27-فبراير-2017

عشرات الأسر المسيحية تهرب من مدينة العريش للإسماعيلية بعد قتل داعش لعدد منهم (فيس بوك)

"المستشار لبيب حليم، نائب رئيس مجلس الدولة، كلّف شابين بطبع كروت دعوة لحضور قداس أربعين زوجة ابنه وأحد أحفاده، وبعد أن اتفقا مع صاحب مطبعة "الدريني" ودفعا التكاليف، حضرا في اليوم التالي لتسلم الكروت، لكن صاحب المطبعة أعاد لهما الصيغة المتفق على طبعها والنقود قائلًا: مبنعملش للنصارى شُغل.. دول ناس كفرة!" (المصري اليوم في 26-2-2009)

ما دام القتل على الهوية الدينية مستمرًا في محيطنا العربي، وطالما أن الدولة المصرية لا تكفّ عن التستّر على فشلها في "محاربة الإرهاب"، معلنةً عن تقديم كافة الخدمات والمساعدات اللازمة للعائلات المسيحية النازحة من شمال سيناء إلى المحافظات القريبة، وطالما أن غباء الكثيرين في فهم الإسلام يؤدي بهم إلى استحلال دماء أصحاب الأديان الأخرى؛ لا بد من معاودة الأسئلة البدائية البديهية، وأولها سؤال: هل المسيحي كافر؟. لنناقش المسألة ودعونا ننظّف الجرح، والبداية لا بد أن تكون من هذا السؤال السمج: هل المسيحي كافر؟

إن كثيرًا من المسلمين يعتقدون أن المسيحي كافر، بالنظر لآيتين قرآنيتين هما: "لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم"

إن كثيرًا من المسلمين يعتقدون أن المسيحي كافر، بالنظر لآيتين قرآنيتين هما: "لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم" (المائدة: 72) و"لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة" (المائدة: 73).

اقرأ/ي أيضًا: تفجير الكاتدرائية.. الرب لن يقاتل عنكم

 وأقول نعم الآيتان ذكرتا أنهم كفروا، لكن علينا النظر في الآيات الأخرى لأن القرآن يفسّر بعضه بعضًا، فإذا فعلنا نجد:

أولًا: أن القرآن قسّم الناس وقت نزوله إلى 4 فئات: أولهم المؤمنون، وهم الذين آمنوا بمحمد (ص) والاسم الذي تعارفنا عليه هو المسلمون، وثانيهم اليهود، وهم أتباع النبي موسى، وثالثهم النصارى، وهم أتباع النبي عيسى أو المسيحيون، ورابعهم المشركون، وهم عَبَدة الأصنام أو الكُفّار، الذين لا يؤمنون بمحمد أو عيسى أو موسى ولا يؤمنون بالله واليوم الآخر، وقالوا "إن هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين" (الأنعام: 29).

والآية التي توضّح هذه الفئات هي "لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنّا نصارى" (المائدة: 82).

ثانيًا: في صدد الإجابة على سؤال "هل المسيحي كافر" لا بد أن نتذكر أن القرآن قد أطلق على اليهود والنصارى مصطلح "أهل الكتاب" وبيّن أنهم والمسلمون أمة واحدة وأن دينهم واحد في قوله: "شرع لكم من الدين ما وصّى به نوحًا والذي أوحينا إليك وما وصّينا به إبراهيم وموسى وعيسى" (الشورى: 13). وقال تعالى: "يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحًا إني بما تعملون عليم وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون" (المؤمنون: 51-52).

ثالثًا: أتباع الدين السماوي (مسلمون ومسيحيون ويهود) مختلفون تمامًا عن المشركين "الكفار" والعلاقات مختلفة وقد وضّحها القرآن في ما يلي:

حرّم زواج المؤمنين بالمشركين والمشركات "ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن"، وقال "ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا" (البقرة: 221). وقال "ولا تمسكوا بعصم الكوافر" (الممتحنة: 10)، أي لا تحتفظوا بالزوجات الكافرات.

في الوقت الذي أحلّ الزواج من أهل الكتاب فقال "والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن" (المائدة: 5)، والأجور هنا تعني المهور.

اقرأ/ي أيضًا: لماذا يصبح الناس أغبياء عندما يتناقشون في السياسة؟

أحلّ التزاور والمؤاكلة بين المسلمين وأهل الكتاب، فقال: "وطعام الذين أوتوا الكتاب حٍلٌّ لكم وطعامكم حل لهم" (المائدة: 5).

فإذا كان القرآن قد أفسح المجال للزواج وتبادل الولائم، فماذا يبقى لكي يكون التعامل مع المسيحيين مثل المسلمين سواء بسواء، وكيف لا وحماتك مسيحية، وجدّ أولادك مسيحي، وأخوالهم مسيحيون؟! فهل المسيحي كافر حقاً؟ 

إذا كان القرآن قد أفسح المجال للزواج وتبادل الولائم، فماذا يبقى لكي يكون التعامل مع المسيحيين مثل المسلمين سواء بسواء

آيات متشابهات

ثم نصل إلى الآيتين المثيرتين للشبهات في بحثتنا عن إجابة السؤال التي افتتحنا بها مقالنا هذا: هل المسيحي كافر. فلكي ننفي شبهة "الكفر" عن المسيحيين يكفي أن نذكر أن كتاب الله سمح بالزواج بالمسيحيات وأمر بتطليق الكافرات، مما يؤكد أن المسيحيات غير الكافرات، ومن ثمّ فالمسيحيون ليسوا بكفار. وهنا يلزم النظر في تفسير الآيتين المذكورتين "لقد كفر الذين قالوا.. إلى آخر الآية" وحتى يُمنع التناقض بين الآيات لا بد أن يكون معنى فعل "كَفَر" في هاتين الآيتين ليس هو المعنى العقائدي، أي عدم الإيمان بالله واليوم الآخر، وإنما المقصود هنا هو المعنى اللغوي، حيث "كفر" تعني ستر الشيء وغطّاه.

وبهذا يكون المعنى في الآيتين أن الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم، وإن الله ثالث ثلاثة؛ قد ستروا الحق وغطّوه وأخفوه، وأن الحق غير ما يقولون، والصواب غير ما ينطقون. وبالتأكيد ما سبق لا يقدّم تصريحًا دينيًا بقتل المسيحيين واليهود لأنهم يدينون بغير الإسلام، ومن يفعل ذلك فهو يفتري على الله ورسوله، اللذين يزعم أنه ينصرهما بمحاربة غير المسلمين الآمنين في أوطانهم وبيوتهم.

لنأمل أن ينتهي الجنون الدموي المفتون بسفك دماء الأبرياء وأن تظل الوشائج بين الجميع نَسَب ومصاهرة وولائم وزيارات والمعاملات مواطنة وألفة ومودة. ولنأمل أن نكف عن الدخول في هذا الجدل حين يطالعنا أشخاص في جلساتنا اليومية ليسألون بهدف الإجابة: "هل المسيحي كافر"، مع استبطان إجابة مسبقة عند الكثيرين، تستخف بقيمة الإنسان وحرمته عند الله، وتدمر وشائج المواطنة التي يفترض أن تكون كفيلة في المجتمعات المتقدمة برفض الحكم على الأشخاص حسب دينهم ومعتقداتهم، حيث يصبح سؤال "هل المسيحي كافر" و "هل المسلم يدخل الجنة" وغير ذلك من الأسئلة خارج التاريخ ومخالفة لمنطق الإنسان القويم.  

اقرأ/ي أيضًا:
عندما سحق مُخلص المسيحية خلافة المسلمين
الدولة التي قطعت رأسها