15-يناير-2020

فدريكو فيلليني (Getty)

يحتفل العالم بمئوية فدريكو فيلليني. وليس كثيرًا القول إن العالم هو الذي يحتفل. ليست إيطاليا وحدها، وليس السينيفيليين وحدهم. مئوية فدريكو فيلليني مهرجان. كيف لا تكون كذلك وقد كان العالم بالنسبة له بمثابة "سيرك" دائم. وكانت السينما لعبة في هذا السيرك. ذات يوم قبل ثمانين عامًا، وصل فدريكو إلى روما قادمًا من ريميني. لم يكن قد بلغ العشرين من عمره بعد، وقد انتهى من المدرسة لتوه. كانت الجامعة حدثًا مربكًا للمخرج، الذي لم يكن يعرف أنه سيصير مخرجًا رهيبًا. رحبوا به في ماركوريللو، وهي المجلة المعروفة في روما، والمختصة برسوم الكوميكس. من هناك بدأت رحلته.

كان موهوبًا منذ البداية. خرج لاستقباله مدير التحرير. في البداية، كانت الأفلام في رأسه صورًا على ورق. رسم الكاريكاتور، رسم شوارع روما، وكتب مقالات غير متكلفة، لكنها كانت بداية تمثيلات المدينة في مشاهد، وبداية تمثيلات المدينة في المشاهد. أخيرًا، عادت "ريزولي" ونشرت "كتاب الأحلام". ولكي تعرف فيلليني جيدًا في السينما، وتفهم كيف تتحرك المشاهد، التي تبدو كما لو أنها تخرج "طازجة" لتوها من رأسه، في "الطريق" أو في "الحياة الحلوة"، عليك أن تعود إلى هذا الكتاب، الذي يحوي يوميات المخرج الكبير منذ أواخر الستينيات وحتى أول التسعينيات.

كان العالم بالنسبة لفدريكو فيلليني بمثابة "سيرك" دائم. وكانت السينما لعبة في هذا السيرك

لا يوجد يوميات في حياة فيلليني، يوجد أحلام وكوابيس تتصارع دائمًا، وهذا هو كتابه. رسم كوابيسه وأحلامه، ما يخيفه وما يريده، ونقل هذه الرسوم إلى أفلام. مذكرات متفلتة بلا أي ضوابط، مثل أعماله السينمائية. سفر هادئ في خياله الواسع. وفي طبعة "ريزولي"، هناك نصوص لباولو سورنتينو، أحد أبرز المخرجين الإيطاليين اليوم، إضافة إلى فيليبو شيكاريللي وسيمونا أرجنتييري وجيامبيترو برونتينا.

اقرأ/ي أيضًا: فيلم "½8".. كيف للمرء أن يتأكد أنه ليس يحلم؟

كان والده يريده أن يكون طبيبًا، وأمه أرادته محاميًا. ولكن كان ذلك بالنسبة له هراء. وكانت هذه مهن للقسوة، لا يريدها، ولا يقوى عليها. كان السيرك عالقًا في رأسه، وعندما فهم أن السينما هي المكان الأصلح لتحويل العالم إلى سيرك، التحق بها فورًا. وأخرج الصور من رأسه وبدأ. كان السيرك حلمًا كبيرًا يتحقق أمامه، أفلامه كانت انعكاس لهذه الأحلام، ولم تكن أحلامه بحد ذاتها. ولم يوارب في حياته.

بعد مئة عام، يمكن أن يقول فيلليني، لو كان موجودًا، ما قاله في مقابلات سابقة: "لو كنت سأنجز فيلمًا عن حياة شخص ما، فهذه الحياة ستكون في النهاية حياتي أنا". لكنه ليس نرجسيًا، بل هو متفهم للعلاقة بين الفنان وبين العمل، وبين الأشياء مع بعضها البعض. في إحدى المقابلات يقول إنه حتى لو صنع فيلمًا عن كلب أو عن كرسي، فإن هذا الفيلم سيكون سيرة أيضًا. الأفلام هي سيرة في النهاية. هكذا، نقل فيلليني عوالمه وفرضها علينا من دون أن يسعنا الرفض، في أفلام، ولو كان حيًا، لكان فعل الأمر نفسه، ولم يكن بإمكاننا أن نرفض أيضًا. سنجد أشخاصًا في حياته، لكنهم موجودين في حيوات المشاهدين أيضًا. الأبوان، العائلة، سحر فترة الستينيات في العالم. سيجد المشاهد دائمًا شيئًا منه في صور فيلليني المتحركة. ربما يكون "ثمانية ونصف" عميقًا لدرجة أن النفس تغرق فيها، وربما يكون "الحياة حلوة" تمثيلًا لكل ما يحلم به الغرباء في منتصف الليل.

لا يمكن الحديث عن فيلليني، من دون الحديث عن شخصين أساسيين. الأول هو مارشيلو ماستروياني، الغني عن التعريف، الذي كان بطل فيلليني الأثير، في معظم أفلامه. الأهم أنه كان صديقه، وأنه قبل الظل على الضوء في البداية، من أجل الصداقة. كان فيلليني دقيقًا في أفلامه، واختياره لماستروياني كان خيارًا محافظًا، في "ثمانية ونصف"، لأنه كان انعكاسًا لفيلليني نفسه. لم يكن تجربة جديدة أو مغامرة، كما فهم النقاد لاحقًا. كان الفيلم ثوريًا، لكن اختيار ماستروياني كان خيارًا تقليديًا، لأن فيلليني اختار نفسه. لا يعني ذلك أنه لم يكن ثوريًا في اختيار الممثلين، بل أن مجرد مرورهم في عدسة فيلليني كان كافيًا لمنحهم صك اعتراف بموهبتهم، مثل هي الحال مع روبرتو بينيني وباولو فيلاجيو في 1990. لم يطلب ماستروياني من فيلليني أن يقرأ السيناريو إلا مرة واحدة، وكانت المرة الأولى. بعد ذلك كان يقبل عروض فدريكو بلا شروط.

لا يوجد يوميات في حياة فيلليني، يوجد أحلام وكوابيس تتصارع دائمًا

أما الشخص الثاني، فهي رفيقة حياته جولييتا ماسينا. يمكن اختصار علاقتها بحادثة واحدة في مسرح "دوروثي بافيلون" في لوس أنجلوس. كانت جولييتا تبكي وهي جالسة بين الحضور. "من فضلك، اجلسي، ابقي مرتاحة"، قال فدريكو. ثم توجه إلى الجمهور، أثناء تكريمه، وقال: ماذا يمكنني أن أقول؟ حسنًا، لم أكن أتوقع هذا. أولًا وقبل كل شيء أريد بطبيعة الحال أن أشكر جميع الأشخاص الذين عملوا معي. لا يمكنني تسمية الجميع، لذلك اسمحوا لي أن أسمّي ممثلة واحدة، وهي أيضًا زوجتي. شكرًا لك عزيزتي جولييتا، وأرجو أن تتوقفي عن البكاء.

اقرأ/ي أيضًا: إيتوري سكولا المنشغل بالآخرين

هناك نقد كثير لأفلام فيلليني، عن صورة المرأة وعن نظرة المخرج الكبير إلى الوجود وإلى السيستم وإلى كل شيء. لم يكن اشتراكيًا أو ثوريًا مثل بازوليني أو مثل ايتوري سكولا، لكنه كان والدهم في السينما. جميعهم أبناء شرعيين له. وهذه الأبوية تستدعي نقدًا، لكنها في حالة فيلليني، ليست أبوية – هرمية صارمة، بل هي أبوية رقيقة، مثل الأضواء التي تلمع في نهاية العرض فوق كلمة "النهاية": Fine، باللغة الإيطالية التي تظهر في أفلام فيلليني في آخر الفيلم، واللون الرمادي يتلألأ فوق الخلفية السوداء.

لقد مرّت مئة عام على ولادة فدريكو فيلليني، وهذه مناسبة ستبقى دائمًا سببًا للاحتفال.

 

 

 

 

اقرأ/ي أيضًا:

4 من أجمل أفلام السينما الإيطالية على الإطلاق

برناردو برتولوتشي.. إغلاق أخير لعدسة كاهن الشيوعية الإيطالية