07-يناير-2017

الحق في الطبابة يكفله القانون اللبناني الذي لا يطبق (جوزيف عيد/أ.ف.ب)

يتحول عمل المستشفيات في لبنان إلى فضيحة. ليس فقط الأداء الوظيفي، وما يحكمه أحيانًا من إهمال، بل أيضًا غياب أي إنسانية لدى إداراتها. فموت طفل رضيع أمام باب مستشفى أصبح أمرًا عاديًا في بلد يتغنى بالخدمة العامة والحريات والديمقراطية والمساواة بين المواطنين. وتفتح قضية الطفل محمد بركات، الذي كاد يموت منذ يومين، ملفًا شائكًا ولا تزال الدولة غائبة عنه ولا تفرض أي قوانين "مستعجلة" وأوامر نافذة تجبر المستشفيات بعلاج الرضع فورًا، منعًا لتعريضهم لخطر الموت أو تأزم أوضاعهم الصحية.

يموت الأطفال الرُضع في لبنان أمام المستشفيات بسبب جشعها وعدم تأمين أسرة لعلاجهم

فمحمد، الذي لا يتعدى عمره الشهر، رفضت استقباله 10 مستشفيات، فقط لأنه "مضمون" على اسم والده. وهو ما زاد من حالته سوءًا فامتلأ دمه بالتهابات كادت تودي بحياته. وكانت حجج المستشفيات بعد أن عرفوا أن بوليصة الضمان، لا توفر كل عائدات "فاتورة" الاستشفاء، التي تصل بحدها الأدنى في لبنان "الفاسد"، إلى مليون ليرة، أي ما يقدر بـ750 دولارًا أمريكيًا، وهو قد يشمل فقط إجراءات التطبيب وإشغال غرفة لساعتين. وحجة المستشفيات واهية، يتم استخدامها أمام الأهل لمنعهم من إدخال مرضاهم. وهو ما أوقع العشرات ضحايا أمام المستشفيات، فقط لأن من أقسم بأن يخدم الإنسان دومًا في صحته، أكله الجشع.

اقرأ/ي: الفساد يلاحق المواطنين إلى قبورهم في لبنان

وفي التفاصيل، أن والد الطفل محمد، قضى 8 ساعات متنقلًا من مستشفى إلى آخر. بدءًا من مستشفى السان تيريز، الذي عاين طفله ولم يستقبله، واعدًا إياه بالحديث مع مستشفيات أخرى، وصولًا إلى مستشفى السان جورج، التي قالت إنها لا تستقبل أطفالًا بهذا العمر، بعدها "الجامعة الأمريكية"، التي لم تستقبله بعدما عرفت أنه "مضمون"، أي أنه لا يملك بطاقة صحية خاصة، بل اسمه مدرج على لوائح الضمان الاجتماعي.

وحاول بهاء (والد الطفل) الاتصال بمستشفى "أوتيل ديو" بلا جدوى، إلى مستشفى "كليمنصو"، ومستشفى الروم، إلى أن عادت مستشفى "سان تيريز" واتصلت به طالبة على الأقل 500 ألف ليرة، لتأمين "تخت" من ثم اقتسام الكلفة الباقية من الضمان.

حكاية الطفل محمد، مشابهة لحالات كثيرة، لكن بعضها انتهى بشكل مأساوي، وأبرز هذه الحالات موت مؤمن المحمد وإنعام ربيع وعبد الرؤوف الخولي، وغيرهم من الرضع، الذين لم تؤد التحقيقات التي وضعت بحوزة وزارة الصحة إلى أي شيء. ولا يزال التساهل بحياة الأطفال في لبنان يوميًا من دون حساب أو رقيب. فالحق بالصحة والطبابة لا وجود له في دولة المؤسسات، التي لا تحرك ساكنًا أمام طمع المستشفيات. والسؤال الكبير، الذي يطرح نفسه، هل يجوز في لبنان أن يستمر موت الإنسان على أبواب المستشفيات بسبب الفقر وعدم القدرة على دفع المال المسبق لصندوق المستشفى، أم أن الوقت قد حان لتشديد الرقابة والمساءلة والمحاسبة بحق كل مقصر أو مرتكب دخيل على مهنة الطب؟.

اقرأ/ي أيضًا:

لبنان والبطالة.. هل من حل في الأفق؟

هل صحافة بيروت في موت غير معلن؟