14-أبريل-2020

خالد الشرادي/ المغرب

يعيش العالم اليوم تجربة قاسية من جميع نواحي الحياة المختلفة، وقد تضررت الدول أجمع بشكل كبير من جراء هذه الأزمة أو الوباء الذي يجتاح تقريبًا كل المعمورة، بحيث إن الاقتصادات الكبرى والمؤسسات العالمية أصبحت ترضخ لما يمليه عليها هذا الوباء المتفشي بشكل مفزع ومقلق، ولقد عرفت في الأشهر القليلة الماضية عملية غلق واسعة لجميع المعابر والحدود الدولية، وانهارت المنظومات الطبية والصحية في الكثير من دول العالم، لعدم استطاعة هذه القطاعات تحمل العدد المهول من الإصابات بهذا الفايروس المستجد والمكنى بفيروس كورونا (كوفيد 19).

بالرغم من خطورة هذه الجائحة، إلّا أنها خلق حالة من الوعي لذى الأفراد داخل المجتمعات

تسابقت الدول المتقدمة مخبريًا في التوصل لعلاج أو لقاح لهذا المرض القاتل، والذي قد يستغرق بحسب إحصائيات صادرة عن معاهد بحوث مرموقة أكثر من 18 شهرًا، وفي خضم هذا الانتظار يعيش العالم اليوم حالة من الفزع والهلع المرتبطين بمدى قرب إصابة الأشخاص بهذا الفايروس، والتحرك بسهولة وسيولة داخل أجسامنا، فالكل ينتظر معركته مع هذا المرض إما بالانتصار عليه، أو الهزيمة أمامه.

اقرأ/ي أيضًا: كائنات نابلس التي لا تحتمل خفتها

بالرغم من خطورة هذه الجائحة التي تحذر منها منظمة الصحة العالمية في كل فرصة سانحة، إلّا أن هذا الوباء خلق حالة من الوعي لذى الأفراد داخل المجتمعات، على الكثير من الأصعدة المختلفة، بما فيها التعرف على القواعد الصحية والطبية اللازمة اتبعها عند تفشي هكذا أمراض في المجتمعات، بالإضافة إلى المعلومات التاريخية حول طبيعة الأوبئة التي اجتاحت العالم في القرنين الماضيين، وكيف تعاملت معها الحكومات في تلك الفترة، زيادة على ذلك الامتثال لقواعد السلامة والاحتراز التي أقرتها المنظمات الصحة العالمية، والحكومات والجهات المدنية المختلفة كالحجر الصحي، والاهتمام بالنظافة الشخصية كعملية غسل اليدين المتكررة، والابتعاد عن المصافحة والتقبيل، واتباع فلسفة التباعد الاجتماعي والفيزيائي لتقليل فرص الإصابة والعدوى من هذا المرض، رغم كل هذه السيرورة الطويلة من الإرشادات الصحية التي يتعامل معها البشر اليوم على أنها من البديهيات، تشكل وعي آخر مهم وضروري، يرتبط أكثير بعملية التغيير التي يجب أن تحصل في كل مجتمع مهما إختلفت درجة تطوره وتقدمه، فعملية التغيير قد تحصل نتيجة العديد من المتغيرات التي يمر بها المجتمع مثل (الحروب، التكنولوجيا، التلوث، الأمراض... إلخ)، ولذلك وجب التنوية بأن مرحلة فيروس كورونا من المتغيرات التي قد تعيد بناء وتشكيل العالم وفق خارطة جديدة تختلف كليًّا عن ما كان سائدًا في العقود الأخيرة، وتعيد إحياء حضارات لتتسلم المشعل وقيادة العالم اليوم، بحيث سنقوم بتحديد الرزنامة التاريخية بالقول؛ الحدث قبل كورونا والحدث بعد كورونا.

الوعي بخطورة الوباء قد يفضي إلى نزعة عقلانية جديدة، تتعامل مع الوضع كأنه طريق مسدود لانتهاء البشرية والعالم، وعلى سبيل المثال لا الحصر، عند ظهور كورونا في جمهورية الصين الشعبية، حاول الكثير في مجتمعاتنا تبرير هذا الوباء على أنه عقاب إلهي لما كان يحدث لمسلمي الأيغور من قبل الحكومة الصينية، ولكن بعد مرور أشهر قليلة ووصول هذا الوباء إلى المنطقة العربية، تحولت هذه النظرة أو تلاشت تلقائيًا، وأصبح التعامل مع الوضعية أكثر حذرًا بعيدًا عن التأويلات الماورائية، والتي أنتجت عقمًا خادعًا للفرد العربي المحلي، فضرورة التحلي بقيم العلم والثقافة ضرورية في هذه المرحلة الحساسة والصعبة في تاريخ الإنسانية أجمع، فالتعلق والتشدد بالأمور الأخروية على سبيل تحقيق والضفر في الدنيا أمر يجب إعادة مراجعته في منظومتنا الفكرية بالمطلق، فاليوم يعيش الفرد في منطقتنا المحلية اختبارًا صعبًا جدًا، قد يتبين فيها الكثير من المعطيات و يتحدد من خلاله سلم أولوياتنا، ومكانتنا في الجوار والعالم أجمع، فالمعاهد والمخابر وإنتاج المعرفة هو السبيل الوحيد اليوم للخروج من هذا المأزق الذي وضعنا أنفسنا فيه، قد تتبدد اليوم الرؤية؛ وتتضح غدًا بشأن من هو أكثر حكمة في التعامل مع الأزمات وكيفية إداراته.

الأزمة اليوم حقيقة، عالمية واسعة، ولكنها تعني كل شخص فينا، فمصائرنا بأيدينا، وطرائق الخروج من هذه المعضلة نحن من نصنعها

الأزمة اليوم حقيقة، عالمية واسعة، ولكنها تعني كل شخص فينا، فمصائرنا بأيدينا، وطرائق الخروج من هذه المعضلة نحن من نصنعها، فلا بد لنا جميعًا من التحلي بأخلاق العلم وما ينص عليه العلم، لأن الإنسانية أهم بكثير من المعتقدات الشخصية والاعتناقات الفردية، والاثنيات والعرقيات.

اقرأ/ي أيضًا: العمى و"كورونا" والفقر.. رسائل الخوف

للحظات سنفقد كل شيء، وللحظات أخرى بإمكاننا الإبقاء على كل شيء، الوعي والذهنية القويمة في هذه الأثناء هي المخرج الوحيد لنا، فعلينا التشبث بها الآن، ومستقبلًا بكل تأكيد.

 

اقرأ/ي أيضًا:

حجر سيناء الأبدي

الإشهار في الحجر.. هل يستعيد الإنسان نفسه؟