29-أغسطس-2019

تتجه الأوضاع في كشمير إلى مزيد من التعقيد (Getty)

هددت باكستان بإغلاق مجالها الجوي أمام الهند في أحدث تصريح لحكومة إسلام آباد ردًا على التصعيد الذي بدأته حكومة نيودلهي المركزية اتجاه إقليم كشمير المتنازع عليه بين البلدين، وسط تحذيرات دولية من إمكانية نشوب حرب رابعة بين البلدين قد تكون نووية، بعدما وصفت الهند خلافها مع جارتها الحدودية بأنه يحمل "طبيعة ثنائية".

منذ عام 1949 حتى يومنا الراهن شهدت كشمير ثلاثة حروب بين باكستان والهند بهدف السيطرة عليه، بدأت في نيسان/أبريل 1965 عندما اشتعل القتال بين البلدين على الحدود الباكستانية – الهندية، وانتهت بانسحاب الهند وإعلان باكستان انتصارها

باكستان تفكر بإغلاق مجالها الجوي أمام الهند

قال وزير العلوم والتكنولوجيا الباكستاني فؤاد تشودري الثلاثاء إن رئيس الحكومة الباكستانية عمران خان يفكر بإغلاق المجال الجوي أمام الهند، مضيفًا في تغريدة عبر حسابه الرسمي أن مجلس الوزراء خلال اجتماعه اقترح فرض حظر على استخدام الطرق البرية الباكستانية للتجارة الهندية إلى أفغانستان، ويتم في الوقت الراهن بحث الإجراءات القانونية الرسمية لهذه القرارات.

اقرأ/ي أيضًا: ما تريد معرفته عن قضية كشمير

وكانت العلاقات الباكستانية – الهندية شهدت توترًا منذ شباط/فبراير الماضي بعد تبني جماعة جيش محمد تفجير سيارة مفخخة في الجيب الهندي لإقليم كشمير ما أودى بحياة قرابة 40 جنديًا من القوات الهندية، وتوترت العلاقات إلى أقصى حدودها عقب إلغاء الهند مطلع الشهر الجاري قانون A35 الذي يمنح حقوقًا خاصة لسكان إقليم كشمير.

وحددت المادة 370 من الدستور الهندي بمنح سكان الإقليم حكمًا ذاتيًا لا تسمح للحكومة المركزية في نيودلهي بسن القوانين التشريعية إلا في مسائل الدفاع والشؤون الخارجية والاتصالات، أمّا بقية القوانين فتتولى سنها حكومة محلية، وهو الأمر الذي أقرته حكومة موري عقب إصدارها قرارًا بسريانه فور تشريعه ما أجج الوضع في الإقليم الذي يشكل المسلمين نسبة 60 بالمائة من سكانه.

وينص القانون A35 على حفظ حقوق المقيمين في إقليم كشمير، ويفرق بين حقوق سكان الإقليم وباقي سكان الهند، ويضع قضية العمالة في الإقليم تحت سيطرة الحكومة المحلية وليس حكومة نيودلهي المركزية، ويعتبر مواطني الإقليم هم من ولدوا في الإقليم من أبوين كشميريين، أو عاش 10 أعوام على الأقل في الإقليم قبل إصدار القانون، مع منحه حقوقًا تعليمية خاصة لسكان الإقليم، لكن جميع هذه الميزات التي كان يتمتع بها سابقًا انتهت بعد إلغاء القانون من قبل حكومة مودي المشكلة حديثًا.

الأمم المتحدة ترفض إصدار قرار أممي بخصوص الإقليم

بدأت حكومة نيودلهي منذ إعلانها إلغاء قانون الحكم الذاتي لكشمير سلسلًة من الإجراءات، تخللها قطع الاتصالات الهاتفية وخدمة الإنترنت وحظر التجمعات تحسبًا من رد فعل السكان الغاضب، وزاد التوتير بين سكان المنطقة من الجيب الهندي والحكومة المركزية في نيودلهي بعد إقدامها على تنفيذ حملة اعتقالات اتجاه النشطاء السياسيين والانفصاليين، وأعضاء المجتمع المدني.

وتحدثت الكاتبة الهندية أرونداتي روي في مقال لها نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية عن الانتهاكات التي مارستها الحكومة الهندية بعد عزلها قرابة سبعة ملايين شخص يسكنون الإقليم عن العالم الخارجي، مشيرًة إلى أن حملة القمع التي يشهدها "بلغت ذروتها"، وأن الشوارع أصبحت تحرسها الحواجز والأسلاك الشائكة، ويجري التجسس على السكان هناك بالطائرات المسيّرة، مضيفًة أن ولاية مودي الأولى لرئاسة الحكومة أدت إلى تفاقم العنف في الإقليم.

ومنعت السلطات المحلية في كشمير قادة المعارضة الهندية السبت الفائت من مغادرة مطار سريناجار التابعة لولاية جامو وكشمير، وقامت بإعادتهم إلى العاصمة نيودلهي بعدما جاؤوا لتقييم الوضع، وقبلها بيوم عمدت القوات الهندية إلى تفريق المتظاهرين في المدينة بالغاز المسيل للدموع بعد رشقهم للقوات الهندية بالحجارة بسبب منعهم من الوصول لمكتب فريق مراقبي الأمم المتحدة العسكريين في الهند وباكستان للاحتجاج على القرار الهندي.

وخلال لقائه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على هامش قمة مجموعة السبع في بياريتس الفرنسية، قال رئيس الحكومة الهندية ناريندرا مودي ردًا على الوساطة التي طرحها ترامب بين باكستان والهند بشأن إقليم كشمير، إن كافة القضايا بين البلدين ذات "طبيعة ثنائية"، مضيفًا أن بلاده لا تزعج "أي دولة أخرى بشأنها".

كشمير.. من الصراع الإقليمي إلى البحث عن الاستقلال

يقع إقليم كشمير شمال غرب القارة الهندية وباكستان والصين وسط آسيا جرى احتلاله من قبل الدول الثلاث ما بين منتصفي القرنين الـ18 والـ19، وتدل كلمة كشمير على الوادي الواقع بين جبال الهيمالايا وجبال بير بنجال، وتسيطر اليوم الهند على مناطق جامو وكشمير التي تضم جامو ووادي كشمير، ولداخ، فيما تتبع مناطق آزاد كشمير، وجيلجيت/بالتيستان لحكومة إسلام آباد، أما مناطق أكساي تشين وترانس كاراكورام فإنها تخضع لنفوذ الصين، ويبلغ عدد سكان الإقليم ما يزيد على 12 مليون نسمة.

كان للغزو البريطاني الذي تعرضت له شبه القارة الهندية عام 1819 دور مباشر بتقسيم الإقليم بعد أن قامت بتأجيره لأحد الإقطاعيين الهندوسيين مائة عام 1846 – 1946، وبعد انتهاء الاتفاقية اندلعت الحرب بين الغالبية المسلمة وحاكمها هاري سينغ الذي اختار خضوع كشمير للهند بدلًا من باكستان، فقد استمرت الحرب لأكثر من عامين حتى تموز/يوليو 1949 عندما وقعت باكستان مع الهند اتفاق كراتشي الذي ينص على خط لوقف إطلاق النار بين البلدين تحت إشراف أممي، وبعد إلغاء حكومة موري القانون A35 خلال الشهر الجاري قررت الهند تقسيم الإقليم لمنطقتين تخضعان لحكومة نيودلهي المركزية، الأولى جامو وكشمير والثانية لداخ.

حروب الإقليم الثلاث

منذ عام 1949 حتى يومنا الراهن شهد الإقليم ثلاثة حروب بين باكستان والهند بهدف السيطرة عليه، بدأت في نيسان/أبريل 1965 عندما اشتعل القتال بين البلدين على الحدود الباكستانية – الهندية، وانتهت بانسحاب الهند وإعلان باكستان انتصارها، وفي آب/أغسطس من العام عينه نفذت إسلام آباد هجومًا سريًا داخل الخط الفاصل لإطلاق النار انتهى بتوقيع الطرفين على اتفاقية عام 1966 لحل الخلاف بينهما بالطرق الدبلوماسية.

وقامت الهند بغزو شرق باكستان عام 1971 عندما اندلعت الحرب الأهلية في شرق البلاد طالب خلالها سكان شرق باكستان بالحكم الذاتي، انتهت الحرب في نهاية العام عينه بعدما حصل السكان على مطلبهم، والتي أصبحت في الوقت الراهن تعرف بدولة بنغلادش، وفي عام 1974 وافقت حكومة كشمير على وضعها كوحدة تأسيسية ضمن الاتحاد الهندي لكن باكستان رفضت الاتفاق.

وشهد عام 1989 بروز مقاومة مسلحة في الإقليم تدعو للاستقلال عن الهند إلا أنها لم تستمر طويلًا، وفي عام 1999 أعلن عن تشكيل جماعة جيش محمد الذي يتخذ من الحدود الباكستانية مقرًا له، ويدعو للاستقلال عن الهند مقابل الانضمام لباكستان، واتهمت الهند الجماعة بالوقوف وراء الهجوم الذي استهدف البرلمان الهندي عام 2001 وأسفر عن وقوع نحو 14 قتيلًا، ويعتبر الهجوم الذي نفذته الجماعة في شباط/فبراير الماضي الأعنف من بين الهجمات التي استهدفت القوات الهندية منذ عام 1989.

هل يشهد إقليم كشمير أول حرب نووية في القرن الـ21؟

أثارت تصريحات وزير الدفاع الهندي راحناث سينغ في وقت سابق المخاوف من إمكانية نشوب حرب نووية بين باكستان والهند نتيجة الإجراءات التي اتخذتها مؤخرًا حكومة نيودلهي اتجاه الإقليم المتنازع عليه، بعدما أدلى بتصريح للصحفيين في منطقة بوخران التي شهدت قبل أعوام تجربتين نوويتين للهند ألمح من خلاله لإمكانية استخدام بلاده لترسانتها النووية في حال نشوب حرب.

وقال سينغ إنه على الرغم من تمسك بلاده بمبدأ "الضربة الأولى" فإن التزامهم بتلك السياسة يعتمد على ما يحدث في المستقبل، ويعتبر مصطلح الضربة الأولى أو الاستخدام الأول بمثابة تعهد أو سياسة من قبل قوة نووية بعدم استخدام القنابل الذرية كوسيلة للحرب إلا إذا هاجمها الخصم أولًا باستخدام النووي.

ووفقًا لموقع جلوبال فاير باور المختص بتقييم القوة العسكرية  فإن الجيش الهندي مصنف في المرتبة الرابعة عالميًا مقابل المرتبة الـ15 للجيش الباكستاني، وعلى الرغم من أن باكستان تحتل المرتبة السادسة في تصنيف الدول النووية بـ150 رأسًا نوويًا مقابل 140 رأسًا نوويًا للهند التي تحتل المرتبة السابعة بحسب موقع بيزنس إنسايدر، فإن الهند تتفوق على باكستان من ناحية تعداد الجنود، والآليات العسكرية، والمقاتلات الحربية وصولًا للميزانية المخصصة للدفاع، ففي الوقت الذي تنفق إسلام آباد سبعة مليارات سنويًا على تعزيز ترسانتها العسكرية، تقوم الهند بإنفاق ما يزيد على 50 مليار دولار سنويًا.

لماذا تخشى الهند استقلال الإقليم؟

اتهم رئيس الحكومة الباكستانية عمران خان عبر حسابه الرسمي على تويتر حكومة نيودلهي بأنها تسعى من خلال إجراءاتها الجديدة لـ"تغيير التوزيع الديموغرافي في كشمير بسن حملة تطهير عرقي في الإقليم"، إلا أن تغريدات خان فيما يبدو لم تستطع أن تحصل على الدعم الدولي الكافي لإسلام آباد فيما يخص قضية الإقليم، وهو ما ظهر واضحًا في امتناع الأمم المتحدة خلال الشهر الجاري عن إصدار قرار يلزم البلدين النوويتين بتجنب المزيد من التصعيد.

وفي هذا الخصوص يرى محللون أن لدى إسلام آباد اعتقاد راسخ يضعها في جهة الطرف الأضعف من المعادلة فيما يخص قضية الإقليم، إذ يسود لديهم حالة من اليقين حول عدم إمكانية تغيير الواقع الراهن، بالإضافة لأن القوى الكبرى تنظر للهند على أنها قوة عظمى تحت التأسيس لذلك لا يمكن لأي دولة أن تتدخل في فيما تطلبه هذه القوى، كما أن الأزمة الاقتصادية التي تمر بها باكستان في الوقت الراهن يجعل موقفها ضعيفًا، بالأخص أنها مطالبة دوليًا بالقضاء على وكلاء "المجموعات الإرهابية" المتواجدين داخل أراضيها.

لكنها في المقابل تملك أوراقًا أخرى قد تساعدها على تغيير الوضع الراهن في الإقليم، من خلال امتلاكها الأفضلية مع حركة طالبان قد تستخدمها لعرقلة الاتفاق المزمع إبرامه مع واشنطن، أو من خلال تقديمها الدعم للمجموعة الانفصالية المتواجدة في الجيب الهندي للإقليم، فضلًا عن تأييدها لمبادرة النهضة الإسلامية التي أطلقها رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد خلال مؤتمره الصحفي مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وتسعى الدول الثلاث من وراء المبادرة لإنشاء تحالف إسلامي في حال تم تشكيله من المتوقع أن تنضم إليه دول أخرى.

وبالنظر للجانب الهندي من الأزمة فإن إقليم كشمير يمثل أهمية استراتيجية لحكومة نيودلهي لما تعتبره عمقًا أمنيًا لها أمام الصين وباكستان بحسب ما يرى مراقبون، وتعتبر الهند أن فلسفة الحكم الباكستاني تقوم على أساس ديني يهددها داخليًا، وتسود لديها مخاوف من أنها في حال سمحت للإقليم بالاستقلال فإن ذلك سيدفع الكثير من الولايات الأخرى للمطالبة بذلك.

ما مستقبل الصراع الراهن على إقليم كشمير؟

يلخص أديت مالك وشيفاجي موخرجي في مقالهما المشترك المنشور في صحيفة واشنطن بوست الأمريكية جملة من القضايا التي يجب أن يؤول إليها الإقليم نتيجة السياسات الحالية المتبعة من قبل حكومة نيودلهي، إذ من الممكن أن يؤدي استبعاد أي أقلية قومية سياسيًا إلى تغذية العنف، بالأخص إن رافقها عمليات قمع على غرار العمليات التي شهدها الإقليم مؤخرًا، وهو ما قد يدفع بالجماعات المناوئة لها للنشاط مجددًا.

اقرأ/ي أيضًا: على طريقة ترامب.. "الهند أولًا" تحدد مستقبل كشمير

ويرى الكاتبان أنه للتخفيف من حدة العنف المتأجج في مثل هذه الصراعات يجب أن يبرز القادة المحليون أصحاب الأعمار الصغيرة بدلًا من الساسة المخضرمين، في إشارة لقادة الأحزاب المتواجدة في الإقليم، ويضيف الكاتبان بأن القادة المحليون من الممكن أن يساعدوا على إضعاف الشعور بالاستبعاد بين المسلمين والكشميريين، واستعادة إيمانهم بالديمقراطية الهندية، وهو ما يتطلب إجراء انتخابات نزيهة وتمثيل سياسي حقيقي، إلا أنه في حالة الإقليم الحالية لا يبدو أن إلغاء القانون A35 إلا جزء من خطة الحزب الحاكم لإرضاخه للحكومة المركزية في نيودلهي.

بالنظر للجانب الهندي من الأزمة فإن إقليم كشمير يمثل أهمية استراتيجية لحكومة نيودلهي لما تعتبره عمقًا أمنيًا لها أمام الصين وباكستان بحسب ما يرى مراقبون، وتعتبر الهند أن فلسفة الحكم الباكستاني تقوم على أساس ديني يهددها داخليًا

لكن يبقى الصوت الأهم لسكان الإقليم أنفسهم فيما تنتشر المخاوف من أن العالم قد يتجه لمشاهدة أول حرب نووية تحدث في قرننا الجاري، فقد أشارت تقارير إلى أن سكان الإقليم الذين يتقاسمون الإقامة بين مناطق النفوذ الهندية والباكستانية لم يطرح عليهم أحد التصويت على تحديد مستقبلهم، لكن في حال التوجه إليهم بهذا السؤال من الممكن أن يساعد ذلك على إنقاذهم وإنقاذ العالم من حرب وشيكة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

 مساعي طالبان للتفاوض مع واشنطن.. مناورة تكتيكية أم مشروع سلام؟

سباق الغواصات النووية.. تصعيد التوتر بين باكستان والهند