23-فبراير-2018

فساد برلسكوني بالحكم القضائي، لم يمنعه من العودة لصدارة المشهد السياسي الإيطالي (رويترز)

نشرت صحيفة الغارديان البريطانية، مقالًا لسابرينا غاسبيرني، الأمينة العامة للاتحاد الإيطالي لحقوق الإنسان، حول رؤيتها بشأن الفاشية المتجددة في بلادها، بظهور سياسيين فاسدين بأحكام قضائية، على الساحة من جديد، وعلى رأسهم رئيس الوزراء الأسبق، سيلفيو برلسكوني. في السطور التالية ترجمة بتصرف للمقال.


يشعر العديد من المراقبين الأجانب بالحيرة من عودة رئيس وزراء إيطاليا الأسبق، سيلفيو برلسكوني، إلى صدارة المشهد السياسي الإيطالي. فعلى الرغم من بلوغه 81 عامًا، وكونه غير مؤهل ليكون مرشح لمنصب رئيس الوزراء نتيجة لقرار المحكمة الصادر في عام 2013، لكنه يقود حملة انتخابية لحزب "فورزا إيطاليا - Forza Italia"، تمهيدًا لانتخابات الرابع من شهر آذار/مارس القادم.

أورثت الحرب العالمية الثانية، للإيطاليين، إحساسًا جماعيًا بالخزي، وبالنقص تجاه الدول المنتصرة في الحرب

لكن، ربما لا يكون الأمر مفاجئًا لهذه الدرجة، فلا يُعد سيلفيو برلوسكوني السياسي الوحيد في إيطاليا، الذي يحاول العودة مرة أخرى إلى الساحة السياسية، على الرغم من فقده كلّ المصداقية والأهلية مُنذ فترة طويلة. ثمّة مثال آخر على ذلك، ظهر في ترشح روبرتو فورميغوني، الرئيس السابق لإقليم لومباردِيَّا، لخوض انتخابات 2018، وهو الذي سبق وأن حُكم عليه في 2016، بالسجن ست سنوات بسبب الفساد، بالإضافة إلى اتهامه في قضايا أخرى ينتظر نتائج محاكمته فيها.

اقرأ/ي أيضًا: كل ما تحتاج معرفته عن انتخابات إيطاليا 2018 وتأثيرها على الاتحاد الأوروبي

ولنفهم السبب وراء هذه العودات التي قد تبدو غريبة، لشخوص فاسدون بأحكام قضائية، علينا إلقاء نظرة على التاريخ الإيطالي.

أصبحت إيطاليا دولة موحدة عام 1861، وبعد ذلك، قال السياسي والمُفكر ماسيمو دازيجليو: "لقد بنينا إيطاليا، والآن ينبغي علينا أن نبني وعي المواطنين الإيطاليين"، في إشارة إلى التحديات المُتمثلة في إنشاء هوية وطنية على مبادئ مُماثلة لتلك التي ولدت من الثورة الفرنسية. لكن دعوته لم تلقَ أي اهتمام.

وفي أحلك فترة من تاريخ إيطاليا، حاول نظام موسوليني إجبار الشعب على حب بلاده وفق أدبيات الفكر الشمولي الإجرامي الذي يسعى للتحكم بكافة أوجه الحياة، بما في ذلك الاقتصاد والتعليم والفن وأخلاقيات المواطنين. لكن الجنون العسكري الإيطالي، إضافة إلى جنون النازيين، أسفر في نهاية المطاف عن تدمير مدن البلاد، وساهم في تفشي الفقر المدقع. ولكن هذا قد لا يكون أسوأ ما في الأمر. فعلى الرغم من جهود إعادة الإعمار في فترة ما بعد الحرب التي أفسحت المجال أمام ما يسمى "المعجزة الاقتصادية الإيطالية"، فإن الآثار النفسية للفاشية أثبتت أنها مدمرة.

ورث الإيطاليون من الحرب إحساسًا جماعيًا بالخزي، الذي سرعان ما نُسي مع الأسف. وقد نما هذا الخزي نتيجة لسماحهم بإبادة المواطنين اليهود، وقتل موسوليني وعشيقته بدلًا من القبض عليهما وتقديمهما للمحاسبة أمام محكمة قانونية.

كما أن ذلك أنزل بالإيطاليين عقدة دونية وإحساسًا بالنقص تجاه الدول المُنتصرة، بالإضافة إلى الشعور الدائم بالفشل. وقد يُفسر ذلك بشكلٍ جزئي السبب الذي يُعزى إليه سرعة شعور العديد من الإيطاليين بالإهانة، عندما تشير المفوضية الأوروبية، على سبيل المثال، إلى موارد إيطاليا المالية والاقتصادية العامة، أو عندما لا تولي فرنسا نفس القدر من الاهتمام الكبير بإيطاليا كما تفعل مع ألمانيا. وبالمثل، عندما تصف وسائل الإعلام الدولية، إيطاليا، بصورة نمطية، ولكن نادرًا ما يسأل الإيطاليون أنفسهم: "هل من المحتمل أننا بأنفسنا ساهمنا في خلق مثل هذه الأمور؟"

قدمت حقبة ما بعد الحرب للإيطاليين، فرصة ديمقراطية. وكان من المفترض أن تسمح الجمهورية الجديدة، وتشجع، على المشاركة الشعبية في الحياة السياسية، كما كان ينبغي أن تُمهد حرية التعبير وحرية التجمع، الطريق إلى مناقشات مفتوحة ومثمرة بين المواطنين. ولكن التاريخ لا يعمل دائمًا بهذه الطريقة.

تلاشى اهتمام الإيطاليين بالسياسة، واستقر في نفوسهم الوهن، إن لم يكن الغضب المتصاعد من الأزمة الاقتصادية في السنوات الأخيرة

على مدى العقود التي تلت ذلك، انحرفت بعض الأحزاب السياسية عن مهمتها الدستورية المُعلنة، والمُتمثلة في السماح للمواطنين "بالمساهمة بطريقة ديمقراطية في التعبير عن السياسة الوطنية". وبدلًا من ذلك، فقد شكلت الأحزاب كتلة صغيرة مُدمجة داخل ما نسميه "Particracy"، التي تُمثل شكلًا من أشكال الحكم الفعلي، إذ يهيمن حزب سياسي واحد أو أكثر على العملية السياسية، وليس المواطنين أو السياسيين الأفراد.

اقرأ/ي أيضًا: الفاشية الإيطالية المتجددة.. باقية وتتمدد!

وهكذا انتشر النظام السرطاني، وتسلل إلى العديد من المجالات: الاقتصادية، والمالية، ووسائل الإعلام، والقضاء. ووجد هذا النهج حليفًا أساسيًا في جزء من نظام التمثيل النسبي في نظامنا الانتخابي، الذي يُمثل حجر الأساس لعدم استقرار الحكومة. ونتيجة لذلك، اعتاد الإيطاليون على التصويت في الانتخابات دون أي فكرة عما سينتج عن ذلك.

وتلاشى اهتمام الناس بالسياسة، واستقر في نفوسهم الوهن، إن لم يكن الغضب المتصاعد جراء الأزمة الاقتصادية في السنوات الأخيرة. بل وصل الأمر إلى نقطة اللاعودة في عام 1991، أي قبل ثلاث سنوات من أن يصبح بيرلسكونى رئيسًا للوزراء للمرة الأولى. وفي واحد من آخر العروض المُعاصرة للحماس السياسي الهائل، أجرت البلاد استفتاءً، سُئل فيه الناخبون عمّا إذا كانوا يريدون دفن نظام التمثيل النسبي في انتخابات مجلس الشيوخ. وقال أكثر من 95٪ "نعم" لذلك التغيير، لصالح نظام الأغلبية.

بعد ذلك صدر قانون لا يحترم الخيار الذي أدلى به الناخبون، وبدلًا من ذلك، استُحدثت آلية انتخابية مُختلطة لم تُقدم شيئًا لحل مشكلة عدم الاستقرار السياسي، الأمر الذي ألحق الإذلال والإهانة بالسيادة الشعبية.

أما اليوم، فإن ما يبعث على القلق البالغ هو ظهور العنصرية المُناهضة للمهاجرين. لقد وصلنا إلى نقطة يتفق فيها الأشخاص الحاصلين على تعليم جيد مع الخطب الرنانة المنتشرة التي يُروج لها من قبل الأحزاب اليمنية وحزب "حركة النجوم الخمسة"، الذي ينشر أخبارًا زائفة، وله صلات بمواقع دعائية متصلة بروسيا. وما حققه هذا الحزب، هو في الأغلب بث نوع جديد من الفلسفة التشاؤمية في السياسة الإيطالية، ومحاولةٌ لإحياء العقلية الفاشية.

على مدى أكثر من 75 عامًا، استطاعت جاذبية اليمين المتطرف أن تعيش بين قطاعات من المواطنين. وبعد المعاناة من أهوال الحرب، لم يجرؤ أحد على التعبير عن الأفكار الفاشية، ولكن مع مرور الوقت، يبدو أن الناس قد نسوا، وبدأ السياسيون في الإعراب عن الآراء المفعمة بالكراهية والتعصب، دون الشعور بالخجل على الإطلاق.

وقد دعا ماتيو سالفيني، رئيس حزب رابطة الشمال، قبل عام، إلى "التطهير الشامل لإيطاليا، شارعًا شارعًا، وحيًا حيًا، ومن خلال استخدام القوة إذا لزم الأمر". وفي هذا الشهر، أطلق ناشط يميني متطرف، من مرشحي حزب رابطة الشمال السابقين، النار على المهاجرين في مدينة ماشيراتا.

الفساد والمحسوبية وسوء الإدارة واستخدام المال العام، أدى إلى ارتفاع الدين المحلي الإيطالي إلى 131% من إجمالي الناتج المحلي

يُذكر هنا، افتقار إيطاليا لمؤسسات ذات المصداقية في نظر مواطنيها، فضلًا عن انتشار الفساد والمحسوبية. وقد أدت العقود من سوء استخدام الأموال العامة وسوء الإدارة إلى ارتفاع الدين المحلى إلى 131% من الناتج المحلي الإجمالي. وبدون مشروع سياسي حقيقي يجعل المواطنين من العناصر الفاعلة، وليسوا مُتفرجين مُرهقين، لن ننجو من هذه الفوضى.

 

اقرأ/ي أيضًا:

هل تحكم الشعبوية المجتمع الغربي؟

أوروبا واليمين.. عصر الظّلام المُقبل