11-سبتمبر-2023
مودي مُرحبًّا بالرئيس بايدن في قمة مجموعة العشرين (رويترز)

أثارت وثيقةٌ رسميةٌ حالةً من الجدل الواسع بين الشعب الهندي، وأبرزت من جديد السياسات اليمينية الإثنية للحزب الحاكم بهاراتيا جاناثا بقيادة رئيس الوزراء ناريندا مودي.

بدأت القصة بإرسال مكتب رئاسة الهند دعوةً رسميةً إلى باقي أعضاء الدول العشرين لحضور حفلة عشاءٍ رسمية في العاصمة الهندية نيودلهي يوم السبت 9 أيلول/سبتمبر في إطار مراسم قمة الدولة العشرين التي تستضيفها الهند لهذا العام يومي السبت والأحد 9-10 أيلول/سبتمبر.

إلا أن اللافت للنظر هو أن الدعوة كانت تحت مسمّى "رئيسة بهارات" (President of Bharat)، بدلًا من رئيس الهند (President of India)، وهو ما أثار المزيد من التكهّنات والجدل حول مساعي الحزب الحاكم إلى دفع البلاد نحو المزيد من السياسات اليمينية القومية، وما هذه الخطوة إلا جزءٌ من هذه السياسات.

وبالفعل أفادت صحيفة "تايمز ناو"، أشهر صحيفةٍ ناطقةٍ بالإنجليزية في الهند، قبل ذلك ببضعة أيام، يوم 5 أيلول/سبتمبر، تقارير عن اعتزام الحزب الحاكم بطرح قرارٍ بتغيير الاسم الرسمي للبلاد إلى بهارات خلال الجلسة الاستثنائية للبرلمان الهندي المزمع عقدها بتاريخ 18-22 أيلول/سبتمبر.

 

أثار انتشار الدعوة بهذا الاسم انقسامًا واسعًا بين أطياف الشعب الهندي، بين من أثنى على هذه الخطوة معتبرًا إياها تحرّرًا من عبودية الاستعمار تحت مزاعم أن اسم "إنديا"، أو India، هو تسميّةٌ فرضها المستعمر البريطاني، وبين من عبّر عن مخاوفه من جرّ الحزب الحاكم الهند أكثر وأكثر نحو اليمين، من ناحية، واعتبار أن هذه الحركة هو تهديدٌ لنواة الاتحاد الذي ترتكز عليه جمهورية الهند.

كان هذا مثلًا رأي رئيس البرلمان "جاريرام رامش" الذي أكّد صحة هذه الدعوة الرسمية، مستشهدًا بالجملة الافتتاحية من المادة الأولى من الدستور الهندي الذي يقول: "الهند، كما تُعرف باسم بهارات، تتكوّن من اتحادٍ من الولايات"، وقال إن هذه الحركة هي هجومٌ على هذا الاتحاد.

من الناحية الأخرى، دعم الكثير من المسؤولين هذه الحركة وقالوا إنها اعتزازٌ بالاسم الأصلي للهند، وكان منهم وزير التعليم الذي شارك التغريدة في دعمه لهذا الموقف، وأيضًا "راجيف تشاندراسيكار"، وزير الاتحاد، الذي قال: "بهارات هو اسم بلادنا، ولا يوجد شكٌّ في ذلك. الكونغرس يعترض على كل شيء".

وكان أحد الداعمين لهذه الخطوة "موهان باغوات" رئيس منظّمة التطوّع الوطنية (RSS)، الحزب المعروف بتوجهّاته اليمينية المتطرّفة، الذي قال إن اسم بهارات هو الاسم الحقيقي للهند منذ قرون بغض النظر عن اللغة، وإن استخدام كلمة "إنديا" لم يكن سوى محاولةً للتسهيل على متحدّثي اللغة الإنجليزية.

في المقابل انتقدت محبوبة مفتي، رئيسة حزب الشعب الديمقراطي، هذه الخطوة وقالت أنها ما هي إلا ضربةٌ أخرى لمبدأ الوحدة عبر التنوّع في الهند من الحزب الحاكم الذي اختزل الأسماء العديدة للبلاد كـ"هندستان"، و"إنديا" إلى "بهارات" فقط، وهو ما يعرّي ضيق أفق التسامح لدى الحزب وتفاهته.

هندستان؟ إنديا؟ بهارات؟ الهند؟

يرى الناظر في النصوص الهندية القديمة أن اسم بهارات له أصلٌ في النصوص السنسكريتية القديمة، ويوجد في البورانا، وهو اسمٌ يجمع طيفًا واسعًا من الأدبيات الدينية الهندوسية القديمة.

إلا أن اسم "إنديا" له أيضًا جذورٌ قديمة يرجع إلى ما قبل ألفي سنة، حينما أطلق اليونانيون هذا الاسم على هذا الأرض تيمنًّا بنهر "إندوس" الذي يجري في باكستان الآن.

أما اسم هندستان فأصوله فارسية، وهو أيضًا إشارةٌ إلى الاسم السنسكريتي لنهر "إندوس"، وأُضيف له لفظ "ستان" الذي يعني البلد أو الأرض بالفارسية، ليكون اسم هندستان.

وللهند، بهذا الاسم المأخوذ من اللفظ الفارسي، تاريخٌ طويلٌ متصلٌ بالحضارة العربية والإسلامية، إذ يعود ذكرها مثلًا إلى أيام العصر الجاهلي، كأشعار طرفة بن العبد وغيره:

وظلم ذوي القربى أشدّ مضاضةً

المرء من وقع الحسام المهنّد

حيث يبدو أن العرب كانوا يستخدمون لفظ "هند" كجذرٍ يشتقّون منه المسميّات، وهو ما ذهب إليه مثلًا الأزهري في قاموس الصحاح: "والأصل في التهنيد عمل الهند، يُقال سيف مهنّد وسيفٌ هندي وهندواني إذا عُمِلَ ببلاد الهند".

ما الدلالات الحقيقية لهذه الخطوة؟

يرى البعض أن السبب الحقيقي وراء التنكّر لاسم "إنديا" من قبل حزب مودي هو محاولةٌ لخلق الشقوق في التحالف الذي شكّله 26 حزبًا معارضًا تأهّبًا للانتخابات المقبلة، إذ اختارت كتلة المعارضة كلمة INDIA اسمًا للحزب اختصارًا لـIndia National Development Inclusive Alliance، أو تحالف التنمية القومية الهندية الإشراكي، بأخذ الحرف الأول من كل كلمة. وسرعان ما هاجم مودي الحزب معلّلًا أن المعارضة اختارت لنفسها اسمًا "استعماريًا" يُفضي في النهاية إلى خدمة أجندة أعداء الهند.

ويقول مراقبون إن هذا ينبع من قلق مودي وحزبه، خصوصًا أن هذه التحالف هو الأول من نوعه، وهدفه المعلن هو إسقاط حكومة مودي.

تأتي هذه المزاعم بتغيير اسم الهند إلى بهارات في سياق سياسةٍ أوسع قام بها الحزب الحاكم بتغيير العديد من أسماء المدى والقرى والأحياء والشوارع الإسلامية تحديدًا منذ وصوله إلى دفة الحكم عام 2014، وهو ما يُثير المخاوف من أن هذه الخطوة هي محاولةٌ أخرى لطمس أي تراثٍ إسلاميٍّ تاريخي، أو غير هندوسي، لبلاد الهند.

وقد وصفت الأستاذة الأمريكية أودريه ترشك، المختصة بتاريخ جنوب آسيا، هذه السياسات المتكرّرة بأنها محاولةٌ "لإبادة الماضي" من قبل الحزب الحاكم.

كما قالت البروفيسورة نيتاشا كاول، بروفيسورة العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة ويستمينتر في لندن، إن هذه الخطوة تُخفي من وراءها أجندةً مبطّنةً تتلخّص بمحاولة وصم من يرفضون هذا الاسم ذا الجذور الهندوسية القومية بالآخر للصورة النموذجية للمواطن الهندي-الهندوسي الذي يعتزّ بصورة واسم بلاده بهارات.