27-فبراير-2017

ملصق لـ مارين لوبان، زعيمة اليمين الفرنسي

تنجح مارين لوبان حيث أخفق والدها. هذا ما تؤكده مسيرة المرأة خلال العشر سنوات الماضية. لقاؤها برئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري أمرٌ لم يتح لوالدها الذي زار لبنان في عام 2002، وقوبل بالتجاهل التام من قبل الرئيس الأسبق إميل لحود ورئيس الحكومة آنذاك رفيق الحريري. زد على ذلك لقاءها بالبطريرك الماروني والقيادات المسيحية ونجاحها في تحويل موعدها مع مفتي الجمهورية إلى مسرحية هزلية، سخرت فيها من المفتي -بما يمثل- على العكس من كلمة التقدير التي أرسلتها إليه من على مدخل دار الإفتاء.

تعود علاقة مارين لوبان بلبنان إلى ميثاق الحماية الذي أعطاه لويس التاسع لأمة الموارنة

المهم في الزيارة ليس تبرع البعض في لبنان لتبييض سجل المرأة العنصرية مجانًا، فالبلد اشتهر في عمليات غسيل الأموال وأشياء أخرى. وليس الأهم كذلك نجاحها في تحقيق أهدافها بجذب المزيد من الناخبين في فرنسا نفسها، وليس في لبنان كما توهم الإعلام اللبناني. إن المسألة الأساس والأخطر في زيارة لوبان إلى لبنان هو خطابها، من حيث استعادتها لوعد فرنسا حماية المسيحيين في الشرق، والزهو بالعلاقة المعمدة بالدم التي تربط فرنسا بلبنان "الماروني".

اقرأ/ ي أيضًا: مارين لوبان.. تحت مقصلة الوظائف الوهمية والفساد

وإذا كانت إحدى محطات هذه العلاقة إرسال حزب لوبان لمقاتلين فرنسيين للقتال إلى جانب الميليشيات المارونية في ثمانينيات القرن الماضي، فإن جذر هذه العلاقة -بالنسبة لمارين لوبان- يعود إلى ميثاق الحماية الذي أعطاه ملك فرنسا لويس التاسع لأمة الموارنة. 

تقول الرواية إنه في الرابع والعشرين من شهر أيار/مايو للعام 1250 أرسل أمير الموارنة ولده سمعان على رأس وفد من 25000 رجل لاستقبال لويس التاسع في عكا محملين بالهدايا. مشهد الجموع أغبط قائد الحملة الصليبية السابعة فقام بمنحهم "عهده وعهد ملوك فرنسا من بعده بحماية هذه الأمة التي تُعرف باسم القديس مارون، التي هي جزء من الأمة الفرنسية". طبعًا لم ولن نسمع أحدًا من الجانب اللبناني يرد بأن الموارنة لن يعودوا للعب دور حامية صليبية، أو أنهم ليسوا بجالية فرنسية لأنهم أصلًا من "أقحاح العرب لغة وأصلًا" (انظر كمال الصليبي "بيت بمنازل كثيرة"، 1989).

بالعودة إلى الأصولية التي نضح بها خطاب لوبان، فهي مثل كل الأصوليات في لا واقعيتها، وتصطدم أولًا بمبدأ العلمانية في الجمهورية الفرنسية، أما خطاب حماية الأقليات فقد نُسخ ومُسخ مرارًا وتكرارًا، لكن على الرغم من ذلك، لا يزال الخطاب يبعث إشارات عدة عن التحولات الجارية في أوروبا، وتحديدًا ظاهرة صعود اليمين المتطرف. 

تتصاعد دعوات أنصار لوبان على وسائل التواصل الاجتماعي لاستعادة القسطنطينية 

لوبان نفسها التي جهدت في إبعاد صبغة النازية والفاشية عن حزبها، لا تجد حرجًا في تبني مقولات تنتمي إلى زمن الحملات الصليبية، والغريب أن هذه المقولات تلاقي رواجًا في فرنسا وتكسبها المزيد من الأنصار.

اقرأ/ي أيضًا: بعد فشلها في لقاء ترامب.. لوبان مادة دسمة للسخرية

العقد الجماعي لأوروبا ما بعد الحرب العالمية الثانية، قضى بنبذ الفاشية ودفع إلى تبني اتفاقيات ومواثيق تعنى بحقوق الإنسان. اليوم يتساقط هذا العقد ليس أمام عودة أيديولوجيات القرن الماضي، لكن أمام خطاب شعبوي مفكك خال من أي منطق متماسك، ومشبع بترهات ماضوية تدفع بالعالم كله آلاف السنين إلى الوراء. مثال على ذلك دعوات أنصار لوبان المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي لاستعادة القسطنطينية (إسطنبول حاليًا)، وهم في نفس الوقت يجنحون نحو الوطنية الزائدة ويدعون للخروج من الاتحاد الأوروبي!

من الخطأ الاتكاء على لا واقعية ولا عقلانية هكذا طروحات للتقليل من خطرها، فالصهيونية نجحت في فرض واقعها لا لأنها فكرة جيدة، إنما لأنها تحولت إلى قوة مادية عندما استحوذت على العقول، وأفكار اليمين المتطرف في أوروبا تستحوذ بالذات على عقول الشبان.

أخيرًا، يبقى القول إن هكذا طروحات تعطي مصداقية لطروحات الأصوليين في عالمنا العربي، وتجعل من مشروعهم في استعادة الأندلس، وفتح روما المشروع الأكثر جدية في مواجهة تحديات المستقبل، الذي يرسم ملامحه اليوم أمثال دونالد ترمب ومارين لوبان.

 

اقرأ/ ي أيضًا:

هل المسيحي كافر؟

السلطة المركزية وحياتنا الشخصية