17-يناير-2018

لا يحتاج الأذكياء لأن يقولوا ذلك عن أنفسهم (Getty)

عاش كاتب هذا المقال تجارب عدة، في إطار عمله، والتقى بعديد الموهوبين حول العالم، لذلك يلفت نظرنا من خلال هذا المقال، المترجم من "ذي أتلانتك"، إلى ثلاث صفات للأشخاص الأذكياء، والتي لا تتوفر على الأغلب في مدعي الذكاء الأبرز في العالم، دونالد ترامب.


لم ألتق من قبل ولم أُجر مقابلة مع دونالد ترامب، ولكن شأني شأن الغالبية العظمى من العالم، لاحظت بشكل واضح إسهابه في التعبير عن آرائه، وأسلوبه في التعبير عن وجهة نظره. وبالتالي لا أستطيع شخصيًا الجزم بأن تعبيره عن رأيه أو قدرته على التواصل، أو درجات معانيه ترتبط بأي شكل من أشكال الذكاء العاطفي والتحليلي.

إلا أنني أتيحت لي الفرصة على مر السنين للقاء ومقابلة عدد كبير من الناس الذين ينظرون إلى العالم كما ينظر ترامب إلى نفسه: "أنا ذكي حقًا وعبقري" (شاهد تغريداته بالأسفل).

لا أحد من الأذكياء يقول عن نفسه ذلك إلا في استثناءات قليلة وكلهم يعلمون جيدًا ذكاءهم

قضيت ذات مرة عدة أسابيع في إجراء عدد من المقابلات لصالح مجلة، مع رجل فاز بجائزة نوبل في الطب، بينما كان لا يزال في الأربعينات من عمره. وبالعودة إلى أيام دراستي، وزع علينا أستاذ الأحياء في إحدى الأيام في فترة ما بعد الظهيرة أكوابًا مليئة بالشمبانيا قبل بدء محاضرة اليوم، لعلمه للتو بفوزه بجائزة نوبل.

اقرأ/ي أيضًا: 7 حقائق مذهلة عن ستيفن هوكينغ

وعلى مر العقود من العمل في الكتابة في مجال التكنولوجيا، قابلت أشخاصًا مثل غيتس، وجوبز، وماسك، وبايج، أصبحت أسماؤهم تعبر عن أنماطهم الخاصة من العبقرية، بالإضافة إلى العديد من الفائزين بجوائز نوبل، وغيرهم من الأشخاص غير المشهورين، لكنهم يستحقون بالفعل أن يعرفهم العالم.

خلال فترة عملي الوجيزة في إحدى شركات التكنولوجيا، عرفت أن بعض المهندسين والمبرمجين كان يُنظر إليهم أنهم يعملون على مستوى مختلف فحسب؛ فقد كانت شفرة البرمجة التي يكتبونها، أفضل وأقوى وأكثر تميزًا مما يكتبه الآخرون، وكانوا يستطيعون كتابة ذلك بسرعة أكبر بكثير.

وقد أُتيحت لي الفرصة لإجراء المقابلات، والمساعدة في اختيار الفائزين بمنح دراسية رائعة. فقد أجريت مقابلة مؤخرًا في شنغهاي مع امرأة صينية في أوائل العشرينات من عمرها، والتي أصبحت بطلة العالم في الشطرنج في سن السادسة عشر، وتحدثنا معًا بالإنجليزية.

لو قدمت تقريرًا طويلًا بما فيه الكفاية عن السياسة والحياة العامة، فسوف أجد هناك أمثلةً كثيرةً على الذكاء الاستراتيجي والتحليلي والتفاوضي الاستثنائي، جنبًا إلى جنب مع الكثير من الحماقة. باختصار، وكما قالها لويد بنتسن ذات مرة: "لقد عرفت بعض الأشخاص الأذكياء جدًا. فقد كان لي بعض الأصدقاء الأذكياء جدًا. ودونالد ترامب..".

اقرأ/ي أيضًا: 4 أنواع لشخصيات رياديين ناجحين

إليكم 3 صفات خلصت إليها من خلال مساري الطويل من الاجتماعات والمقابلات مع أشخاص ليس ثمة اختلاف على ذكائهم:

1. كلهم يعلمون ذلك. حياة من الطمأنينة، وموازنة بين سهولة تعاملهم مع التحديات الفكرية، سواء كان في مباراة شطرنج، أو في فصل دراسي، أو في ساحة النقاش، أو في الكتابة، مع جهود من الأشخاص الآخرين لإعطائهم الرسالة.

2. لا يوجد أحد منهم تقريبًا في حاجة لأن يقول ذلك. هناك عدد قليل من الاستثناءات التي تبرز من هؤلاء الأشخاص الموهوبين الذين يعبرون بطريقتهم وبشكل مزعج عن هذه الحقيقة. محمد علي هو الاستثناء الجامح الساحر الذي يعبر عن هذا النمط، فقد قال إنه كان الأعظم، وكان كذلك بالفعل. ولكن العظمة لا تحتاج قول ذلك. فسوف يكون الأمر أشبه بروجر فيدرير وهو يقدم نفسه قائلًا "كما تعلمون، أنا رشيق جدًا وموهوب". أو كأن تسأل ميريل ستريب "هل رأيت جائزتي؟".

3. يدركون حدود معرفتهم. هذه النقطة بالنسبة لي هي أكبر إشارة على الاتساق مع الذكاء الحقيقي. فكلما ازدادت قدرة شخص ما على الفهم والتقييم، ازداد احتمال إدراك هذا الشخص لحدوده. ويتضمن ذلك، التفاوت في مقدار أي موهبة من مواهب الإنسان، سواء في بعض مواطن الضعف المعروفة: مثل الارتباك الاجتماعي، أو انعدام الحس الموسيقي، أو القوة في الأرقام أكثر من الكلمات، وما إلى ذلك.

يُدرك الأذكياء عادة حدود معرفتهم ونقاط ضعفهم وكما يقال" أوضح دليل على الذكاء هو إدراك حدود المرء وما يخرج عن نطاق معرفته"

إن القراءة الجادة للكتب، ما هي إلا الإدراك بعدد الكتب التي ستظل خارج نطاق معرفتك. فالأمر أشبه بالنظر في السماء المليئة بالنجوم. يمكننا أن نفكر في الاستثناءات، وذلك بالنسبة للأشخاص الذين برزوا في أحد المجالات، ويحاولون الدخول في مجال آخر بشكل يفتقد الحكمة (كالعلماء أو الفنانين المشهورين الذين أصبحوا خبراء اعتياديين، مثل مايكل جوردان، أسطورة كرة السلة، الذي أصبح لاعبًا في دوري كرة القاعدة). ولكن بشكل عام، تظل هذه العبارة صحيحة، فأوضح دليل على الذكاء، أو حتى "العبقرية"، هو إدراك حدود المرء وما يخرج عن نطاق معرفته.

على الجانب الآخر، هناك ما يُعرف بتأثير دانينغ-كروغر، وهو أنه كلما ازدادت محدودية الشخص في الواقع، ازداد اعتقاده بضخامة الموهبة التي يتمتع بها. أو كما وضع ديفيد دانينغ، وجاستين كروغر عنوان مقالهم في إحدى المجلات العلمية: "غير موهوبين ولا يدركون ذلك: كيف تؤدي صعوبة اعتراف الشخص بعدم كفائته إلى التضخم في تقدير الذات".

الأكثر غرابة في الأمر، أن المثل الأكثر وضوحًا في العالم لخطر عدم الإدراك هذا، وعلى الرغم من الادعاء بإلمامه لكل شيء، لا يعترف بهذا المصطلح، ولا بمضامينه السيئة في حالته الشخصية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الطفل المعجزة جاكوب بارنيت.. من التوحّد إلى العبقرية

5 شباب أردنيين حققوا إنجازات عالمية في 2016