30-سبتمبر-2023
الحرب الأهلية في نيجيريا

تجمع الوثائق على إدراك دولة الاحتلال للمجازر التي حدثت لكنها استمرت في تغذية الصراع (Getty)

تكشف وثائق إسرائيلية جديدة، عن مساهمة إسرائيل من خلال دور مزدوج في واحدة من أفظع الحروب الأهلية حول العالم في نيجيريا، والتي أسفرت عن مقتل أكثر من نصف مليون شخص، قدمت خلالها دولة الاحتلال الأسلحة لولاية بيافرا الانفصالية والحكومة الفيدرالية في نيجيريا في نفس الوقت.

وتعود الحرب إلى تموز/ يوليو 1967 وكانون الثاني/ يناير 1970، إذ دارت إحدى أفظع الحروب في القرن العشرين بين الحكومة الفيدرالية النيجيرية وولاية بيافرا الانفصالية. وبعد انتهاء الأمر، قدرت السفارة الإسرائيلية في لاغوس أن ما بين 500.000 و750.000 شخص لقوا حتفهم في الجانب البيافراني نتيجة التفجيرات والإعدامات والمذابح والتجويع القسري للسكان المدنيين.

قدمت إسرائيل الأسلحة، لأطراف القتال في الوقت نفسه، رغم أنها كانت تنفي أي مساهمة طوال سنوات الحرب الأهلية

بحسب الوثائق الإسرائيلية، التي كتب من خلالها المحامي إيتاي ماك، مقالته البحثية، فقد كانت دولة الاحتلال تدرك الواقع هناك، لكنها استمرت في تغذية الصراع بالأسلحة. وفي برقية بتاريخ 8 آب/ أغسطس 1969، أرسلها إيمانويل رون، مستشار السفارة الإسرائيلية، إلى قسم أفريقيا بوزارة الخارجية، ذكر أن غالبية كبار المسؤولين في الحكومة الفيدرالية اتخذوا موقفًا مفاده أن "المجاعة سلاح مقبول" في الحروب واستخدمت كوسيلة قانونية في حروب الدول المتقدمة وليس هناك سبب لنيجيريا للتصرف بشكل مختلف.

ووصلت إلى إسرائيل "الأوصاف المروعة للحرب والوضع الإنساني الكارثي الناجم عن حصار الحكومة النيجيرية للمنطقة التي ينتمي معظم سكانها إلى شعب الإيغبو، حيث أثارت قلقًا كبيرًا في وسائل الإعلام".

خلال سنوات الحرب، كانت دولة الاحتلال تنفي تقديم أي مساعدة عسكرية لأي طرف بالحرب، مع مزاعم بأن الدول العربية هي من تنشر هذه الأخبار، وبالأخص إرسال المساعدة العسكرية للإقليم الانفصالي، من أجل الإضرار بعلاقات إسرائيل في الحكومة الفيدرالية.

getty

ما سبق كان الرواية الإسرائيلية السائدة، لكن بحسب المحامي الإسرائيلي المهتم بالكشف عن مشاركة تل أبيب في الصراعات حول العالم إيتاي ماك، فقد فتح أرشيف الدولة للجمهور ما يقرب من 40 ألف صفحة من البرقيات المتعلقة بعلاقات إسرائيل مع نيجيريا والتي كانت موجودة في ملفات وزارة الخارجية. 

ويقول ماك: "على الرغم من الرقابة الشديدة، فإنها تكشف أنه بالإضافة إلى حقيقة أن إنكار المساعدات الإسرائيلية لبيافرا [الإقليم الانفصالي] كان أكاذيب، فقد لعبت إسرائيل لعبة مزدوجة وقدمت المساعدة العسكرية والسياسية للحكومة الفيدرالية أيضًا. وتكشف البرقيات أن الدعم الإسرائيلي لبيافرا لم يكن قائمًا على اعتبارات أخلاقية، بل كان يهدف إلى تعزيز المصالح السياسية والتجارية الإسرائيلية في نيجيريا وفي بلدان أفريقية أخرى".

وبحسب ملخص أعدته الخارجية الإسرائيلية في تشرين الأول أكتوبر 1972، فإنه بعد وقت قصير من حصول نيجيريا على استقلالها عن بريطانيا، في 1 تشرين الأول/ أكتوبر 1960، أقامت علاقات مع إسرائيل وأصبحت وجهة رئيسية في القارة الأفريقية لأنشطة إسرائيل. وبدأت العلاقات في التدهور في كانون الثاني/ يناير 1966، عندما استولى رئيس أركان الجيش جونسون أجوي إيرونسي، وهو أحد أفراد شعب الإيغبو، على السلطة في انقلاب عسكري، مما أسفر عن مقتل العشرات من ضباط الجيش وأعضاء القيادة المدنية. وبرر المجلس العسكري الانقلاب من خلال الإشارة إلى الحاجة إلى التعامل مع فساد الحكومة المدنية المخلوعة، وبدأ على الفور تحقيقات ومحاكمات تورطت فيها شركات إسرائيلية.

getty

وبحسب المقال: "تؤكد مئات البرقيات الصادرة عن وزارة الخارجية مدى تورط الشركات الإسرائيلية في الفساد والرشوة في نيجيريا".

ويضيف المقال: "على الرغم من المشاكل التي سببها الانقلاب للشركات الإسرائيلية العاملة في نيجيريا، إلا أن إسرائيل رأت في استيلاء الجنرال أجوي إيرونسي على السلطة فرصة لتعزيز العلاقات بين البلدين، والتي كانت محدودة".

وعملت دولة الاحتلال على تعزيز العلاقات خاصة مع قيادة شعب الإيغبو، الذي يشكل الأغلبية في الولاية الشرقية، خلال سنوات النظام المدني السابق. وأفادت السفارة الإسرائيلية أن قيادة الدولة الشرقية تزعم أن "الإيغبو هم يهود نيجيريا" وأن إسرائيل هي الدولة التي "ساهمت وتساهم في تنمية شرق نيجيريا أكثر من أي دولة أخرى في العالم، مقارنة بحجمها من عدد سكانها".

وخلال هذا الوقت، وقع انقلاب آخر من جديد في تموز/ يوليو 1966، وانتقلت السلطة إلى أيدي المجلس العسكري الجديد، الذي كان يرأسه المقدم ياكوبو جوون، وهو شمالي كان يعتبر مرشحًا توفيقيًا.

getty

ويتابع المقال موضحًا السياق: "من بين أمور أخرى، منذ أن تم ربط المجلس العسكري المخلوع بالإيغبو، في الأشهر التي تلت الانقلاب الثاني، تم تنفيذ مذابح ضد شعب الإيغبو في جميع أنحاء نيجيريا، وخاصة في الولاية الشمالية المسلمة. في عشرات البرقيات، أبلغت السفارة الإسرائيلية في لاغوس عن سلسلة من الهجمات، التي قُتل فيها عشرات الآلاف من الإيغبو وشرد حوالي مليوني شخص من منازلهم واضطروا إلى الفرار إلى الولاية الشرقية".

ومع تزايد التوتر بين قيادة الولاية الشرقية والحكومة الفيدرالية، التي يقودها الآن المجلس العسكري في جوون، وعلى خلفية المذابح المستمرة، التي أدت بدورها إلى تفاقم أزمة اللاجئين الإيغبو، كان هناك قرار لإعادة تنظيم نيجيريا من أربع ولايات إلى 12 ولاية. وردًا على ذلك، استعد ممثلو الدولة الشرقية في نيجيريا وفي لندن وباريس ودار السلام في تنزانيا للحرب. ولجأوا إلى الدبلوماسيين الإسرائيليين وطلبوا المساعدة في شراء الأسلحة.

وبحسب هآرتس، فإن دولة الاحتلال دفعت الرشاوى للصحف من أجل نشر إنكار إرسال الأسلحة، ومع ذلك في تموز/ يوليو 1968 تمت الموافقة على إرسال أول دفعة من الأسلحة التي استولت عليها دولة الاحتلال خلال الحروب إلى إقليم بيافرا عبر تنزانيا، لأن مدى الطائرات الإسرائيلية لم يمتد إلى نيجيريا. فيما رفض الرئيس التنزاني جوليوس نيريري الموافقة، على الرغم من اعتراف بلاده باستقلال بيافرا. ثم قررت إسرائيل منح مبلغ 200 ألف دولار على دفعتين لممثلي بيافرا في باريس، للسماح لهم بشراء الأسلحة بشكل مستقل.

getty

وبينما سلم المستشار في السفارة الإسرائيلية في باريس، يهوشوع ألموغ، ممثل إقليم بيافرا مبلغ 100 ألف دولار نقدًا، أخبره أيضًا أن إسرائيل تشرف على حملة لتشرح للعالم أن ما يحدث في بيافرا هو بمثابة إبادة جماعية.

الحملة الإسرائيلية لم تحصل لدوافع إنسانية، وبحسب برقية بتاريخ 23 آذار/ مارس 1969، كتبت يائيل فيريد، مديرة قسم الشرق الأوسط في وزارة الخارجية، إلى السفارة الإسرائيلية في لندن عن نية إسرائيل "بدء ومساعدة حملة دعائية واسعة النطاق لبيافرا، من أجل تحويل انتباه العالم عن التعاطف مع الفلسطينيين، وإدانة مشاركة طيارين من مصر في تنفيذ غارات جوية على بيافرا".

وتتابع "هآرتس"، قائلةً: "على الرغم من نفي الحكومة الإسرائيلية المتكرر للحكومة النيجيرية ووسائل الإعلام الإسرائيلية والدولية، وكذلك لأصدقائها في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الحكومة الأمريكية المحايدة، فإن عشرات البرقيات تشهد بأن وزارة الخارجية كانت على علم تام بهذه الحملة الخاصة من مبيعات الأسلحة، وكان ينسقها مع بعض الإسرائيليين الذين كانوا يتصرفون سرًا". 

getty

إلى جانب ما سبق، ساهمت دولة الاحتلال، في ربط الإقليم الانفصالي في تجار الأسلحة حول العالم.

وكانت إسرائيل تدرك جيدًا وقوع المجازر في إقليم بيافرا، وتدعم الإقليم الانفصالي، وساهمت في الجهود الحربية للحكومة الفيدرالية، إذ تكشف البرقيات أن إسرائيل أعطت موافقتها للحكومة النيجيرية على استخدام سفينة تجارية إسرائيلية لتوصيل الأسلحة والجنود إلى منطقة الحرب في بيافرا. وتم الأمر، بناءً على عملية مساهمة وهمية للسفينة، فيما عمل طاقم الخارجية الإسرائيلية في نيجيريا على إقناع الطاقم الإسرائيلي بقيادة السفينة نحو الإقليم، التي وصلت إلى وجهتها وعلى متنها 750 جنديًا مسلحًا ووقودًا وقنابل ومتفجرات وأسلحة وذخائر خفيفة وشاحنات و150 بقرة.

خلال سنوات الحرب، كانت دولة الاحتلال تنفي تقديم أي مساعدة عسكرية لأي طرف بالحرب، مع مزاعم بأن الدول العربية هي من تنشر هذه الأخبار، وبالأخص إرسال المساعدة العسكرية للإقليم الانفصالي، من أجل الإضرار بعلاقات إسرائيل في الحكومة الفيدرالية

يستمر المقال في استعراض "لعبة إسرائيل المزدوجة"، مشيرًا إلى أنه في 9 تموز/ يوليو 1968، وصلت شحنة من قذائف الهاون الإسرائيلية عيار 81 ملم إلى ميناء لاغوس من إسرائيل على متن سفينة إسرائيلية. وفي اليوم التالي، نشرت وزارة الخارجية الإسرائيلية بيانًا استنكرت فيه "المعاناة الإنسانية التي لا يمكن تصورها، والتي تعاني منها شرائح من السكان في شرق نيجيريا"، وبعد أربعة أيام، أي في 15 يوليو/تموز، قررت إسرائيل رسميًا إرسال 500 كيلوغرام من البسكويت إلى بيافرا. وتعقب "هآرتس" على ذلك بالقول: "لقد كان ذلك جزءًا من سلسلة شحنات المواد الغذائية التي نقلتها إسرائيل إلى بيافرا، والتي، وفقًا لاتصالات داخلية مكثفة، لم تنبع من مخاوف أخلاقية ولكن استجابة للضغوط السياسية الشديدة داخل إسرائيل".

وبالإضافة إلى السفينة الإسرائيلية التي كانت تنقل الجنود والأسلحة إلى منطقة الحرب وبيع قذائف الهاون، باعت إسرائيل خلال الحرب أيضًا سيارات جيب ومعدات اتصالات لكلا الجانبين.