15-ديسمبر-2018

حمو بيكا، أحد أشهر مغني المهرجانات في الآونة الأخيرة (M.Tito)

على مدار السنوات الأخيرة في مصر، تعددت أنواع الموسيقى، تحديدًا منذ ما بعد ثورة يناير، فمن موسيقى الفرق الغنائية "الأندرغراوند"، إلى موسيقى المهرجانات والأغاني الشعبية.

كانت مراحل عبور الفرق الغنائية الشبابية في مصر، على المشهد المصري، من الثورة والحلم إلى الغضب، انتهاءً ببعض اليأس

وكانت عدة فرق غنائية شبابية أبرزها "كايروكي"، هي المتصدرة للمشهد، بالألحان المختلفة، والكلمات التي تعبر عن الشباب المصري حينها، الحالم بالتغيير بعد الثورة.

اقرأ/ي أيضًا: أندرغراوند ما بعد الربيع العربي

لكن بمرور الوقت، ومع تغير الأوضاع السياسية، والاجتماعية، تكيفت أغاني تلك الفرق مع هذا التغيير، الذي ملأته حالة عامة من الإحباط واليأس، وشعور بضياع الهوية في الوطن. وعلى الجانب الآخر، كانت المهرجانات والأغاني الشعبية قد بدأت دائرة انتشارها تتسع، لتسيطر على المشهد الغنائي بدرجة كبيرة، وتجذب اهتمام أبناء مختلف الطبقات والشرائح الاجتماعية، بعد أن كانت مقتصرة بالدرجة الأكبر على فئة معينة، لاتصالها بشكل أعمق بها، وبهمومه.​ 

كايروكي.. من التفاؤل إلى الهدنة

بعد الإطاحة بحسني مبارك، وقد بدا أن ثورة الـ18 يومًا قد انتصرت، غنى مطرب فريق كايروكي، أمير عيد، أغنية "صوت الحرية"، ليصف فيها شعور المصريين في ميادين الاعتصامات، ناشدين الحرية. ثم أطلق أغنية "يا الميدان"، وكان بمثابة مناجاة للميدان الذي أطلع العنان للمصريين بعد سنوات من القمع. كانت أغنية تفاؤلية، تمدح في ميدان الثورة، وتستشرف مستقبلًا أفضل انطلاقًا منه. 

وظل الوضع في تفاؤله فترة قصيرة، قبل أن تنعكس الأجواء السياسية المشحونة بالاستقطاب، ثم القتل والاعتقالات على الهوية السياسية؛ على أغانيهم، فظهرت أغنية "ناس بترقص وناس بتموت"، كما صرخَ المطرب في وجه النظام الذي جاء بعد الثالث من تموز/يوليو 2013، بأغنيته "آخر أغنية"، التي كانت بمثابة صوت الغضب الأخير تجاه حالة القمع التي عرفتها البلاد: "لو دي آخر أغنية ليا.. هفضل أغنية عن الحرية".

ثم مرت سنوات قليلة، وجاء آخر ألبومات كياروكي حتى الآن، مشتبكًا أكثر مع الأوضاع الاجتماعية، وصراع الفرد في المجتمع، ومع المجتمع، وفقدان الهوية بالنسبة لكثير من الشباب المصري. وغنّى عن الطريق الذي أصبح "شمال في شمال".

هكذا إذن، وكنموذج عن فرق الغنائية الشبابية في مصر، كانت مراحل عبورهم على المشهد المصري، وفي المشهد المصري، من الثورة والحلم، إلى الغضب، انتهاءً ببعض اليأس، أو "الهدنة".

حمو بيكا

بدأ صدى الأغاني الشعبية والمهرجانات يعلو بعد ثورة يناير. وظهرت الكثير من الفرق، بأسماء مميزة: "المدفعجية" و"8%" و"شبيك لبيك" و"الدخلاوية"، وغيرها. وبرزت أسماء نجوم في سماء الأغاني الشعبية، أبرزهم، أو بالأحرى أقدمهم: "السادات" و"فيجو" "فيفتي" و"عمرو حاحا"، و"أوكا" و"أورتيجا" وأخيرًا حمو بيكا ومجدي شطة، وغيرهم الكثير.

لم تبرز تلك الأسماء والفرق بين كل شرائح الشعب المصري في بدايات ظهورهم، لأن الغالبية منهم نشأت فيما تسمى بـ"الأحياء الشعبية"، وهي العشوائيات والمناطق الأكثر فقرًا في مصر. وأغلبهم كانوا يحترفون مهنًا يدوية مثل النجارة والحدادة وخلافه. وكثير منهم أيضًا لم يكملوا تعليمهم. ومنهم، مثل حمو بيكا، أُميٌّ لا يقرأ ولا يكتب.

وفي حين خرجت أغاني الأندرغراوند من الشارع أيضًا، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، كذلك خرجت أغاني المهرجانات من الشارع، مع اختلاف الشارعيين؛ فالمهراجانات خرجت من شوارع الحارات الشعبية، وأزقة العشوائيات. من على مسارح الأفراح الشعبية وحفلاتهم البسيطة. 

وفي انتشرت أغاني فرق الأندرغراوند بشكل أساسي عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فإن أغاني المهرجانات، انتشرت عبر وسائل المواصلات الشعبية. لكن ما حدث أنه في السنوات القليلة الأخيرة، اتسعت دائرة انتشار أغاني المهرجانات، والتي هي بمثابة الأغاني الأندرغراوند للون الشعبي في الغناء. اتسعت دائرة انتشارها، لتحتل جزءًا كبيرًا على مواقع التواصل الاجتماعي.

ومن الحارات الشعبية وسكانها، خرجت أغاني المهرجانات لتفرض نفسها في كل مكان. وتفاعل بعضها مع الأحداث السياسية، كما الحال في مهرجان "أنا نفسى في ريس" لفيجو والسادات وفيفتي، والتي أصدروها قبل انتخابات الرئاسة عام 2012، والتي غنوا فيها أمانيهم بتحقيق مطالب الثورة من الحرية والعيش والعدالة الاجتماعية: "الثورة مستمرة.. وهتفضل مصر حرة". ولم يخفوا فيها موقفهم السياسي الداعم لخالد علي الذي كان مرشحًا لتلك الانتخابات.

وفي حوار معه، قال مغني المهرجانات، السادات، إن رسالة أغاني المهرجانات في رأييه، التعبير عن فئة كبيرة من المصريين، الأكثر تهميشًا، ووصف أوضاعهم المعيشية

فن هابط أم مجتمع هابط؟

على الرغم من انتشار كلمات وموسيقى المهرجانات بين فئات كبيرة من الشارع المصري، إلا أنها لا زالت تلاقي معارضة وهجومًا كبيرًا، يتصدر مشهده بشكل أساسي موسيقيين تقليديين، يصفون المهرجانات بأنها من أسباب "تدني الذوق العام"، مشيرين إلى الكلمات التي تصف واقعًا مستقرًا في قاع المجتمع المصري، يبدو أنهم يفضلون التغاضي عنه من أجل "الحفاظ على الذوق العام".

وفي حين يُصر المعارضين للمهرجانات على أنها "فن هابط"، و"إسفاف" وانحدار بالذوق العام"، يرى المؤيدون، وعلى رأسهم نجوم المهرجانات أنفسهم، أنهم لسان حال المهمشين في المجتمع المصري، أبناء طبقات القاع، الذين يغنون لهم وبطريقتهم. يُعبرون عن همومهم، ويصفون أحوالهم، بعيدًا عن المتطلبات "الأخلاقية" للطبقات العليا، المحافظة، في المجتمع المصري، والتي تغذي تصوراتها سياسات الدولة تجاه ما تسميه "الذوق العام"!

اشتبكت أغاني فرق الأندرغراوند مع هموم الشباب المصري في وقتٍ ما، حين هبط الزخم الثوري إلى المجتمع، وبدأ في تفكيك أنماط العلاقات التقليدية فيه، وبدأت حالة عامة من محاولات التحرر، والانفكاك من القيد الاجتماعي التقليدي، تظهر، وبقوة. كانت أغاني الأندرغراوند حينها معبرة بشكل كبير عن فئة جمهورها، قبل أن تتماهى بدرجة ما مع شروط الإنتاج الفني الاستهلاكي، ومؤسسات الإنتاج الفني الرأسمالية.

في المقابل، انطلقت المهرجانات من أعمق الأماكن المصرية، عمقًا اجتماعيًا واقتصاديًا، جعلها على الهامش دائمًا، وظيفيًا وطبقيًا. وعبّرت عن هذا الهامش، وإن ليس بالكلمات، فحتى بالتخبط البادي أحيانًا كثيرة في هذه الكلمات، وبطريقة الأداء، وبالتعبيرات المستخدمة، وأيضًا بالسلامات التي عادةً ما تنتهي بها هذه المهرجانات.

يحاجج المؤيدين للمهرجانات بأنها إن كانت توصف بـ"الفن الهابط" فهي ليست إلا انعكاسًا لظروف "هابطة" يعيشها ملايين المصريين

كذلك فإن غناء المهرجانات، يمثل فرصة للصعود الطبقي لشباب المناطق الشعبية والعشوائية. وهو صعود لا يتجاوز عادةً حدود الطبقة نفسها، لكنه يفرص صيتًا اجتماعيًا وثقافيًا يثري أصحابه ماديًا، ويحققهم اجتماعيًا.

ويُحاجج المؤيدين لوجود لون كالمهرجانات والأغاني الشعبية الحديثة، بأنها وإن كانت كما توصف بـ"الفن الهابط"، فهي على الأرجح ليست إلا انعكاسًا لظروف "هابطة" يعيشها عشرات ملايين المصريين.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مصر.. الشعب من دون قيمه

إبداع الأميين.. كيف أنعش البسطاء الثقافة المصرية؟