30-أغسطس-2022
لوحة لـ أولا بيلغرين/ السويد

لوحة لـ أولا بيلغرين/ السويد

ها أنت تتمددين الآن عارية إلى جانبي في السرير.. أعوام طويلة وأنا أسمع صوتك في ذهني، لقد عشت معك عمرًا كاملًا دون أن أرى صورتك.

تكلمي ليليان، لماذا أنت صامتة؟

نجحت في حل معادلات الرنين المغناطيسي وحصلت على بطولة عالمية في الشطرنج

وألفّت كتابًا شعريًا عن الكواركات وحركة الالكترونات.. لقد نجحتُ يا حبيبتي.

كانت صفراءَ شاحبة وجسدها متيبسًا إلى جانبي، أنا أيضًا كنت إلى جانبها في السرير، لكني ظننتها أنها هي من تفوهت بتلك الكلمات، فأصوات عديدة كانت تطرق مسامعي.

لكنني كنت متأكدًا من أنها متمددة إلى جانبي فكلما أدرت جسدي نحوها كنت أرى وجهها الهزيل وحركة عينيها الرخوتين يمينًا ويسارًا، بينما نهداها ظلّا لفترة طويلة عبارة عن كتلتين متحجرتين فيهما أثر بسيط للشقوق والندوب. لكن كلما أطفأت الأضواء وغرقت الغرفة في ظلام دامس، كنت أطيل التحديق في وجهها وأرى ابتسامتها اللامعة والمخيفة في العتمة.

أنا أيضًا حركتي كانت غريبة جدًا؛ حركة لم أعهدها من قبل في مشيتي؛ شعرت أن فقرات ظهري تستند إلى كتلتين عظميتين، وأنّ قدمَي تساعدانني على القفز لمسافات طويلة وبعيدة.

حتى شعر جسدي صار كثيفًا فجأةً، أليس الأمر مريبًا ومخيفًا أن تنمو لي حوافرُ قذرة، وينبت الشعر أو الوبر في جسدي؟ لكني لست خائفًا الآن.. سابقًا كانت تخيفني أشياء عديدة: صوت أبي وتقريعه لي، سخرية أطفال الحي مني وضربهم المتكرر لي، قطعان الكلاب الضالة ومسؤوليات العمل التي لم أنجح في أيّ منها، وكنت مرتاحًا ومطمئنًا عندما يأتيني قرار إداري بالفصل. في هذه الحياة لم أجد لي أعداءً ولا حاسدين، الكل كان ينظر لي بعين الشفقة والرحمة القاسية؛ تلك الرحمة التي ينظر بها البشر لأيّ كلب غريب ووحيد مثلي.

حتى ليليان لم تكن تحبني، بل كانت تطعمني من يديها الملائكيتين، وعطرٌ آخّاذ يجذبني لها، لكنها كانت تعيدني إلى قفصي بعد ربطي بالسلاسل دون أن تنظر لعينيّ الراجفتين والدموع تسيل منهما.

تكلمي ليليان، لماذا أنت صامتة؟

حسنًا، سأجلب لك الدواء من أقرب مكتبة هنا. خدر يسري في أطرافي ولا أستطيع النهوض بهذه الحوافر الجديدة.

هناك قدمان كبيرتان تحت الطاولة تتحرك أصابعهما بطريقة دائرية، أستطيع التعرّف إلى الشخص من ملامح قدميه، أظنه من الأشخاص الذين كانوا يضربونني ويسخرون مني دائمًا؛ هذا الشخص الذي لم أستطِع الإجابة عن أسئلته يومًا، لكنني الآن أستطيع وأقولها لكم بكامل ثقتي وقوتي، وصرخت بكامل صوتي: أنا أستطيييييييع..

وفعلًا أجبت عن جميع أسئلته التي كانت تربكني وتخيفني، أجبت عنها جميعًا دفعة واحدة.

بقعة دم كبيرة على أرضية الغرفة، منظر الدماء يشعرني بالراحة والطمأنينة، لكن يبدو أنّ المشهد قد فسد وكل شيء صار واضحًا أو ربما شُبّه لي ذلك.

وجهٌ يخرج لي من باب الخزانة الموارب يحييني بإيماءة من وجهه، ويغمز لي بعينه اليسرى. كان وديعًا ولطيفًا وهو صديقي الآن. لم يكن مخيفًا أبدًا هذه المرة حتى أني استطعت الإجابة عن أسئلته مرة واحدة وبطريقة مذهلة فاجأته جدًا. جميلٌ أن تحقق معجزة كبيرة في هذه الدنيا، أن تثبت للآخرين أنك حققت شيئًا ظنّوه مستحيلًا في قاموسك، حقًا أنها سعادة عميقة وسحرية؛ سعادة لا توصف، يشعر بها الإنسان في تلك اللحظات.

عليّ أن أسرع، يجب أن أذهب إلى المدينة حالًا لأجلب لك الدواء، لكنّ الضباب رمادي والأرض مطاطية. لا أستطيع الركض، سأحاول.. فأنا لم أعد أخاف شيئًا بعد اليوم

كانت قفزة هائلة؛ أنا أطير بخفة وأحلّق عاليًا دون أن أغرق في لزوجة الوحل السماوي، لكن يبدو أنّ سرعتي جنونية، سأهبط في الحال. في سرّي كنت أسأل، ما حاجة البشر إلى الجاذبية، إذا كان الإنسان ينتصر على الضوء والجاذبية في هذه الظروف.

في الحي القديم مرّ بي أشخاص مقرّبون جدًا إلى قلبي، لم أكترث بهم وسلّمت عليهم سلامًا عابرًا. الدكاكين والمنازل يرتادها أشخاص غرباء بمعاطف سود. نجارون يصنعون التوابيت لأهل الحي، لم أكن خائفًا، حاولت الاقتراب من هؤلاء النجارين أصحاب المعاطف السوداء، لكنهم كانوا منهمكين في عملهم ولم يلتفتوا إليَّ أبدًا أو يرفعوا رؤوسهم نحوي.

شخص ضعيف وقامته محنية يرتدي نظارة طبية وقبعة أخبرني بصوت خافت: إنّ ليليان ماتت..

همس لي ومضى مسرعًا ثم اختفى. تيبس الصراخ في حنجرتي، وصوت

دوى في السماء مع هدير الرعد؛ صوت امتزج مع صوتي بين ثقوب السماء الخفية

ليلياااااااان.. ليلياااااااان.. ليلياااااااان..

كنت مسمرًا في غرفتي بهيئتي الحيوانية الرثة، وكانت ليليان ما تزال ممددة على السرير، لا أدري إن كنت حقًا قد ذهبت فعلًا لأجلب لها الدواء أم أنني كنت هنا أبكي طوال هذه الفترة؟

أطلت النظر في عنقها الأبيض الطويل والمكتنز، كان هناك شريان بارز من هذا البياض؛ عندما أجوع أشرب منه الدماء.. لقد حفرت هذا الثقب بأنيابي، سامحيني حبيبتي فلم أقصد إيذاءك أبدًا.

تكلمي ليليان، لماذا أنت صامتة؟

ما زلت ممددًا إلى جانبك في السرير.. ها أنت تتحركين وتقتربين مني، أنا حيوانك الأليف

أشعر بجسدك يطوّق جسدي وأنفاسك الحارة تلفح رقبتي ووجهي في العتمة،

سيقانك تلتف حول حوافري.. ولسانك الطويل يلحس رقبتي وفكي.. وصدري،

أنت تنبضين الآن.. أنت تتحركين..

ليليان.. لقد نجحتِ يا حبيبتي!

دلالات: