30-أغسطس-2020

صورة أرشيفية لطالب مغربي (راكيل ماريا كاربونول باغولا/Getty)

سادت حالة من الترقب أوساط المجتمع المغربي، خصوصًا لدى التلاميذ وعائلاتهم، حول ما إذا سيكون الدخول المدرسي للموسم القادم حضوريًا، أو عن بعدٍ كما فرضت ذلك الاحترازات الصحية للحد من تفشي وباء كورونا. حتى جاء الجواب في شكل بلاغ وزاري زاد تلكَ الحيرة، راميًا الكرة في ملعب أولياء الأمور، محملًا إياهم مسؤولية الاختيار لشكل تدريس أطفالهم. الأمرُ الذي استثار الرأي العام في ردود فعل متضاربة، وامتعاض عبّرَ عنه كلّ من أولياء الأمور وشغيلة القطاع التعليمي إزاء هذه القرارات. 

البلاغ الوزاري: الكرة في ملعب الأهل! 

فرضت الجائحة وضعًا مغايرًا للدخول المدرسي هذا الموسم، في هذا السياق يأتي بلاغ وزارة التربية والتعليم المغربية، المنشور بتاريخ 22 آب/ أغسطس الجاري، ليحسم في مصير عودة تلاميذ المغرب إلى فصولهم المدرسية، وكيفية هذه العودة عبر "مخطط لتدبير الموسم الدراسي، يتم تنزيله وفق تطور الحالة الوبائية بالبلاد"، وفق قول البلاغ.

لم تقدم وزارة التعليم المغربية إجابة حاسمة أو خطة نهائية بخصوص الموسم التعليمي الجديد في ظل جائحة كورونا

فيما يهتم المخطط  بنقطتين أساسيتين، أولهما تدبير الدخول المدرسي وثانيهما الامتحان الجهوي للأولى باكالوريا (السنة الثانية ثانوي) الذي تمّ تأجيله سابقًا لنفس السبب. فقررت الوزارة في أولهما " اعتمادَ التعليم عن بعد كصيغة تربوية في بداية الموسم، مع توفير التعليم الحضوري الذين سيعبّرُ أولياء أمورهم عن اختيار هذه الصيغة". كما تعهد البلاغ  بـ" تطبيق بروتوكول صارم يراعي احترام التدابير الوقائية والاحترازية التي وضعتها السلطات الصحية"، بما فيها إلزامية ارتداء الكمامة للتلاميذ بداية من الفصل الخامس ابتدائي فما فوق، وتقليص عدد التلاميذ في الأقسام الدراسية احترامًا للتباعد الجسدي، كتدابير ملزمة لأولئك الذين اختاروا الدراسة حضوريًا.

اقرأ/ي أيضًا: هكذا خذلت النقابات عمّال المغرب!

ولهؤلاء خصت الوزارة بلاغًا ثانيًا، أطلقت عبرهُ استمارة إلكترونية للتعبير عن اختيار الآباء لتعليم أبنائهم حضوريًا تقدم حتى أجل أقصاه الـ 3 من أيلول/ سبتمبر القادم. أما بالنسبة للامتحان الجهوي، فكان جواب الوزارة في بلاغها الأول عبارة جملة واحدة:" قد تقررَ تأجيله إلى وقت لاحق". 

الرغبة بتأجيلَ الدخول المدرسي!

"لن أبعثَ بأبنائي إلى المدرسة حتى تنتهي جائحة كورونا" هذا كان قرار حسام سالمي، طبيب ممارس في القطاع الخاص وأب لطفلين، أكبرهما سيدرس الموسم القادم في القسم الرابع ابتدائي. مضيفًا في حديثه لـ "ألترا صوت"، أن تصور وزارة التعليم المغربية لتدبير الدخول المدرسي هذا الموسم هو بمثابة "تمديد العطلة الصيفية لسنة أخرى"، مستهجنًا احتكار إلزامية ارتداء الكمامة على التلاميذ بداية من الفصل الخامس، ومعتبرًا في ذلك حرمانًا لابنه من متابعة الدراسة حضوريًا.

لهذه الأسباب التي عبّرَ عنها، مطلب حسام  السالمي هو "تأجيل الدخول المدرسي هذه السنة!". وهو مطلب ليس حكرًا عليه وحده، بل تتشاطرُه كذلك الهيئة الرسمية لأولياء الأمور، فيدرالية جمعيات آباء وأولياء التلاميذ، التي طالبت في بيان لها بـ "تأجيل الدخول المدرسي في انتظار إيجاد نموذج تعليمي يحافظ على سلامة التلامذة ويحترم مبدأ تكافؤ الفرص". كما طالبت كذلك بـ "الإسراع بتحديد موعد الامتحان الجهوي تفاديًا للانعكاسات النفسية بسبب الضغط الذي يعاني منه التلاميذ". محتجة على قرارات وزارة التربية والتعليم المغربية، أعلنت فيدرالية جمعيات الآباء عن رفضها التام لما أسمته "الصيغة المبهمة" التي أصدرت بها الوزارة بلاغها، وكذا "رغبتها في تحميل المسؤولية كاملة للآباء في اختيار الصيغة المناسبة للدخول المدرسي الحالي". كما عبّرت الهيئة التربوية على "أسفها الشديد لعدم اعتماد الوزارة المقاربة التشاركية في اتخاذ هذا القرار"، واستثناء أباء وأولياء التلاميذ من معادلة صياغة هذه القرارات.

وزير التعليم متشبثًا بقراراته

دفعت هذه الانتقادات المكالة له من مختلف الفاعلين في العملية التربوية وزيرَ التعليم المغربي، سعيد أمزازي، إلى الخروج بما يفيدُ إصراره على تنفيذ ما قرّرَ سابقًا. كان ذلك أمامَ لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب، حيث أكّدَ أمزازي على أن " التعليم عن بعد وسيلة لإنقاذ الدخول المدرسي، والوزارة التي اتخذت القرار بشأنه مهيأة لجميع السيناريوهات”.

سيناريوهات يستثني منها الوزير المغربي تأجيلَ افتتاح الموسم الدراسي، ويؤكد أن "إشراك الأسر في اختيار النمط الذي تحبذه ليس تملصًا من المسؤولية، بل هو منح الحق للأسر في اتخاذ القرار". مشيرًا إلى أن تدبير الدخول المدرسي لن يتم مركزيًا، بل تحت السلطة التقريرية للمديرين الإقليميين والأكاديميات لاعتماد نمط التعليم المناسب الذي يأخذ خصوصية الوضعية الوبائية لكل منطقة.

كما رفض أمزازي أي دعوة لإلغاء الامتحان الجهوي، معتبرًا ذلك "ضرب في مصداقية شهادة البكالوريا". بالمقابل نفى أي معرفة له بتاريخ إجراء الامتحان قائلًا:" ليس لدينا فكرة عن تاريخ الامتحان وسيتم إخبار التلاميذ بتاريخه قبل شهرين أو ثلاثة أشهر من إجرائه"، معتبرًا أن هذا التأجيل سيكون "مفيدًا لهؤلاء التلاميذ، إذ ستكون لديهم فرصة تجويد وتطوير معارفهم ومهاراتهم في المواد التي سيجتازون فيها الامتحان، خلال متابعتهم لدراستهم في السنة الثانية بكالوريا". 

ارتجالية القرارات وضبابية البلاغ 

من جانب شغيلة قطاع التعليم، وعلى رأسهم الأساتذة، فقد عارضوا ما جاء به البلاغ، شكلًا ومضمونًا. هذا ما يوضحه عبد الوهاب السحيمي، أستاذ وعضو تنسيقية الأساتذة حاملي الشهادات، في حديث خصّ به "ألترا صوت"، استهلّه قائلًا:" بعد الضبابية التي خلقها  المقرر الوزاري قبلًا لتنظيم السنة الدراسية المقبلة، زادت وزارة التربية الوطنية الوضع غموضًا ولبسًا بإصدارها بلاغًا حمالًا لعدة أوجه ومليء بالتناقضات".  ويضيف السحيمي "ما جاء به البلاغ يؤكد أن مسؤولي الوزارة يدبرون القطاع  بارتجالية كبيرة، وأنهم لا يتوفرون على أي مخطط لتدبير السنة الدراسية المقبلة"، واضعًا بذلك نقاش المسألة  أمام مفارقات هذه القرارات: فإذا تم اختيار التعليم عن بعد "صحيح أن ما تفرضه هي طبيعة الحالة الوبائية الحالية، لكن الصيغة التي أتى بها تصطدم بعدم  توفير الوزارة للإمكانيات والأدوات الضرورية التي تمكننا من تجاوز كل المعيقات التي عرفتها هذه العملية التعليمية إثر تفعيلها طول السنة الماضية". أما إذا تم اختيار التعليم حضوريًا "فهذا يلزم الوزارة القيام بتعديلات مهمة، بدء باعتماد التفويج، واقتصار الدراسة على المواد الأساسية لكل شعبة، إضافة إلى تخفيض حجم البرامج المقررة".

اقرأ/ي أيضًا: تعرف إلى أول 10 جامعات في تصنيف شنغهاي لأفضل الجامعات للعام 2020

غير أن الوزارة لم تقم بهذا ولا ذاك، بل ألقت مسؤولية الاختيار على عاتق أهل الطلبة، وهذا ما يقرأ فيه السحيمي "أن الوزارة وقعت في تيه بين"  في التعامل مع "الإكراهات التنظيمية التي تتعلق بكيفية التعاطي مع رغبات الأسر، والتي قد تنقسم بين الراغبين في التعليم الحضوري والراغبين في التعليم عن بعد”. هذا دون إشراك الأستاذ في هذا القرار، ما يدفع المتحدّث للتساؤل:" كيف يمكن للأستاذ أن يزاوج بين الالتزام بالتعليم الحضوري مع جزء من التلاميذ ومتابعة التعليم عن بعد مع الآخرين؟ ثم ماذا لو فضلت معظم الأسر التعليم الحضوري، وهو الأمر المتوقع، فكيف يمكن تدبير ذلك مع ضمان شروط الصحة والسلامة؟"

ليخلص في ختام حديثه إلى أن "الوزارة تريد التنصل من المسؤولية وتضعها على عاتق الآباء والأمهات لا أكثر. يعني، في حالة حدوث أي بؤرة في مؤسسة معينة ستحمل الوزارة الوصية المسؤولية للآباء، بذريعة أنهم هم من فضّل التعليم الحضوري وبالتالي عليهم تحمل مسؤولياتهم". 

أسئلة في التعليم عن بعد! 

"التعليم عن بعد غير كافي، إن لم نقل غير مجدي، ولا يمكنه أن يعوض التعليم الحضوري" يوضح إبراهيم شنوف، أستاذ التعليم الابتدائي وأب لطفلتين، في حديثه لـ"ألترا صوت" مؤاخذته على التعليم عن بعد. كما ومن خلال تجربته داخلَ الأقسام الدراسية يضع الأصبع على إحدى أهم مفارقات هذه الصيغة التعليمية، التي حسبه "تغيب علاقات تلميذ/تلميذ، وعملية التعلم بالقرين"، الضرورية في نظره لإنجاح التعلم، ولا يمكن لها تقنيًا أن تكون إلا داخل الفصل الدراسي بوصفه "ورشة تفاعلية".

تواجه مسألة التعليم عن بعد تعقيدات كثيرة في حالة المغرب، منها التقني ومنها المعرفي

من جانبها تنفي لطيفة المخلوفي، أستاذة التعليم الثانوي وعضوة تنسيقية الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد، صفة الارتجالية عن البلاغ الوزاري المذكور، بل تقرأ فيه امتدادًا ممنهجًا لسياسات التقشف التي تنهجها الحكومة وضرب الخدمات الاجتماعية وخصخصتها. فـ"لو أردنا دخولًا مدرسيًا طبيعيًا، لكان لزامًا على الحكومة ضخ اعتمادات إضافية في ميزانية التعليم، والاستثمار في البنى التحتية الدراسية، الموارد البشرية للوزارة ووسائل الحماية الصحية للمتعلم وشغيلة القطاع" تقول المتحدثة في تصريح خصّت به " ألترا صوت"، مضيفة أن الحكومة بالمقابل "تهربت من هذا الأمر واستمرت في إجهازها على الخدمات الاجتماعية في مقدمتها قطاع التعليم، وما قدمته الوزارة الوصية من صيغة للدخول المدرسي يتسق وهذا التصور الحكومي العام".

"التعليم عن بعد تعبير صريح عن هذا المنطق" تسترسل المتحدثة، بما هو" يدخل ضمن التدابير التي تسعى من خلالها الحكومة إلى تفعيل مبدأ " الخدمة مقابل الأداء"، وسعيها إلى استغلال إنتاج الأستاذ وإبداعاته واجتهاداته لبيعها للتلاميذ عبر وضعها في هذه المنصات، وإلى تفعيل ما تسميه الترقية بالمردودية والأجر مقابل العمل، كما ستكون هذه الصيغة مبررًا لتقليص مناصب الشغل خصوصًا في السنوات المقبلة". وهذا " ليس وليد الظرفية الوبائية بل تم التشريع له قبلَ ذلك، ما يجعل هذه الظرفية فقط وسيلة تستغلها الوزارة لتنزيل هذه المقررات كأمر واقع" توضح المخلوفي.

بلغة الأرقام، جاءت حصيلة عملية التعليم عن بعد، التي فرضتها الاحترازات الصحية من جائحة كوفيد-19 خلال النصف الثاني من الموسم السابق، مخيبة  للآمال. فحسب مذكرة أصدرتها المندوبية السامية للتخطيط  فإن  83.5 % من التلاميذ المغاربة لم يتابعوا دروسهم عن بعد، 79.1 % منهم بالمجال الحضري و94.6 % بالمجال القروي. فيما تجلت أسباب هذه الحصيلة في عدم العلم بوجود قنوات مخصصة للتعليم عن بعد (43,7 %) وصعوبة متابعة الدروس بسبب صغر سن الأطفال (22,1 %) وعدم فعالية الدروس (10,7%) وعدم التوفر أو نقص في الأدوات الإلكترونية (5,5 %).

بهذا الخصوص ترى المخلوفي أن "التعليم عن بعد يكرس اللاعدالة المجالية والاجتماعية، بما أن المتعلمين في القرى والمناطق النائية هم الأقل حظًا في الولوج إلى وسائل التعليم هذه، وبالتالي هم محرومون من التحصيل العلمي"، لتلخص في ختام حديثها أن "الحكومة تتعامل مع القطاع بمنطق السوق، تقيسه بمعايير الربح والخسارة والعرض والطلب، أي ترى التعليم قيم تبادلية عوض حقيقته كقيمة استعمالية تكمن في الخدمة التي هي واجبة على الدولة تقديمها للشعب. وبالتالي فمسألة التعليم تدخل في هذا النطاق، أي في نطاق النظر إلى المدرسة على أنها مقاولة وللمعرفة على أنها سلعة تحتكرها القلة القادرة على دفع ثمنها". وبهذا يبقى من غير الواضح طبيعة المآل الذي ستسلكه العملية التعليمية في المغرب هذا الموسم الدراسي.

 

اقرأ/ي أيضًا: