30-يناير-2017

المسنون يعانون في لبنان من التهميش الحكومي (جوزيف عيد/أ.ف.ب)

لن يكون في المحصلة قانون "إفادة المضمونين المتقاعدين" من تقديمات الضمان الصحي إلا إمعانًا في الضياع الحكومي في لبنان. إذ يخضع هذا الإقرار، الذي جاء متأخرًا، في حالته اللبنانية، عبر البرلمان، لمعايير تبدو أنها تخفي تهميشًا إضافيًا لأكثر الفئات الاجتماعية مظلومية. وبالتالي سيكون ضمانًا غير متاح لجميع المسنين والمتقاعدين. ففي لبنان، تعجز الدولة عن تقديم أبسط حقوق مواطنيها، لا سيما الذين عملوا لسنوات طويلة في مجالات عدة ووجدوا أنفسهم بلا معيل أو دولة تقف إلى جانب تعثراتهم وتساعدهم على الأقل في طباباتهم، التي هي حق أعلى من حقوق المواطن العادي. إلا أنهم صاروا أكثر الفئات تهميشًا في دولة تسمح لنفسها بالمماطلة والإهمال، لا بل يموت أفرادها أمام المستشفيات بسبب انتشار الفساد وقلة المحاسبة والرقابة الحكومية.

أقر البرلمان اللبناني قانونًا يفيد المضمونين المتقاعدين من تقديمات الضمان الاجتماعي

وفي الجلسة التشريعية، أقر البرلمان هذا القانون، الذي يوسع بعض الشيء من مظلة التقديمات الاجتماعية، إلا أنه أيضًا يضمر عجز الدولة عن إقرار نظام موحد للتغطية الصحية الشاملة لجميع اللبنانيين المقيمين. فالقانون بطبيعة الحال مجتزأ ويسمح بالمزيد من التشرذم في نظرة الدولة إلى "نظام ضامن" للمواطنين.

وجاء تمرير القانون، بعد قرار اتخذته وزارة الصحّة لتقديم تغطية صحية بنسبة 100% من الكلفة لمن هم فوق الـ64 وغير مشمولين بأي أنظمة الضمان القائمة. هذه الخطوات المتتالية تكرّس تعدّدية الصناديق الضامنة، فيما المطلوب توحيدها. وهي تصب في خانة استبعاد مشروع التغطية الصحية الشاملة وإقرار ضمان الشيخوخة.

اقرأ/ي أيضًا: موسم الصيد العشوائي في لبنان.. أين القانون؟

القانون الجديد يفيد المضمونين الذين هم بأمسّ الحاجة إلى الضمان الصحّي بعد بلوغهم سنّ التقاعد، إلا أنه "ناقص"، لا يخدم إلا القلّة القليلة من الأجراء المصرّح عنهم للضمان. بحسب الإحصاءات الصادرة عن الصندوق، فإن عدد المنتسبين إلى الضمان الاجتماعي لا يتجاوز 460 ألف موظف وأجير وسائق عمومي.

ويبدو أن الشرط الأساسي لإفادة المضمونين المتقاعدين من الضمان الصحي بعد التقاعد، هو أن "يكون المضمون قد بلغ السن القانونية للتقاعد (60-64 مكتملة) وتخلّى عن العمل المأجور، أو أن يكون قد أصيب بعجز كلّي أو دائم يخفض قدرته على الكسب بنسبة الثلثين على الأقل". كذلك من الشروط ألّا يكون المستفيد منتسبًا إلى نظام تغطية صحية آخر، "وأن تكون له مدّة اشتراك فعلي في فرع ضمان المرض والأمومة لمدة لا تقلّ عن عشرين سنة، وأن يكون مقيمًا على الأراضي اللبنانية".

تخضع الصناديق الاجتماعية في لبنان إلى نفوذ السياسيين ومحاصصتهم ولا تصل التقديمات إلى كل المواطنين

اللافت في التجربة اللبنانية، أن هذه القوانين تسمح وزاريًا وبالشكل التنفيذي بفتح صناديق رعائية أو ضمان اجتماعي، تمكن الزعامات السياسية من وضع اليد عليها والتحكم بالمستفيدين بها، أي أن هذه القوانين في بلد فاسد مثل لبنان، تذهب بالربح إلى الزعامات النافذة. فتستطيع من خلال هذه الصناديق المدفوعة من الدولة ومن أموال الأجراء، أن توسع نفوذ السياسيين بما لديهم من سلطة في توزيع الحصص والمراكز، والنماذج كثيرة ومتنوعة وفي أكثر من مجال وصندوق تعاضدي أو مركز رسمي.

فالعام الماضي، أخذت وزارة الصحة اللبنانية قرارًا بتوسيع تقديماتها لتشمل تغطية بنسبة 100% لمن هم فوق الـ 64 عامًا. وقد استفاد من هذا النظام نحو 35 ألف مسنّ في خلال فترة أشهر. مشكلة هذا المشهد مشابهة لما حصل بالنسبة إلى ضمان المتقاعدين، فهو أيضًا مشروع فئوي لا يشمل الجميع، إذ إنه إلى جانب الضمان ووزارة الصحة العامة، هناك صناديق ضامنة أخرى هي: تعاونية موظفي الدولة، الجيش، قوى الأمن الداخلي، الأمن العام، أمن الدولة. كذلك هناك صناديق التعاضد المنتشرة، وشركات التأمين... كل هؤلاء لا يغطّون أكثر من 50% من اللبنانيين، وهذا ما يجعل قانون ضمان المتقاعدين قانونًا فئويًا.

اقرأ/ي أيضًا:

تعذيب المثليين في سجون لبنان: انتهاكات برسم الدولة

الفساد يلاحق المواطنين إلى قبورهم في لبنان