة المسؤولية" للدفاعات الجوية الروسية. كما قال إن 71 صاروخًا من الصواريخ المئة والثلاثة التي أطلقها التحالف الغربي قد تم اعتراضها من قبل الدفاعات الجوية السورية، لكن هذه هي نفس الوزارة التي حاولت ذات مرة "إثبات" دعم الولايات المتحدة لداعش من خلال نشر لقطات من لعبة عسكرية مصممة للهاتف المحمول. على أية حال، يبدو أن هذا الإعلان مصمم لصرف الأنظار.       

اقرأ/ي أيضًا: ضربة السيرك الثلاثي لمواقع الأسد.. عندما لا يريد العالم إسقاط الدكتاتور                          

أحد الأسئلة التي لم تحل هو ما إذا ما كانت روسيا، في إطار التفاهم الضمني مع واشنطن والحكومات الأخرى، كشرط لاستجابة أوروبية محدودة، قد حصلت على تأكيدات من سوريا بأنها ستحجم عن استخدام الأسلحة الكيميائية في المستقبل. وستكون هذه وعودًا جوفاء على أية حال، نظرًا لأن روسيا كانت الضامن المفترض للصفقة، التي بدأت في عام 2013، والتي كان من المفترض أن تضمن أن جميع المخزونات الكيميائية السورية قد أزيلت من البلاد. كما أنه من غير الواضح مدى السيطرة العملية التي يمتلكها الكرملين بالفعل على الأسد. من المفيد لروسيا أن تتصرف وكأن دورها مهم، لكن الحقيقة قد تكون أكثر تعقيدًا. وبغض النظر عن ذلك، فهي تريد بالتأكيد الاحتفاظ بصورة من يملك تأثيرًا حاسمًا على الأسد، فهذا، بالإضافة إلى قاعدتها الجوية في حميميم، هو أكبر مكاسبها في الصراع السوري. 

تريد روسيا بالتأكيد الاحتفاظ بصورة من يملك تأثيرًا حاسمًا على الأسد، فهذا، بالإضافة إلى قاعدتها الجوية في حميميم، هو أكبر مكاسبها في الصراع السوري 

وهذا ما يضع روسيا في موضع تناقض، إذ يسعى الأسد لاستعادة الجيوب الأخيرة من الأراضي التي يسيطر عليها "المتمردون" في بلاده، وذلك باستخدام العنف المروع العشوائي أحيانًا، بما في ذلك الأسلحة الكيميائية. ترحب موسكو بهزيمة الأسد لـ"المتمردين"، ولا تهتم كثيرًا بالكيفية التي يحقق بها ذلك، لكن استخدام الأسلحة الكيميائية هو مصدر إحراج ومصدر للنتائج غير المرغوب فيها بالنسبة للكرملين. لا تؤدي الضربات الجوية الأخيرة إلى تغيير ديناميكيات ساحة المعركة في سوريا أو مسار الحرب، أي أن المواجهة الأمريكية، الروسية بشأن سوريا أجلت، على الأرجح، ولم يتم تجنبها تمامًا. 

في الوقت الحالي، من المرجح أن تتحول العقوبات إلى المسرح المباشر للمواجهة الأمريكية الروسية. في 6 أبريل/ نيسان، أصدرت إدارة ترامب جولة جديدة من العقوبات، موجهة إلى قائمة أوسع من الأفراد والشركات الروسية، كان لها تأثير فوري على أحد أولئك المدرجين في البورصة، أوليغ ديريباسكا، أحد عمالقة المعادن، وشهدت انخفاض قيمته الصافية الشخصية بأكثر من مليار دولار، وعلى الاقتصاد الروسي ككل، إذ انخفض سوق الأسهم الروسية وقيمة الروبل انخفاضًا حادًا منذ عام 2014، في أعقاب العقوبات التي فرضت عليها بسبب جزيرة القرم. وبفرض عقوبات على روسال، أكبر منتج للألومنيوم في روسيا، بحصة أغلبية يحتفظ بها ديريباسكا، فرض البيت الأبيض فعليًا حظرًا تجاريًا على منتج مهم من منتجات روسيا التصديرية.

في الوقت الحالي، من المرجح أن تصير العقوبات مسرحًا مباشرًا للمواجهة الأمريكية الروسية

تناقش روسيا الآن مجموعة من العقوبات المضادة، رغم أن خياراتها محدودة: فالولايات المتحدة لديها العديد من الأدوات لعرقلة اقتصاد روسيا وليس العكس. وهذا يعني أن الأمر سينتهي غالبًا بالكرملين إلى إلحاق الضرر بالمواطنين الروس عند صياغة عقوبات ضد الغرب. إن حظر استيراد المستحضرات الصيدلانية الأمريكية الصنع أو التعاون في البرامج الفضائية والمدنية النووية قد يسبب القليل من عدم الارتياح في الولايات المتحدة، لكنه قد يسبب أكثر من ذلك بكثير في روسيا نفسها. الواضح هو أن العلاقات بين البلدين لم تصل بعد إلى القاع، وأن ضبط النفس الذي ظهر في نهاية الأسبوع الماضي، سواء أكان حكيمًا من الناحية الاستراتيجية أم لا، قد لا يستمر.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

ضربة حفظ ماء وجه ترامب وماي.. لماذا تسكت موسكو على قصف مواقع الأسد؟ 

الغارديان: التعويل على الغرب لوقف جرائم الأسد ضربٌ من العبث!