26-يوليو-2017

أحد أكشاك الفتوى في مصر (الصفحة الرسمية لمترو القاهرة)

كان اختلافي الأساس مع نظام الإخوان المسلمين أيديولوجيًا، وتحديدًا من خلطهم في أحيانٍ كثيرة ما بين الديني والسياسي. وبعد الإطاحة بمرسي على يد الجيش في الثالث من تموز/يوليو 2013، ظن البعض أنّ أي ملامح قد تكون موجودة لنظام ديني في مصر ستنتهي، لكننا وجدنا أنفسنا أمام نسخة حكم ديني مشوهة، وأكثر تطرفًا وسوءًا. نسخةً تدعم العنف الممنهج من السلطة ضد المعارضين لها، وتدعم القتل والاعتقال، تحت دعوى طاعة وليّ الأمر!

تأتي خطوة أكشاك الفتوى في إطار تكريس نظام الحكم ثنائي القطب: "العسكري - الديني"

وفي خطوة جديدة لتكريس أفكار الدولة ثنائية القطب "العسكرية - الدينية"، أقامت الهيئة المصرية لإدارة مترو الأنفاق بالتعاون مع وزارة الأوقاف ودار الإفتاء المصرية أكشاكًا خاصة للفتاوى في بعض محطات المترو، كخطوة أولية لتعميم المشروع. ورغم تضارب التصريحات حول استمرار تلك الأكشاك من عدمه، إلا أنّها في كل الأحوال لاقت سخرية لاذعة على مواقع التواصل الاجتماعي، ووصل الأمر إلى نشر صحيفة الدستور المصرية خبرًا تحت عنوان "هل يدخل مجدي يعقوب الجنة؟"، وهو نفسه سؤال من أبرز الأسئلة المقدمة لأكشاك الفتوى من بعض المواطنين، وإن كنت أشك في صحة الخبر وأعتقد أنّه لحصد مزيدٍ من القراءات.

اقرأ/ي أيضًا: كشك الفتوى في مصر.. "قرب خدلك حتى فتوى"

وبمقارنة تقليدية، فلو كانت تلك الأكشاك في عهد محمد مرسي هل كان ليمر الأمر مرور الكرام على وسائل الإعلام المصرية؟ أعتقد أن الإعلام كان لينتفض "حماية لمدنية الدولة"، لكن الفارق الآن أنّ هذا المشروع يأتي برعاية عسكرية، لنظام يُؤسس لأفكار جديدة/قديمة. نظام زاد أسعار تذكرة المترو قبل شهور إلى الضعف، وسط أنباء عن ترجيح زيادتها مرة أخرى، وحينها قالت إدارة المترو إن تلك خطوة من أجل تطوير المترو وإدخال مزيد من الخدمات عليه، ويبدو أنهم كانوا يقصدون بمزيد من الخدمات إنشاء "أكشاك الفتوى"، لكنها خدمة لم تأت على هوى المواطنين تمامًا.

وبنظرة موضوعية، ربما يكون الهدف من وراء أكشاك الفتوى، هدفًا إيجابيًا كمحاولة لتصحيح الأفكار المغلوطة تجاه الدين، ولكن ألم يكن الأجدر مراقبة الخطب في المساجد التي يتنشر بينها الخطاب المتطرف؟ ألم يكن من الأجدر أن يُوجّه هذا المجهود إلى المحافظات والأقاليم الأكثر تهميشًا، والتي ينتشر فيها التطرف بطبيعة الحال من الجهل وقلة التعليم والفقر المدقع؟

هذا في حال تحدثنا من نفس منطلق تصحيح الأفكار المغلوطة عن الدين، أو ما يُسميه السيسي بـ"ثورة تجديد الخطاب الديني"، أمّا إذ ما تحدثنا من منطلق تطوير خدمات المترو نفسه، ألم يكن من الأجدر أن يوجه ذلك المجهود لإجراء مزيد من التطويرات على خدمات المترو الذي هو وسيلة المواصلات الأكثر استخدامًا من عموم سكان القاهرة؟

ثمّة مشكلة اُخرى في اعتقادي، تتمثل في اختيار اسم "كشك الفتوى"، وهو أمر مثير للسخرية من جهة أن كلمة كشك تترجم تلقائيًا في عقول المصريين إلى مكان للبيع والشراء، تحديدًا مكان صغير للبيع والشراء السريع، وهو ما يعطي انطباعًا بالاستسهال في التعامل مع أمور الدين، وتحديدًا أمر شديد الحساسية كتصحيح المفاهيم المغلوطة عن الدين أو "تجديد الخطاب الديني".

فئة كبيرة من الشعب المصري فقدت الثقة في شيوخ الأوقاف وشيوخ الدولة الرسميين، ولجؤوا لمشايخ الزوايا والمساجد غير الرسمية

الفتاوى الدينية ليست سلعة تباع وتشترى، إنما هي حاجة نفسية وفكرية عميقة التأثير على المسلمين وغير المسلمين، في زمنٍ تجتاح فيه موجة التطرف والإرهاب المنطقة والعالم.

اقرأ/ي أيضًا: مشايخ السلطة.. الصراع على تصدر المشهد

النقطة الأهم والأخيرة، هي فقدان فئة كبيرة من الشعب الثقة في شيوخ الأوقاف وشيوخ الدولة الرسميين، ولجوؤهم إلى شيوخ الزوايا والمساجد غير الرسمية. وأظن أن تلك الأكشاك كانت محاولة لاستعادة تلك الثقة مرة أخرى من خلال تقديم خدمة مجانية عن طريق شيوخ يفترض أنهم بشوشين ويدعون إلى التعايش والدين الوسطي وما إلى ذلك. ولكن كما يقول المثل المصري "يبوظ الطبخة عشان بقرش ملح"، بمعنى التكاسل عن الوصول للصورة الأفضل للفكرة، أو كما يقول الحديث الشريف: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه"، ولكنهم لم يتقنوا عملهم، فظهر بذلك الشكل الرديء الذي يستحقونه.

 

اقرأ/ي أيضًا:

لا تجديد الخطاب الديني!

"تكفير المسيحيين".. أزهريون لا يمثلون الأزهر!