01-مارس-2018

من الحرب العراقية - الإيرانية

"تجب معاملة أسرى الحرب معاملة إنسانية في جميع الأوقات، ويحظر أن تقترف الدولة الحاجزة أي فعل، أو إهمال غير مشروع يسبب موت أسير في عهدتها". بهذا النص من اتفاقية جنيف الثالثة، يفتتح الكاتب والصحافي قيس حسن كتابه "جبنة في علبة كبريت" (دار سطور، بغداد 2017).

يكشف قيس حين في كتابه الجديد عن تحويل الأسرى العراقيين إلى دعايات من قبل السلطة وأقطابها

كتاب "جبنة في علبة كبريت" الذي جاء على شكل سيرة لثلاث ضحايا نجوا من الأسر بعد الحرب العراقية – الإيرانية، يعودون إلى العراق في 18 آذار/مارس 2003 ليواجهوا حربًا أخرى في صباحاتهم الأولى، يعدّ وثيقة رسمية تدين النظام الإيراني وتزيل عنه جلباب الإسلام الذي يتوشح به. الإسلام الذي أوصى بعدم إيذاء الشجر، تحول في مكائن فقهاء السلطة إلى غاية لمسخ البشر وتحويلهم إلى أشخاص أُخر تمامًا إذا لم يعدوا يشعرون بوجودهم وإنسانيتهم.

اقرأ/ي أيضًا: نهاية الشيطان الأكبر

ترجع تسمية الكتاب إلى حادثة شهيرة يفتعلها أحد الأسرى الذي كان مكلّفًا من قبل إدارة المعتقل بتوزيع وجبات الطعام فأراد ان يصنع "مقلبًا" بزميل له، فوضع وجبته من الجبن في علبة كبريت فارغة وجدها بالصدفة في ساحة المعتقل، وحين انتهى من توزيع الجبن لم يجد صديقه حصته فتحول السؤال عن الجبنة إلى شجار، اذ اتهمه صديقه بأنه سرق منه جبنته، وحين ارتفعت أصواتهم مدّ المسؤول عن توزيع الطعام يده إلى علبة الكبريت، ورفعها صائحًا بصوت مخنوق بالعبرات: "هذه قطعة الجبن.. هذا هو فطورنا من دون علبة الكبريت من سيصدق أقوالنا".

تمثّل سيرة الأسرى الثلاث واقع كل الجنود العراقيين الذين وقعوا في الأسر إبان تلك الحرب، فهم بين فكين، الأول يبطش بهم وبعوائلهم إذ لم يلتحقوا بالحرب، والثاني يدّعي الإسلام وتطبيق تعاليمه، وهو أشد بطشًا وتعصبًا من النازية لعرقها الآري! يعاملون الضحية كجلاد على الرغم من أنه يشترك معهم بنفس الإسلام والمذهب.

يكشف الكاتب قيس حسن عن تحويل الأسرى العراقيين إلى دعايات من قبل السلطة وأقطابها، حيث إنهم قبل أن يستقلوا القطار أُمر كلُّ أسير برفع صورة الرموز الدينية كانت قد وزعت بينهم. وثقت الكاميرات صور الزعيم الديني وهي تلف صدور الضحايا. المكر الايراني جعلهم أداة للدعاية، على الرغم هناك الكثير من الجرحى لم يمدّ أي شخص يده لمساعدتهم، إلى درجة أنه مات الكثير منهم في القطار الذي يحمل 1282 أسيرًا.

من جانب آخر، استغل النائب الإيراني نادر قاضي بور الأسرى أيضًا، لكن هذه المرة ليس بحمل الصور، بل بالقتل حيث تحدث أثناء حملته الانتخابية أمام الجماهير: "واجهنا حوالي 600-700 أسير، استسلموا جميعهم لم تكن لدينا إمكانية لحفظهم وكنَا مجبورين أن نتخلص منهم... من أن أجل الاسلام والثورة والشهداء". ص 71

جبنة في علبة كبريت

"الله أكبر يا علي.. الإسلام كتلونا" شعار ردّده الاسرى بعد أن أطلق أحد حراس السجن النار على أحد الأسرى وفتت رأسه بدون أي سبب (ص83) بعد الحادثة تم نقلهم إلى معتقل "بالة" زج فيه ما يقارب 120 أسيرًا في حين أنه لا يستوعب أكثر من 50 شخصًا.

التغوط في العراء هذا عنوان أحد فصول الكتاب حيث يذكر: "بعد أن أخرجوهم من بالاتهم اجلسوهم على شكل دائرة وأحاط بهم الجنود من مسافة تسمح لهم بالمراقبة، قالوا لهم هذه هي دورة المياه من يرد فليستخدمها، ومن يستح فليتنحَ جانبًا، وعليكم أن تعرفوا أن من يرفض لن يخرج مرة أخرى إلا يوم غد".

بعد أن قام الأسرى العراقيون بالإضراب عن الطعام كان تعاطف الجلاّد الإيراني على هذا النحو: "من يموت منكم اخرجوه لنا كي ندفنه"

الكثير منهم رفضوا التغوط في دورة مياه في العراء حيث التقزز من أنفسهم وبالخزي من أجسادهم في مشاهد تكشف حجم الوحشية وغياب الإسلام من صدور الجلادين!

اقرأ/ي أيضًا: جعفر مدرس صادقي.. كوابيس نهر "زاينده"

في معتقل "ما زدون" كانت هناك طريقة طبخ الطعام مبتكرة، حيث يغسل الطباخ البطاطا ويضعها في قدر كبير ثم يرتدي جزمة نايلون كبيرة من التي تستخدم في الأوحال ويدوس البطاطا بأقدامه، ثم يضعها في قدر الطعام! بعد أن قام الأسرى بعملية الإضراب عن الطعام كان تعاطف الجلاد الإيراني يأتي بهذا الشكل: "من يموت منكم اخرجوه لنا كي ندفنه" (ص143). كثيرون ماتوا في "ميانه" بعد اصيبوا بالشيزوفرينيا وبالشلل والجلطة الدماغية.

في الفصل الاخير الذي جاء بعنوان "التَّوابين"، يبين الكاتب وجهًا آخر للاستغلال بعد أن انتهت الحرب أصبح هنالك شعار "تصدير الثورة"، وكان العراق أول مستقبل لهذا التصدير، وبما أن المعارضة كانت أعدادهم قليلة فقد استخدموا مبدأ "العصا والجزرة"، فشدّدوا الخناق على الأسرى لدفعهم نحو الخروج من المعتقلات والانضمام إلى أحزابهم، وهؤلاء شكّلوا الأكثرية العددية التابعة للأحزاب الإسلامية اليوم.

 

اقرأ/ي أيضًا:

إيران.. "إمبرياليَّة" الوليّ الفقيه

ولادات من رحم الحروب