12-يناير-2018

عدم استقلال النقابات هو أبرز مظاهر أزمة العمل النقابي في المغرب (يوسف بودلال/ رويترز)

تعد النقابات إحدى المكونات الأساسية في منظومة الحكم بالمجتمعات الحديثة، بوصفها هيئة مدنية ممثلة لحقوق ومصالح الطبقة العاملة.

النقابات في المغرب ليست إلا هياكل خاوية بلا تأثير في الدفاع عن مصالح الطبقة العاملة 

وإذا كانت الكتلة النقابية في بلاد الياسمين لها وزن ثقيل في رسم سياسات شؤون البلاد بما يخدم الطبقة العاملة، من خلال الدور القوي الذي يقوم به "الاتحاد العام التونسي للشغل" الحائز على جائزة نوبل للسلام سنة 2015، فإن النقابات في المغرب ما هي إلا هياكل خاوية ليس لها أي تأثير في الدفاع عن مصالح العمال، كما ظهر ذلك جليًا خلال الاحتجاجات المتوالية الأخيرة، حيث ظلت التجمعات النقابية غائبة تمامًا عن الدينامية المجتمعية.

اقرأ/ي أيضًا: المغرب.. الحوار الاجتماعي لم يحسم بعد!

نشأة النقابات في المغرب

ظهرت النقابات لأول مرة في بريطانيا وفرنسا مع أوائل القرن التاسع عشر، قبل أن تعم في باقي أرجاء أوروبا، وجاءت الحركة النقابية كرد فعل للصعود المدوي للرأسمالية بطريقتها الكلاسيكية، حيث بدأ مالكو وسائل الإنتاج يراكمون الثروات على ظهور عمال المصانع الذين كانوا يعيشون في ظروف مزرية، ما دعت الحاجة إلى كيانات منتظمة تدافع باستمرار عن مصالح الطبقة الشغيلة لتحقيق التوازن في المجتمع.

وفي سنة 1948 أقر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، بأنه "لكل شخص الحق في أن ينشئ وينضم إلى نقابات، حماية لمصلحته"، كما يرد في المادة 23، وبذلك أصبح تأسيس النقابات والانتماء إليها حقًا معترف به دوليًا، يسري في كافة بلدان المعمورة.

أما في المغرب فلم تبرز الطبقة العاملة، حسب العديد من الباحثين، إلا في عشرينات القرن الماضي إبان الحماية الاستعمارية، بعدما ظهرت التجمعات العمالية بالمدن ومراكز المناجم، كنتيجة للتحديث الصناعي الذي أدخله المستعمر إلى البلاد، ليظهر أول تشريع متعلق بالنقابات سنة 1936، إلا أنه كان مقتصرًا على الأفراد الأوروبيين فقط، إلى أن صدر، قبل عام من الاستقلال، "ظهير 12 شتنبر 1955 - قرار ملكي 12 أيلول/سبتمبر"، الذي سمح رسميًا للمغاربة لأول مرة بالانتماء النقابي، وهو ما فتح الباب على مصراعيه لظهور التجمعات النقابية المختلفة.

وتوجد اليوم في المغرب أكثر من 20 نقابة، لكن معظمها يتجسد بشكل صوري فقط بلا فاعلية حقيقية على أرض الواقع، وهناك ثلاث تجمعات نقابية هي الأكثر تمثيلية، وهي الاتحاد المغربي للشغل ويترأسه ميلودي مخارق، والكونفدرالية الديمقراطية للشغل التي يرأسها نوبير الأموي، والاتحاد العام للشغالين بالمغرب برئاسة محمد كافي الشراط.

سوسة السياسة تخترق النقابات

عدم استقلالية العمل النقابي عن القرار السياسي، هو أحد أبرز مظاهر أزمة العمل النقابي في المغرب، وهو السبب الذي جعل الموظف محمد الحسني، يأبى الدخول في تجمعات نقابية، كما صرّح لـ"ألترا صوت"، مفسرًا موقفه ذاك بقوله: "ليس هناك نقابات بالمعنى الحقيقي في المغرب، وإنما هي فقط ملحقات أحزاب سياسة، فكل حزب نقابته، التي تمارس العمل السياسي تحت غطاء نقابي".

وأضاف الحسني: "عندما تتحسن وضعية النقابات وتملك قرارها بعيدًا عن السلطة والأحزاب وبرجوازية البلد، آنذاك يمكنني الانضمام إلى النقابة ما دامت ستهدف في عملها إلى الدفاع عن مصالح الطبقة العاملة".

فبينما يملك حزب الاستقلال نقابة "الاتحاد العام للشغالين في المغرب"، تتبع نقابة "الفيدرالية الديمقراطية للشغل" حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، فيما يوظف حزب العدالة والتنمية ذراعه النقابي "الاتحاد الوطني للشغل"، وهكذا أسس كل حزب نقابته الخاصة، لتتحول النقابات في البلاد إلى هياكل مجتمعية تابعة للأحزاب السياسية، ما أفقد العمل النقابي مضمونه الأساسي، ككيان أنشئ أصلا للدفاع عن مصالح الطبقة الشغيلة ضد سياسات الحكومة وإجراءات الشركات.

نتج عن ذلك عزوفًا شديدًا عن الانخراط في العمل النقابي، خاصة من قبل الشباب. كما أن الاختراق السياسي للنقابات أدى إلى غياب الديمقراطية الداخلية، ما أفرز أُطرًا نقابية مسيسة غير جديرة بالدفاع عن حقوق العمال، بل في كثير من الأحيان ينتمي أعضاؤها إلى الأحزاب السياسية في نفس الوقت، كالشأن مع حميد شباط الذي كان يرأس نقابة "الاتحاد العام للشغالين في المغرب"، ثم أصبح أمينًا عامًا لحزب الاستقلال فيما بعد.

ومن جهة أخرى، انتبهت السلطة في المغرب مبكرًا إلى أهمية وخطورة العمل النقابي، فكما يقول الصحافي المغربي علي أنوزلا: "بادرت منذ فجر الاستقلال إلى تدجين النقابات الكبيرة وتشتيتها وشراء قياداتها، وفي حالات أخرى إلى اعتقال وقمع ومعارضة الرافضين للدخول في بيت طاعتها"، لتصبح الحركة النقابية المغربية في نهاية المطاف ضعيفة وفئوية، غير قادرة على تمثيل عمال المغرب والدفاع عن مصالحهم.

البرجوازية تكتسح حقوق العمال

أمام هزالة العمل النقابي في البلاد، وجدت الطبقة الكادحة نفسها تتلقى ضربات تلو الأخرى، تارة من قبل الحكومة التي يتواجد فيها الكثير من رجال الأعمال، وتارة أخرى من قبل أباطرة القطاع الخاص، حتى ضاق بها الحال وخرجت إلى الشارع للاحتجاج، دون أن تجد وسائط مؤسساتية تمثل مصالحها في الحوار مع السلطة، في غياب دور حقيقي للأحزاب السياسية والكتل النقابية التي باتت تفتقد إلى المصداقية.

فمن جهة، سنت الحكومة خلال السنوات الأخيرة عددًا من القرارات التي تعارض مصلحة الطبقة الشغيلة، مثل الاقتطاع من أجور المضربين، عملًا بـ"مبدأ الأجر مقابل العمل"، ورفع سن التقاعد إلى 63 سنة في أفق رفعه إلى 67 سنة مستقبلًا لحل "أزمة صندوق التقاعد"، علاوة على أن الأجور بقيت مجمدة، في حين ارتفعت أسعار المعيشة وأضيفت ضرائب جديدة، ناهيك عن سياسات الخوصصة التي تنهجها الحكومة على قدم وساق.

ومن جهة أخرى، يرفض اللوبي البرجوازي، الممثل في الاتحاد العام لمقاولات المغرب (الباطرونا) بزعامة مريم بنصالح، التنازل عن بعض الحقوق العمالية، ويمارس ضغطه للحفاظ على مصالحه. وفي هذا السياق تقول منظمة "أطاك- المغرب"، عضو الشبكة الدولية من أجل إلغاء ديون العالم الثالث، إن "قانون مالية 2018 تمت صياغته على مقاس الباطرونا، ورجال الأعمال الكبار هم في نهاية الأمر أكبر مستفيد من ميزانية 2018، لاستفادتها من امتيازات ضريبية جديدة".

لكن لم يكن ذلك ليحصل لولا شيخوخة النقابات، التي تتحكم بها أطرًا تقليدية قديمة جعلتها بمثابة عقارات في ملكيتها، توظفها على مدى عقود للاسترزاق بها، وهكذا تحول العمل النقابي في المغرب إلى مرتع للفساد والزبونية والدعاية السياسية، ليبتعد عن مهمته الأصيلة في تمثيل مصالح الطبقة الشغيلة.

تتحكم في النقابات المغربية أطرًا تقليدية قديمة جعلتها كعقارات في ملكيتها، فتحول العمل النقابي مرتعًا للفساد والدعاية السياسية

وإذا كان هذا حال العمال في البلاد، الذين لا يجدون من يدافع عن مصالحهم، فما عسى يكون حال العاطلين عن العمل والعاملين في القطاعات غير المهيكلة والمنسيين في القرى والبوادي؟!

 

اقرأ/ي أيضًا:

البطالة في المغرب.. توقعات متشائمة ومخاوف متزايدة

المغرب.. أطفالٌ ينتهكون في مهن الكبار