04-أكتوبر-2022
لوحة لـ خوان ميرور/ إسبانيا

لوحة لـ خوان ميرور/ إسبانيا

كتبتُ رسائلَ كثيرة،

تركتُ بعضها على حجرٍ يركل حجرًا

وبعضها على ظهرِ الذاكرة

كتبتُ لأمي عمّا تبقى من كأسِ الحليبِ

وعن بقيةِ الماء من عينيها حين أبتعد،

كتبتُ لأبي،

كيف تصبحُ صدىً عائدًا من كل شيء نردده بلا خوف؟

كتبتُ لأختي

لأخي،

كتبتُ للطفلةِ التي سحبَت فستاني واختبأت خلفي،

كتبتُ لشابٍ أوقفُه العمر وألقى به من السماء

كتبتُ لطفلي الذي سيحملُ اسم أبيه والذي لا يعلم شيئًا سوى أنه سيحاول

ولطفلتي التي ستكسرُ "الجرةَ" آلاف المراتِ لتحملَ ملامحي وتحملني،

كتبتُ للبحرِ

للجبل

كتبتُ للموسيقى

للأغاني

للسببِ الأول وللنتيجةِ

كتبتُ للجيرانِ كثيرًا

للإزعاج

وللصوتِ

كتبتُ للعابرين للقادمين،

للذين لا يعرفون وللذين عرفُوا ثم غادروا

كتبتُ لي مراتٍ كثيرة

وحين شعرتُ أنني وحيدةٌ في الغابةِ أشعلت الرسائلَ تحت شجرة

وألقيتُ إصبعي في النار

وجلست قربها أنتظر

الدفء والنور.

*

 

كانت العودةُ منك أمرًا متعبًا

أشبه بأنْ أقفَ في المنتصف

أمامي مقبرة تمتلئ بجثثٍ أعرفها

وجثث أشتمّها فقط

وذئب يعوي كلما التفتُ إلى الوراءِ،

كانت العودة منك مخيفةً

وكأنني اقرأ اسمك بين الجثث ولا أبكي.

*

 

جسدي ورقة فارغة،

عرفتُ رجلًا حاول الرسم لكنه نسي الألوان في درجٍ قديم،

نسي كيف يلون الرجل جسدًا لامرأة تحبه بلا ألوان!

عرفتُ رجلًا كان يخاف النساء كثيرًا ويخاف الحلم مع امرأة تضيع الحلم كل خطوة

عرفتُ رجلًا رتّب أيامه على جسدي وأتلفَ ذاكرته بعدها،

حتى عندما التقيتُه العام الماضي قال:

ما هذه الضرباتُ العشرون على ظهرك؟

ناسيًا أنه ألقاها بحذر.

جسدي شارعٌ فارغٌ

يخلو من الدعساتِ

يخلو من الصباحات والمساءات

يخلو من ضوءِ القمر

ومن عاشقٍ ينتظر فتاتَه خلف الجدار ليقبلَها على صدرها،

جسدي شارع فارغٌ

لا سيارات وأصوات للأطفالِ تركضُ وتختبئ

يخلو من أحاديث النساء

وتمتماتِ الفتيات على شرفاتهنّ

يخلو من غضب الرجال

ومن تعبهم ومن رائحة العرق فوق جباههم

يخلو من عجوزٍ وعمرٍ

جسدي غرفةٌ مظلمة

وعندما أحببتُك

أيقظني صوتُك وصرت كلما سمعتُك

أفتحُ النافذةَ على الغرفةِ لأصير امرأة تدخلها الشمس.

دلالات: