17-أغسطس-2019

تترك السياسات الهندية كشمير على شفا حفرة من نار (Getty)

تحت وطأة الهواء الثقيل في إقليم جامو وكشمير الذي فاض في كل مكان بعد القرار الذي اتخذه رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي بإلغاء المادة 370، وهي المادة الدستورية التي منحت بعض سلطات الحكم الذاتي لكشمير التي تديرها الهند، أقامت السلطات الهندية احتفالاتها بمناسبة يوم الاستقلال الهندي عن الحكم البريطاني والذي وافق الخامس عشر من آب/أغسطس الجاري.

تبتعد طريقة مودي ترامبية الطابع في تيسير وإدارة الأمور، تمامًا عن الشكل العلماني الديمقراطي الذي طالما أرادت الهند أن تصدره للعالم، ولا تترك كشمير إلا إقليمًا على شفا حفرة من نار

الاحتفالات أُقيمت في ظل إجراءات أمنية مشددة داخل ملعب للكركيت شديد التحصين بينما يقبع المواطنون خارجه تحت وطأة حظر للتجول فرضته السلطات تجنبًا لمواجهات مع الغاضبين من القرار.

اقرأ/ي أيضًا: ما تريد معرفته عن قضية كشمير

حلقت طائرات بدون طيار وطائرات هليكوبتر في الجو بينما قام ساتيا بال مالك، حاكم جامو وكشمير، برفع العلم الهندي يوم الخميس. وعادة ما يراقب الحفل الساسة الكشميريون، لكن يقال إن كثيرًا منهم كانوا رهن الإقامة الجبرية في بيوتهم، بينما تورد صحف مثل الغارديان البريطانية أخبارًا من شهود عيان عن اعتقال مواطنين من بيوتهم وهو ما حدث بالفعل لمئات منهم.

مودي: على طريق "جعل الهند عظيمة مرة أخرى!"

جاء حظر التجوال على السكان الفقراء ليمثل ضغطًا إضافيًا على حياتهم الصعبة، حيث يوجد بالفعل نقص في الأدوية في الصيدليات المحلية، بينما يكافح العمال العاديون من أجل توفيرأبسط احتياجات البقاء. يأتي هذا بينما برر مودي القرار الأخير في خطابه للشعب أثناء مراسم الاحتفال بيوم الاستقلال في دلهي بقوله إن "الوضع السابق لكشمير قد سمح بالفساد والانفصالية". وقال "إن الإجراء الذي اتخذته حكومته سيحقق العدالة في الإقليم". وأضاف في تصريحات نقلتها "الغارديان" أيضًا، أن الوضع القديم في الإقليم شجع على الفساد والمحسوبية ونشر الظلم فيما يتعلق بالأقليات القبلية.

الجدير بالذكر أن الخطوة لاقت دعمًا شعبيًا كبيرًا في الداخل الهندي، ونقلت الصحيفة البريطانية أن مسؤولين بوزارة الخارجية الهندية قالوا إن المنطقة عادت إلى روتينها الطبيعي بينما لم يكن هناك ما يدل على ذلك في شوارع سريناجارالتي لا يزال كل شيء فيها مغلقًا.

كشمير أو "أخطر مكان في العالم"

منذ ما يقرب من عقدين من الزمن، وصف الرئيس بيل كلينتون إقليم جامو وكشمير بأنه "أخطر مكان في العالم". القرار الأخير لرئيس الوزراء الهندي أثار حفيظة باكستان التي سعى جيشها في السابق إلى محاولة السيطرة على الإقليم وسحبه من القبضة الهندية، لكن باكستان تفتقد على المستوى الديبلوماسي والجيوسياسي القدرة المباشرة على تغيير الأوضاع لصالحها، وهو أمر واضح من خلال تاريخها مع خصمها التقليدي، كما أن السهولة التي جردت بها السلطات الهندية الإقليم من استقلاله الذي تمتع به لعدة عقود مضت، ولو كان بأغلبية من البرلمان، يطرح عدة تساؤلات حول مدى حقيقة قوة الفيدرالية الهندية.

صحيح أن الهند صاغت تصرفاتها ومبرراتها للقرار الذي اتخذته بشأن جامو و كشمير بعيدًا عن الطائفية، إلا أنه يبقى من الصعب تفويت رمزية حكومة قومية هندوسية تقلل من سلطة الممثلين المسلمين المنتخبين.

أوضاع الإقليم المعزول عن العالم والمغلق بكرات من الأسلاك الشائكة المنتشرة في ساريناجار تشي بمآلات خطيرة لأي احتجاجات قد تحدث في المستقبل، أما السلطات فقامت أيضًا بتعليق خدمات الهاتف والتلفزيون الكابلي والإنترنت، كما نقلت صحيفة ذا أتلانتك الأمريكية أنباءً عن اعتقال 800 شخص على الأقل.

التداعيات: كرة من النار تتدحرج نحو الإقليم

إن أي توتر في العلاقات بين الهند وباكستان يحبس أنفاس العالم، حيث يركز العالم من ناحية على التداعيات الإقليمية، وعلى التداعيات بين البلدين، اللذين يمتلك كل منهما أسلحة نووية، كما خاض الاثنان ثلاث حروبٍ منذ حصولهما على الاستقلال، وتدخل في هذا المزيج السياسي المعقد الصين التي تسيطر بدورها على 15% من كشمير.

بالنسبة للهند، التي ينتمي أغلبية سكانها إلى الطائفة الهندوسية، المتمسكة بالشكل العلماني رسميًا، تمثل كشمير دليلًا رمزيًا على أن نظام الحكم التعددي في الهند أقوى من البديل أحادي اللون الذي جنحت إليه، والتي لا تضم سوى عدة ملايين من مسلمي الهند البالغ عددهم 175 مليون نسمة، ولكن من الناحية الرمزية، فإنها تحمل أهمية كبيرة. تبدو حالة كشمير تمظهرًا لرفض الهند المؤكد  لنظرية الدولتين التي أدت في النهاية لولادة باكستان.

الوضع الإقليمي المعقد، الذي تدركه باكستان جيدًا، جعل سفير باكستان في الولايات المتحدة يُلمح إلى إعادة التفكير في دعم خروج الولايات المتحدة السلمي من أفغانستان عن طريق سحب القوات من الحدود الأفغانية.

أحد المحللين للمشهد صرح لجريدة ذا أتلانتيك الأمريكية إلى أن قرار الهند كان مدفوعًا، ليس فقط بسبب حقيقة أن معارضة الحكم الذاتي لكشمير كانت "مبدًا أساسيًا" لحزب مود، ولكن بسبب المخاوف المتزايدة من أن المتشددين في وادي كشمير قد بدأوا في البحث عن شكل مؤسسي لدولة إسلامية يضمن استقلالها على المدى البعيد.

ولكن بغض النظر عن مزيج الأيديولوجيا والسياسة الداخلية والمخاوف الأمنية التي أدت إلى قرار الهند، فإنه لا يغير حقيقة أن هذه الخطوة تكشف عن هشاشة معينة في الترتيبات الدستورية للهند. من الذي يقول إن أي حكومة هندية مستقبلية - أو حتى هذه الحكومة، التي انطلقت من شعبوية واضحة لقرارها - لن تجرب شيئًا مشابهًا مع أقاليم أخرى  تعيش الخوف من نفس ملامح النزاع مثل غرب البنغال على سبيل المثال.

إن استخدام الكثير من قادة حزب بهاراتيا جاناتا بشكل روتيني للخطاب المعادي للمسلمين يزيد من مخاطر تأجيج النار في الوضع الإقليمي.

نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية تعليقًا من أحد المجموعات اليمينية المتطرفة التي تدعم حزب مودي قالت فيه: "لم نكن مرتاحين أبدًا لوجود دولة ذات أغلبية مسلمة داخل الهند". ثم يكرر في موضع آخر المضمون نفسه: "إن ولاية جامو وكشمير، بشخصيتها ذات الغالبية المسلمة القمعية، كانت بمثابة صداع لبلدنا منذ الاستقلال".

يحذر بعض المحللين من أنه إذا نجح مودي في استراتيجيته مع كشمير، فسوف ينتقل إلى القضايا الأكثر استقطابًا من الناحية الدينية. ويشمل ذلك محو قوانين الزواج والميراث عند المسلمين

الكراهية .. رصيد التعايش المتضائل بالفعل

خلال فترة ولاية رئيس الوزراء ناريندرا مودي الأولى، والتي بدأت في عام 2014، بدأت الهيئات الحكومية في إعادة كتابة كتب التاريخ منتزعة ما كُتب عن الحكام المسلمين فيها، حيث تبين الصحيفة الأمريكية أنه أُفردت الصفحات بدلًا من ذلك للحديث عن أولويات أخرى تحتل مكانًا بارزًا في العقيدة الهندوسية، كما زادت جرائم الكراهية ضد المسلمين، الذين يشكلون حوالي 15% من سكان الهند، في عهد مودي، مما أعطى شعورًا عامًا قويًا بأن حكومته تفضل الهندوس على المسلمين.

اقرأ/ي أيضًا: مساعي طالبان للتفاوض مع واشنطن.. مناورة تكتيكية أم مشروع سلام؟

يحذر بعض المحللين من أنه إذا نجح مودي في استراتيجيته مع كشمير، فسوف ينتقل إلى القضايا الأكثر استقطابًا من الناحية الدينية. ويشمل ذلك محو قوانين الزواج والميراث عند المسلمين، وغيرها من القضايا المثيرة للحساسيات الدينية.

تلك الطريقة ترامبية الطابع في تيسير وإدارة الأمور، تبتعد تمامًا عن الشكل العلماني ديمقراطي الطابع الذي طالما أرادت الهند أن تصدره للعالم، ولا يترك ذلك إلا إقليمًا على شفا حفرة من نار.

 

اقرأ/ي أيضًا:

فيلم "بين المؤمنين".. صناعة التطرف في باكستان

وثائق ابن لادن.. أفلام وفيديوهات وألعاب و"علاقات مع إيران"