10-يناير-2017

الشيخ سامي خضرا أحد أكثر مقدمي البرامج جدلًا على قناة المنار (يوتيوب)

تتجاوز قناة "المنار" تبعيتها. فهي تكاد تكون مرجعية "حزب الله" لا العكس. وصورة أبوية عن تصوراته وقيمه، ومنظومته الأيديولوجية. فما تقتضيه "التعبئة" يقدم دور القناة الى الواجهة، وما تعلنه بموجب مراسيم حزبية صارمة، يعطيها هذه المرجعية، أمام جمهورها، الشيعي أولًا، و"الممانعجي" ثانيًا. وتصبح في حالة بثها وبرمجتها المفترضة، أكثر من أداة حزبية، يمكن الإمعان في وظيفتها الدعائية. هي من دون أدنى شكّ صورة لمجتمع يفرض تمدده في الدولة اللبنانية، ويحوله إلى نموذج شبيه بتطلعات الثورة الخمينية. مجتمع خانع ومؤمن بقدره، ومتجاوز لدولة القانون اللبناني وانتمائه الأول. مجتمع يرى في دولة "ولاية الفقيه" حلمه، ويستميت من أجله.

قناة "المنار" مرجعية للحزب ولجمهوره وسلاح معلن لتبرير أفعاله وقتله للمدنيين في سوريا

وليس محاولة علي الزين، وهو أحد مقدمي البرامج الصباحية، فرض رأيه كمرجعية دينية وبشكل تشبيحي، إلًا مثالًا صارخًا عن ممارسة "التشنيع" الإعلامي، كذراع أمنية وسلطة فارضة في مجتمع الحزب وبيئته الحاضنة وأيضًا في بيئات لبنانية أخرى. فالشاب، الذي سمح لنفسه على "فيسبوك" بتهديد من يفكر في إقامة حفلات غناء أو الاحتفال برأس السنة في الجنوب، وكتب على حسابه الشخصي على "فيسبوك"، "إقليم التفاح خطّ أحمر. مش مسموح أبدًا الأرض الي ما نشف دم شهدائها مش بس دفاعًا عن الأرض وكمان دفاعًا عن القيم والأخلاق، مش مسموح ينزرع فيها إعلان لراقصة ولأكل هوا ولأوسخ أساليب #الحرب_الثقافية"، ردًا على إعلان في إحدى المناطق الجنوبيّة اللبنانية، يعود لحفل غنائي.



وكرر فعلته مرارًا، حين وصف أن المرأة يجب أن تكون وظيفتها في المطبخ. وهذه النظرة الدونية إلى المرأة، مكرسة في "المنار". فالمقدمات عابسات صارمات وليس لديهن أي دور، هن فقط، في آلية ذكورية، تفرض آراء عليا. وفي أحد البرامج الدينية، تستضيف فتاة محجبة رجل دين، شيعي، تؤيده في كل آرائه وتساعده على إظهاره كمحاور بريء، وهي تثبت معه ذكورية مطلقة. فرجل الدين يقول إن المرأة يجب أن لا تخرج من دون إذن رجل ولا تعمل، إلا في المنزل، وهي يجب أن تؤدي رغبات زوجها ويمكن معاقبتها. وتومئ الفتاة المحجبة أمامه بالإيجاب وتستفسر أكثر للغوص في قمع المرأة بنصوص دينية وأحاديث وفقه لا يخلو من الإذلال واحتقار النساء.

وحين نتحدث عن جمهور "الحزب"، فنحن طبعًا، نشمل فيه سنتّه من محبي "الشبيحة"، واليساريين من مبجلّي "جرائم" دكاتور دمشق، والمسيحيين المؤمنين بورقة التفاهم، التي وقعها أمين عام "حزب الله" مع ميشال عون، أي أولئك الذين لا يرون في تدخل الحزب في الحرب السورية، إلا انتصارًا لهم. انتصار شخصي، تتحمل "المنار" في إظهاره لنا، كأنه أكثر "فائدة" من الانتصار على العدو الصهيوني.

اقرأ/ي أيضًا: ما هو أبعد من إيقاف "المنار"!

فتجدد في نشراتها الإخبارية، عهدها في توصيف الجرائم اليومية في سوريا، وقتل الأطفال و"تعفيش" ممتلكات المهجرين، على أنها "انتصارات" ستؤدي حتمًا طريقها إلى القدس. فالمنار، كولي فقهها، تقول لجمهورها إن القدس تمر في سوريا حتمًا، وإلا فلماذا نرسل مراسيلن حربيين، إلى حلب وإدلب والقصير وحمص، ونكون أول قناة لبنانية، تحصل على "سكوبات" في الصف الأول مع الجيش النظامي السوري؟.

اعتماد "المنار" أولوية الخبر السوري واليمني، في مقدمات نشراتها وفي أجزائها الأولى، ما هو إلا تأكيد أنها أكثر من وسيلة إعلامية لبنانية، هدفها تقديم الخبر اليقين إلى الجمهور. هي أحد المتاريس الحربية الموجهة، وللإفادة، هي بيان أول ونهائي عن وجهة حزب الله، وما يريده من الداخل اللبناني والخارج العربي والغربي. رسائله وأمنياته وأحلامه تمر في "المنار". من أقل البرامج اهتمامًا إلى أكثرها ثقلًا. ففي البرمجة، لا بد أن يكون السياق، معدًّا لخدمة الأفكار والتجييش المذهبي أولًا، بدءًا من اليمن وانتهاءً بالعراق.

صورة المرأة عبر قناة "المنار" صورة خاضعة وتابعة للرجل ولرغباته

ويأتي مشروع "المنار" كأحد أهم أذرع الحزب، في توجيه رأيه العام وتضليله. لا بل إقناعه أن موت شبابهم في "المذبحة السورية" إلهي، ولا بد من الإيمان بالقضاء والقدر. وتعمد "المنار" في أجندتها، على تقديم أيديولوجياتها بشكل يومي. فبرامج الأطفال أيضًا لا تخلو من الوازع الديني، وبرامجهم الترفيهية لا تعدو كونها صورة عن الترفيه المعترف فيه في حدود مجتمع الحزب، أي ترفيه مقنن، باهت ورمادي. وفيه احتقار لفكرة التسلية.

فكل فرد في مجتمع الحزب، هو فرد مؤهل ليحوز على درجة الشهادة. والشهداء المفترضون، رجال أشداء، لا يحبون لهو الحياة الدنيا، وجل مسلسلاتهم الاجتماعية، هي إيرانية مدبلجة. وتنقلها المنار بصيغة دينية، فهي تحكي عن مجتمع يعيش تحت وطأة ثورة إسلامية، تستلهم أفكارها من ولاية الفقيه. إذًا، الجمهور اللبناني لا يهم. في لاوعي المنار، جمهورها رعايا إيرانيون في مجتمع لبناني، يعملون على تحريره بسلطة السلاح طورًا، وبسياسة الإكراه أطوارًا أخرى. في العموم، تحتاج تجربة المنار إلى قراءة نقدية بحتة، فمنذ انطلاقها في العام 1991، تثير جدلًا في تحولها إلى واحدة من أسلحة حزب، يمارس على لبنان وسوريا، القتل العلن.

اقرأ/ي أيضًا:

حزب الله.. وداعًا لسيارة "الفولفو"

كيف يمول حزب الله عملياته عبر تجارة المخدرات