17-يونيو-2018

نحو 20 ألف شخصٍ اتبعوا وهم كنز سرغينة (مواقع التواصل الاجتماعي)

في واقعة هي الأغرب من نوعها، قاد رجل في إحدى مناطق المغرب، حشودًا من الناس وراءه إلى قمة جبل، بعد أن أقنعهم بوجود كنز في باطنه، فصدقه الآلاف وتبعوه طامعين بنيل نصيبهم من الكنز المزعوم.

خدع رجل مغربي، نحو 20 ألف مواطن، بوجود كنز في إحدى الجبال وبأنه قادر على استخراجه بالسحر

وكان الرجل قد ادعى أنه أوحي إليه برؤيا من "ولي صالح" في المنام، يخبره بأن هناك كنز ما داخل الجبل، محروس من الجن، وأنه هو الوحيد القادر على كشفه بفضل "كراماته من الأولياء"، مؤكدًا لهم أن كل من يفد معه سيحصل على قسط من الكنز، فانتشرت الإشاعة بين سكان منطقة بولمان ونواحيها كالنار في الهشيم.

اقرأ/ي أيضًا: المغرب تهتز.. فاجعة الصويرة تعكس عمق معاناة المواطن المغربي

وفي ليلة 26 من رمضان، تحرك المُدّعي، وهو ربّ أسرة في عقده الثالث حاصل على البكالوريا؛ نحو الجبل، ووفد معه حوالي 20 ألف شخص، نساءً ورجالًا وشيبًا وشبابًا، ومنهم متعلمون ومن الطبقة الوسطى. ولما وصلوا جميعًا إلى قمة الجبل وهم ينتظرون خروج الكنز من الصخر بطريقة ما، ألقى الرجل خطبة أمام حشده ثم كتب بالجير "الله الوطن الملك" على حجر، مخبرًا إياهم بأن هذا هو الكنز الحقيقي!

لتتدخل سلطات الأمن فيما بعد وتعتقل صاحب نبوءة الكنز، وتودعه مصحة عقلية، بعد أن فحصه أطباء اختصاصيون، ووجدوا أنه يعاني مرحلة متقدمة من مرض عقلي، مستغربين عدم اكتشاف محيطه ذلك.

ورغم أن الواقعة في طياتها مثيرة للضحك وتدعو للسخرية، إلا أن لها جانبًا مأساويًا يلخص الوضع البئيس الذي لا يزال يتخبط فيه المجتمع المغربي، خاصة بالعالم القروي، إذ السؤال الذي يطرح هنا: هو كيف تمكن رجل مريضٌ عقليًا من إقناع آلاف الناس بوجود كنز داخل جبل، وقدرته على استخراج هذا الكنز بطريقة سحرية؟

في قرون سابقة من الحياة البشرية، كان الناس أكثر انجرارًا نحو العاطفة، فنجح الكثير من المشعوذين والدجالين في خداع عقول الحشود، وإيهامهم بالخرافات والآمال الواعدة الكاذبة، أما بعد الثورة العلمية وانطلاق عصر الإعلام والتكنولوجيا وانتشار التعليم، فقد صار الناس أكثر تعقلًا وقدرة على تمييز الخرافات من الحقائق.

لكن ما حصل في جبل سرغينة بمنطقة بولمان المغربية يشير إلى أن تلك الأزمنة البدائية من حياة البشر، لا تزال تلقي بظلالها على جزء واسع من المجتمع المغربي، سيما سكان القرى، فكانت هذه الواقعة، كما شبهها المدون نجيب المختاري، "كآلة للزمن عادت بنا إلى الوراء لتبين لنا كيف نشأت العديد من الطرق والزوايا والدعوات والمذاهب والأديان والدول والإمبراطوريات في تاريخ البشر"، تمامًا مثلما حصل مع المهدي بن تومرت، مؤسس الدولة الموحدية، الذي ادعى بأنه هو المهدي المنتظر ومهمته أن "يوحد الناس في انتظار نزول المسيح".

تنتشر في المغرب، على نطاق واسع، ثقافة أحلام الثراء السريع باستخراج الكنوز المزعومة من بواطن الأرض

وربما كان "صاحب الكنز المزعوم" ليصنع الشيء ذاته لولا أن الزمن خانه وأوجده في هذا العصر، حيث وسائل التعلم والتحقق من المعلومة متاحة، وفي حضور منصات التواصل الاجتماعي، التي فاضت سخرية من الرجل وحشده.

 

ومع ذلك، لا تبدو واقعة "ولي الكنز" مستغربة، إذا ما علمنا أن المجتمع المغربي لديه تاريخ عريق مع الخرافة، أنتج أرضية خصبة لتقبل مثل تلك الفكرة، التي قادت 20 ألف شخص إلى الزحف في حر رمضان نحو قمة جبل، طمعًا في نصيبهم من الكنز الذي سيخرجه "الولي المزعوم"، وبكراماته فقط، من باطن الجبل.

اقرأ/ي أيضًا: البطالة في المغرب.. توقعات متشائمة ومخاوف متزايدة

"لو أنصتنا للمغاربة فلربما اعتقدنا أن المغرب مستودع كبير للكنوز"، هذا ما يذكره بول باسكون، السوسيولوجي المعروف باهتماماته وأبحاثه المتعلقة بالمغرب، إذ تشيع فعلًا ثقافة البحث عن الكنوز المدفونة تحت الأرض في كل أرجاء البلاد. ورغم أن هذه الظاهرة تعرفها أيضًا باقي المجتمعات العربية، غير أنها في المغرب تكتسي لباسًا أسطوريًا عجائبيًا، تحضر فيه الشعوذة والكرامات للتغلب على الجن الذي يحرس الدفينة واستخراج الكنز.

وكما يقول ابن خلدون في مقدمته، فإن "البحث عن الكنوز هي حرفة ضعاف العقول والعاجزين عن طلب المعاش بالوجوه الطبيعية للكسب من التجارة والفلح والصناعة"، حيث ينتشر الجهل والفقر المدقع بالمناطق القروية المغربية. فبحسب تقرير البنك الدولي والمندوبية السامية للتخطيط، حوالي 80% من مجموع فقراء المملكة الذين يقبعون تحت عتبة الفقر، ويعيشون بأقل من دولار واحد في اليوم، هم من سكان القرى، و قرابة 48% من ساكنة الوسط القروي هم أميون بالمعنى الحرفي؛ لا يعرفون لا الكتابة ولا القراءة، فضلا عن شبه غياب للخدمات الحكومية من مستشفيات وطرق ومياه صنبور وشبكات صرف صحي في العالم القروي بالمغرب.

وفي ظل هذا الوضع المحبط، لم يجد قسم من المجتمع المغربي سوى "السقوط في هذيان جماعي، وهو بحث عن الخلاص"، مثلما دوّن الباحث الاجتماعي، مصطفى الشكدالي، على صفحته بفيسبوك. فما حدث في بولمان لم يكن سوى رغبة جامحة من سكان المنطقة في التعلق بأي أمل، حتى لو كان سحريًا، للخروج من الأوضاع القاحلة في مثل تلك المناطق المهمشة من المغرب، التي تعشش فيها الخرافة ويضرب بها الفقر أطنابه.

وهكذا فإن الآلاف المؤلفة التي تبعت أقدام "ولي الكنز" نحو الجبل، هم فقط ضحية أوضاعهم اليائسة، التي تتحمل فيها الدولة مسؤولية كبيرة، سواء تمثل ذلك في فشلها في تنمية العالم القروي المغربي، أو في تشجيع الخرافة والدجل عبر تقديم الهبات ورعاية مواسم الأضرحة، حتى أصبح هناك أزيد من خمسة آلاف ضريح في المغرب.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الأضرحة في المغرب.. مستشفيات بديلة يُطلب فيها العلاج

المغاربة والجوع.. قصة شقاءٍ مستمرة إلى اليوم