06-يوليو-2017

يهود في ليبيا عام 1910

على مدى يومين، في جزيرة رودس اليونانية، تواصل مؤتمر المصالحة الليببي بين يهود ليبيين وعرب. وتحت عنوان "مؤتمر المصالحة والحوار بين يهود ليبيا والعرب" بدا أن المؤتمر يهدف إلى تطبيع العلاقات بين اليهود ذوي الأصول الليبيبة والعرب، وتحديدًا اليهود الليبين الذي تركوا بلادهم في عام 1967 مثلهم مثل الكثير من يهود شمال إفريقيا في ذلك الوقت.

من تصريحات أيوب القرا وزير الاتصالات الإسرائيلي أن إدارة دونالد ترامب، تسعى لعقد مؤتمر سلام بين إسرائيل وعدد من الدول العربية

المؤتمر إذن كان يدعو إلى -فيما بدا للوهلة الأولى- عودة اليهود بصفتهم مواطنين ليبيين تركوا بلادهم تحت ضغط ودون إرداتهم.

لكن يبدو أن المنظمين كان لهم رأي آخر. ففي البداية حضر المؤتمر ممثلون من جهات إسرائيلية على مستوى وزراء في حكومة نتنياهو، منهم وزير الاتصالات الإسرئيلي أيوب قرا، العضو في حزب الليكود الإسرائيلي المتطرف والصديق المقرب من نتنياهو، ووزيرة المساواة الاجتماعية جيلا قملائيل، وعضو الكنيسيت الإسرائيلي جيليك بار.

من الجانب الليبي حضر وزير الإعلام والثقافة السابق عمر القويري وعدد من الناشطين المؤيدين لعودة يهود ليبيا إلى بلادهم.

وفيما يبدو أنه يتم تحت رعاية إسرائيلية، استمر مؤتمر المصالحة، الذي يفتح ملفًا حساسًا أثار جدلًا دينيًا وسياسيًا بعد سقوط نظام القذافي عام 2011. الجدير بالذكر أن هناك 120 ألفًا من اليهود الليبيين يقيمون في 16 بلدة في إسرائيل وتجمعهم جمعية "أور شالوم" لحماية تراث يهود ليبيا ويصدرعنها مجلة ناطقة باسمها تُسمى "عادا".

اقرأ/ي أيضًا: ليبيا على مفترق طرق تأخر اعتماد الحكومة

ويُذكر أن رئيس هذا المركز بديستور بن عطية عبر عن أسفه لسقوط القذافي زاعمًا أن جهات إسلامية ستحكم ليبيا وتحول دون زيارة اليهود لها. يبدو أسف يهود ليبيا مفهومًا، لأن القذافي كان يسمح لهم بزيارة البلاد للسياحة والتعرف على الجذور كما أنه لم يمس أي من ممتلاكاتهم ولم يتعرض لأي ممن بقي منهم في البلاد.

لكن الخطوة التي طالما بدا طرحها شديد الحساسية، خاصة في ظل الأجواء المضطربة في البلاد التي سادت إبان سقوط القذافي وتعاقب الحكومات عليها، تبدو الآن وكأنها خطوة قد تم التمهيد لها على مستوى إقليمي رفيع إثر التقارب المتزايد بين إسرائيل وبعض الدول العربية وخاصة السعودية والإمارات، التي بدأت تتخذ خطوات كبيرة نحو التطبيع، لم تكن متاحة من قبل.

مساعي التطبيع في المؤتمر.. شخصيات إسرائيلية وإماراتية ودعم أمريكي

من أبرز التصريحات التي صدرت عن أيوب القرا وزير الاتصالات الإسرائيلي أن "إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تسعى لعقد مؤتمر سلام بين إسرائيل وعدد من الدول العربية هذا العام". وهو ما يعني أنها خطوة تطبيعية سوف تتلوها خطوات.

يُذكر أن أيوب قرا عضو حزب الليكود اليميني المتطرف في إسرائيل، يؤيد - كما يفعل كل سياسي ليكودي- الاستيطان الإسرائيلي، كما يؤمن بحل الثلاث دول من خلال سيطرة مصر والأردن على الضفة الغربية وقطاع غزة، وله تصريح مشهور وهو "أن إسرائيل لا يوجد لديها من تصنع السلام معه".

يهود ليبيا تم استخدامهم كما تم استخدام يهود آخرين في شمال إفريقيا، لرسم صورة لشعب مضطهد يريد العودة

ولجملة يقينياته السابقة، أثارت إحدى تغريداته انتباه النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي والتي كتب يقول فيها: "إن ترامب ونتنياهو سوف يتبنيان خطة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بإقامة دولة فلسطينية في غزة وسيناء بدلًا من الضفة الغربية".

وأضاف لاحقًا في التدوينة التي كتبها في 14 شباط \فبراير يقول: "هذه هي الطريقة الوحيدة التي ستمهد الطريق إلى السلام بما في ذلك مع الائتلاف السني". ورغم أن متحدثًا رسميًا باسم الوزير خرج ليقول أن تلك التصريحات ليست سوى "تكهنات شخصية بُنيت على رؤيته وتحليلاته"، إلا أن الدخان لا يمكن أن يكون بلا نار، فلطالما كانت فكرة اقتطاع أجزاء من سيناء وإضافتها لقطاع غزة حلمًا إسرائيليًا، يراود الخيال الصهيوني.

أما النقطة الهامة التي نضع يدنا عليها في هذا الموضوع أن وجود شخصية مثل قرا في مؤتمر للمصالحة بين اليهود والعرب في ليبيا، هو وجود له معنى ومغزى، خاصة وأن هناك تقارير صحفية تحدثت عن تحول المؤتمر إلى من مناقشة عودة اليهود الليبيين إلى جذورهم إلى "مرافعات من أجل التطبيع بين إسرائيل والدول العربية ودعوات للتعاون في المجالات الاقتصادية والتكنولوجية" وأن" عددًا من المشاركين والمنظمين الليبيين عبروا عن انزعاجهم، لأنهم حضروا بنية التواصل مع اليهود كليبيين لا كإسرائيليين".

اقرأ/ي أيضًا: تقرير: إعلام تحريضي يصب الزيت على النّار في ليبيا!

كما وردت تقارير صحفية أيضًا عن مشاركة محمد منصور الكيخيا أحد أذرع الإمارات في ليبيا، وسفير حكومة البرلمان في الأردن، وهو ممن نادوا بمشروع سيف الإسلام القذافي الإصلاحي، قبل أن ينضم إلى تيار الثورة الذي أطاح بالقذافي فيما بعد، والكيخيا أيضًا على صلة بعارف النايض وهو السفير السابق لليبيا في الإمارات.

أما شبكة التوازنات فتبدو واضحة لأن النايض هو شريك علي الحفري في مؤسسة "طابة" الإماراتية، وهو الرجل الذي روجت الإمارات في أكثر من مناسبة إعلامية له، باعتباره مستقبل ليبيا.

اليهود الليبيون: القصة وما فيها!
لعل أهم نقطة يمكننا الانطلاق منها في الحديث عن يهود ليبيا من زاوية تاريخية هو ما جاء في خطاب المؤرخ اليهودي رينزو دي فيليشي "يهود في أرض عربية" الذي صدر في الأصل باللغة الإيطالية عام 1978، و الذي يعد مصدرًا يهوديًا هو الأهم في الحديث عن قصة الرحيل عن ليبيا، حيث جاء فيه أن الذي اتخذ الخطوة الأساسية في الرحيل هو زعيم الطائفة ليللو أربيب إثر التوترات التي حدثت في ليبيا عقب حرب الأيام الستة عام 1967، حيث وجه أربيب رسالة إلى رئيس الوزارء الليبي وقتها حسين مازق "طلب فيها بالسماح بالسفر لليهود الراغبين في مغادرة البلاد حتى تهدأ الأمور ويتفهّم الشعب الليبي وضعيّة اليهود الليبيين".

وللعلم، كانت الطائفة اليهودية تعيش في ليبيا في سلام، وكان عددهم يقدر بنحو 40 ألفًا (طبقا للمصادر اليهودية)، و كان بعضهم متجذرًا في ليبيا من قبل الفتح الإسلامي، و بعضهم هاجر إليها من دول شمال إفريقيا، ومنهم من لجأ إليها هربًا من الأندلس خوفًا من محاكم التفتيش الكاثوليكية.

أما التصادم الأول بين اليهود وسكان ليبيا من المسلمين فقد كان في 3 تشرين الثاني/نوفمبر عام 1945 في ظل اضطرابات عمت العالم الإسلامي في ذكرى وعد بلفور، و فيما بدا أن التحرك بين الشباب المسلمين تحركًا عفويًا غير معد له مسبقًا استثخدمت فيه العصي والحجارة، جاء التحرك من الجانب اليهودي مجهزًا بالأسحلة والذخيرة، ذلك كما هو موثّق في التقارير السرية للحكومة البريطانية التي كانت تحكم ليبيا أثناء فترة الانتداب، والتي يُفرج عنها بموجب القانون البريطاني بعد مضي 30-50 سنة من وقت حدوثها.

كانت الطائفة اليهودية تعيش في ليبيا في سلام قبل 1967، وكان عددهم يقدر بنحو 40 ألفًا (طبقا للمصادر اليهودية)

وبعد تلك المصادمات وتحديدًا بعد ثلاث سنوات منها أي في عام 1948، شجعت السلطات البريطانية، هجرة اليهود الليبيين إلى إسرائيل بعد تصفية ممتلكاتهم، ونقل أمتعتهم القليلة معهم. كما وشجعهم على ذلك أيضًا مناخها الصحراوي الحار وفقر أهلها المدقع وقلة مواردها.

ولكن النقلة الاقتصادية الحقيقية التي حدثت في ليبيا بعد اكتشاف النفط، جعلت سبعة آلآف من اليهود، ممن لم يرغبوا في المغادرة في البداية، يتمسكون أكثر ببقائهم، وجعل ذلك ليبيا توضع تحت عيني المنظمات الصهيونية العالمية، ومنها "الهيئة الأمريكية الصهيونية"، ونجحت هذه المنظمات الصهيونية العالمية في إقناع الممثل السابق لهيئة الأمم المتحدة إدريان بلت أثناء زيارته إلى ليبيا لحضور الاحتفالات بالذكرى العاشرة للاستقلال بالقيام ببعض التحريات السرية التي جاءت عكس توقعات تلك المنظمات، حيث ثبت من خلال التحريات أنه لا يوجد عداء للسامية في ليبيا، وأن العداء لإسرائيل قوي جدًا. وأنه "على مستوى العلاقات الشخصية لم تكن هناك مشاعر موجهة ضد اليهود، وكانت هناك لقاءات شخصية بين العرب واليهود".

أيوب قرا عضو حزب الليكود اليميني المتطرف في إسرائيل له تصريح مشهور "أن إسرائيل لا يوجد لديها من تصنع السلام معه"

وكما يُفهم من قراءة السياق التاريخي أن يهود ليبيا تم استخدامهم كما تم استخدام يهود آخرين في شمال إفريقيا، لرسم صورة لشعب مضطهد يريد العودة، لكن الصورة الحقيقية هو أن العودة اليوم تتم برعاية أمريكية-إسرائيلية لا يمكن افتراض النوايا الحسنة فيها ولا يمكن لأطراف الأمس التي فرقت، أن تكون هي اليوم حمامة السلام، خاصة وأن العودة تتم لمواطنين يحملون الجنسية الإسرائيلية، ويسعون إلى التطبيع كإسرائيليين على المستوى الشعبي بين ليبيا وغيرها من شعوب المنطقة، وهو ما يعني أن انتقال التطبيع من المستويات الرسمية إلى الشعبية جارِ على قدم وساق!

 

اقرأ/ي أيضًا:

كيف أفلست دبلوماسية الإمارات وتحولت إلى مادة للسخرية؟

"التدخل السافر".. سياسة بن سلمان لجر السعودية نحو الهاوية