22-مارس-2020

لوك ديشيمايكر/ بلجيكا

يتم الحديث بكثرة عن احتواء الصين، إلى حد كبير، لوباء كورونا، ويتم إرجاع ذلك إلى الدكتاتورية الصينية. في الصين يتم اتخاذ القرار مركزيًا ويتم الالتزام به إرغاميًا، شأن الدكتاتوريات حول العالم. لا شركات تحكم وتتحكم وتقرر ـ بناء على مصالحها الخاصة ـ مستقبل شعب بأكمله، ولا تحالف رأسمال قادر على وضع الخطط الاستراتيجية واختراقها وقت الحاجة كما في الدول الرأسمالية، ولا برلمان يمكن أن يعطل أعمال الحكومة... ويتخذ بعض أعداء الديمقراطية من هذا النهج الصيني في احتواء الأزمة سببًا مبررًا لامتداح الدكتاتورية، وهجو  الديمقراطية عبر تبيان عجز الأنظمة الديمقراطية عن الاستجابة للأحداث الكبرى، لا سيما بعد تفشي الوباء بمستويات قياسية في أوروبا، أكثر الدول ديمقراطية في العصر الحديث. 

يتخذ بعض أعداء الديمقراطية من هذا النهج الصيني في احتواء الأزمة سببًا مبررًا لامتداح الدكتاتورية

ثمة تصريحات لمسؤولين صينيين تقول إن أوروبا والولايات المتحدة غير قادرين على احتذاء النموذج الصيني نظرًا لمستويات اتخاذ القرار المعقدة هناك، وكانت منظمة الصحة العالمية أشادت مرارًا بالـ"المعجزة" الصينية في احتواء الوباء قاصدة عبر ذلك حث باقي الدول على نهج المنهج الصيني ذاته، ضمن معرفة المنظمة بتعقيد اتخاذ القرار في الدول الديمقراطية.

اقرأ/ي أيضًا: تويتر يشدد الرقابة بسياسة جديدة للحدّ من انتشار فيروس كورونا

نحن نعرف أن في الأنظمة الدستورية حول العالم ما يسمح للحكومات بوضع الديمقراطية بين قوسين في حالات الحروب والكوارث والأوبئة. الوضع بين قوسين هو نوع من تعليق الأمر، أو تنحيته جانبًا بسبب إعاقته إجراءات سريعة وحاسمة، ثم العودة عن ذلك ريثما تنتهي الأزمة. وضع الديمقراطية بين قوسين ليس عملًا منافيًا للديمقراطية، بل في صلبها فهو يستند إلى الدستور. المشكلة تكمن في أن الكثير من الأنظمة التوليتارية اتخذت من هذا المبدأ الدستوري ذريعة لوضع الديمقراطية ليس بين قوسين فقط، بل تحت الأقدام العسكرية، في سوريا مثلًا نعيش منذ العام 1962 في حالة الطوارئ تحت يافطة أن البلد في حالة حرب مع إسرائيل، على الرغم من أن أكثر نظام حمى عدوه هو النظام السوري. وهذا الأمر ذاته حدث في ألمانيا النازية وغيرها... ما جعل اتخاذ هكذا قرار مشوبًا بالتطاول على الديمقراطية، على الرغم من أن ذلك يدل على ضعف النخب السياسية الحاكمة في البلدان الديمقراطية ولا يدل على ضعف الديمقراطية ذاتها. ففي الأنظمة الديمقراطية الحديثة ثمة تغوّل للرأسمال وللشركات الأمر الذي جعل من النخب الحاكمة ليست معبرة عن مصالح الشركات فقط، بل منفذة لمصالحها، لذلك تخرج القرارات الحكومية، وقت الأزمات والكوارث والأوبئة، بمراعاة شديدة لمصالح الشركات، الأمر الذي يجعل قراراتها متباطئة ومرتبكة.

في تصريح للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل اعتبرت أن الحكومة تتخذ بعض الإجراءات غير الديمقراطية من حظر تجول وحجر منزلي، لكنها اعتبرت ذلك ضروريًا لمواجهة الوباء، وقد بدا في لهجتها نوع من الاعتذار عن وضع الديمقراطية، ولو نسبيًا، بين قوسين. لكن ردة الفعل كانت بمطالبتها بمزيد من الصرامة في هذا الإجراءات، الناس لا يريدون التنازل عن الديمقراطية حيث لا بديل إنسانيًا واجتماعيًا وسياسًا لها، لكنهم يريدون وضعها بين قوسين لمواجهة الوباء، وهذا عمل  دستوري.

ثمة تغوّل للرأسمال وللشركات في الأنظمة الديمقراطية الحديثة، ما جعل من النخب الحاكمة ليست معبرة عن مصالح الشركات فقط، بل منفذة لمصالحها

المشكلة ليست في الديمقراطية، بل في تحكم الشركات ورأس المال بالمجتمع من جانب، وبالديمقراطية التمثيلية التي تضع إي قرار يمكن اتخاذه على محك الناخبين وقدرته على حشدهم من جانب آخر. الديمقراطية، حتى الآن، هي الوصفة الناجحة للبشر، لكن المشكلة في نخب حاكمة ضعيفة ومرتهنة للرأسمال ولصندوق الانتخابات.

اقرأ/ي أيضًا: أهلًا بك في عالم الرقابة والعقاب

العلاج يكمن في الأنظمة السياسية وليس في الديمقراطية كمبدأ وطريقة حياة. لكن، قبل هذا وذاك، نعرف أن عموم البشر لا يفكرون الآن لا بهذا ولا بذاك، بل بإنهاء هذا الوباء وبعد ذلك، ليكن ما يكون.

 

اقرأ/ي أيضًا:

لن نعود إلى ما كنّا عليه قبل كورونا.. "التباعد الاجتماعي" جاء ليبقى

اختفاء منشورات من فيسبوك وتويتر ويوتيوب.. الجاني هو أنظمة الذكاء الاصطناعي!