09-أبريل-2020

قوات مصرية في سيناء (أ.ف.ب)

في 31 تشرين الأول/أكتوبر من عام 1968، اجتمع مندوبو وكالات الأنباء العالمية وممثلون عن حكومات ومنظمات دولية في مدينة الحسنة بوسط سيناء بناءً على دعوة من حكومة إسرائيل التي كانت تحتل سيناء في ذلك الوقت، وذلك لتلقف مطالبة أهل سيناء بالاستقلال عن الدولة المصرية وإعلان دولة سيناء المستقلة وفق اتفاق تم بين مشايخ سيناء ووزير الحرب الإسرائيلي موشي ديان، الذي أرسل رسالة لتلك الوفود مفادها "الإعلان عن مفاجأة وضربة قاصمة لمصر".

بينما يعيش العالم في لحظات خوف ورعب من فيروس كورونا المميت، هل ينظر النظام المصري إلى أهالي سيناء نظرة أخرى؟ هل يمكن أن يرى فيهم بشرًا يستحقون الحياة الكريمة؟

وعندما بدأ المؤتمر وقف الشيخ سالم الهرش شيخ مشايخ قبائل سيناء وزعيم قبيلة البياضة ممثلًا عن قبائل سيناء، وخفقت قلوب قيادات إسرائيل للحدث الهام الذي سيقصم ظهور المصريين بانفصال ثُلث أرضهم وشرعنة الاحتلال لسيناء، وضياع أرواح ودماء آلاف الجنود والضباط الذين استشهدوا على أرضها، ونظر الشيخ إلى باقي مشايخ قبائل سيناء وقال لهم "أترضون بما أقول؟ فقالوا نعم. فقال إن سيناء مصرية وقطعة من مصر ولا نرضى بديلًا عن مصر وما هؤلاء إلا احتلال ونرفض التدويل وأمر سيناء في يد مصر. سيناء مصرية مائة في المائة ولا نملك فيها شبرًا واحدًا يمكننا التفريط فيه".

اقرأ/ي أيضًا: سيناء..الأسئلة المحرمة

قبل هذا اليوم بشهور التقى وزير الحرب الإسرائيلي مشايخ وقيادات قبائل سيناء، وأغدق عليهم من الهدايا والمعونات، ووعدهم بمستقبل واعد ودولة مستقلة ستحظى بدعم ومساعدة إسرائيل، ووعدهم بأن يكونوا هم قيادات هذه الدولة وبنعيم كبير سيشملهم مقابل الإعلان عن استقلالهم عن مصر، وطلب هؤلاء المشايخ مهلة للتفكير.

 وبالفعل رصدت مصر تحركات إسرائيلية دولية لحشد دعم قوى عظمى وحلفائها حول العالم للاعتراف بدولة سيناء المستقلة، وبهذا يسقط حق مصر في استردادها، ومن خلال أحد الضباط من أهل سيناء تم الاتفاق مع المشايخ على مجاراة إسرائيل حتى يوم المؤتمر الذي وجه فيه أهل سيناء صفعة مدوية للاحتلال الإسرائيلي، والتي لم تكن الأولى ولا الأخيرة، وإنما تضحيات وبطولات أهل سيناء محفورة في التاريخ لمن يريد أن يتبينها، إلا أن كل هذه البطولات لم تشفع لهم عند النظام الحاكم الذي فتك بهم فتكًا لم يرِ أحد في مصر مثله.

وبينما بلغ منّا الغضب والاحتقان مبلغًا عظيمًا بعد أسبوعين تقريبًا من الحجر المنزلي فإن أهالي سيناء في حجرهم منذ سنوات طويلة. نحن جميعًا الآن محبوسون في بيوتنا بسبب فيروس، لكن أغلبنا يتمتع باتصالات وإنترنت ومنتجات وخدمات تهون قليلًا من أثر هذا الحجر الخانق، بينما أهل سيناء يعيشون في بيوتهم لحظات رعب لا تنتهي منذ سنوات، فبين انقطاع الاتصالات الذي أصبح هو الوضع الطبيعي واستثناؤه هو عملها، وعمليات عسكرية وأصوات قذائف وطائرات، وتردي شديد في المعيشة من غذاء وماء وخدمات يعيش هؤلاء البشر.

عندما تتحدث إلى أحد من أهل سيناء لن تصدق تفصيلة واحدة من تفاصيل حياتهم اليومية جرّاء هذه الأوضاع الكارثية، فهنا قرى تم تهجيرها بالكامل ومن لم يهاجر تمت محاصرته حتى أكل أوراق الشجر، وهناك آلاف من المحبوسين اشتباهًا أو ضغطًا على آخرين لتسليم أنفسهم، وهذه منازل نالها قصف مدفعي أو تفجير إرهابي، وتلك مدارس ومستشفيات تم إغلاقها وحرمان أصحابها منها إما بسبب استخدامها عسكريًا أو استهدافها إرهابيًا، وغيره كثير من المآسي والأوجاع التي يصعب حصرها.

وبينما يعيش العالم في لحظات خوف ورعب من فيروس كورونا المميت، هل ينظر النظام المصري إلى أهالي سيناء نظرة أخرى؟ هل يمكن أن يرى فيهم بشرًا يستحقون الحياة الكريمة؟ هل يتوقف عن اعتبارهم جميعًا بأنهم ثلة من الخونة والعملاء لإسرائيل وحركة حماس وتنظيم داعش الإرهابي وغيرها من الاتهامات التي روجها الإعلام الأمني؟ هل تعيد مصر أهلها في سيناء إلى أحضانها وتنشر بينهم حب الوطن بالتنمية والإعمار بدلًا من نشر الرعب والخوف؟ ربما ينتهي الحجر الصحي الذي نعيشه جميعًا عندما يتوفر العلاج واللقاح الخاصين بالفيروس، فمتى ينتهي حجر أهل سيناء؟

 

اقرأ/ي أيضًا: 

سيناء..ذلك البؤس في الشمال