27-أبريل-2018

الجنرال خورخي فيديلا خلال حفل افتتاح كأس العالم (Getty)

تمخّض عن اجتماع الفيفا الذي عُقد في لندن عام 1966 منح الأرجنتين حق استضافة النسخة الحادية عشرة من كأس العالم عام 1978، وجاء ذلك بعد انسحاب المكسيك التي ضمنت فوزها باستضافة النسخة التاسعة عام 1970، حيث عانت الأرجنتين كثيراً كي تحظى بهذا الشرف، فعزفت عن المشاركة  بالنهائيات خلال أربع نسخ "الثانية والثالثة والرابعة والخامسة" ردّاً على عدم منحها ما وجدته حقّاً لها في الاستضافة.

وكما هو واضح كان بين إعلان منح الأرجنتين الاستضافة ووقت انطلاق البطولة 12 عاماً، وفي هذه الفترة انقلبت أمور البلاد رأساً على عقب، ففي عام 1976 جرى انقلاب عسكري في البلاد تولّى على إثره الجنرال خورخي فيديلا الحكم، فكان ما يجري في الأرجنتين بالغ الخطورة، إذ زُجّ بعشرات الآلاف  في السجون وتم نفي وقتل الآلاف من المعارضين ومن يشتبه بمعارضتهم السلطة الحاكمة القمعية بقيادة فيديلا.

رغم مطالبة أغلب الدول حرمان الأرجنتين من استضافة البطولة بسبب نظامها العسكري ساند جواو هافيلانغ الأرجنتين بكل ما أوتي من قوّة

بعد أن قتلت سلطة الانقلاب الرجل المشرف على ملف استضافة المونديال كارلوس عمر أكتيس أرادت أن تجعل من كأس العالم دعاية مجّانية لحكمها، وإقراراً من الدول المعادية لشرعيّتها. ورغم الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها البلاد، والحالة الأمنية والسياسية والإنسانية المتردّية عيّن الجنرال فيديلا زميله الأدميرال ماسيرا رئيساً للجنة المنظمة، وهنا عارضت أغلب دول العالم استضافة الأرجنتين للحدث، ونادت بسحب ملف الترشيح منها ومنحه لدولة أخرى، فبغضّ النظر عن الأوضاع المأساوية التي يعيشها الشعب الأرجنتيني كان من الصعب جدّاً الحفاظ على أمن اللاعبين الضيوف. وهنا تدخّل رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم البرازيلي جواو هافيلانغ وساند الأرجنتين بكل ما أوتي من قوّة كي تحافظ على حقّها بتنظيم البطولة.

حفل افتتاح البطولة

كانت البلاد تعاني من أزمة اقتصاديّة جعلتها تحتل المرتبة الأولى في العالم من ناحية ارتفاع نسبة التضخّم، ورغم ذلك خصص الجنرالات أكثر من 700 مليون دولار من أجل تنظيم الحدث، وأتى ذلك على حساب الشعب الفقير الذي هدمت الحكومة أحياءه الفقيرة التي لا ترغب أن يراها الضيوف، ونقلت آلافاً منهم للعيش في الصحراء. ومن أجل إظهار البلاد الموشّحة بالدماء بحلّة بهيّة بنت الحكومة جداراً عازلاً يخفي آثار المنازل التي هُجّر أهلها، وتم تلوين هذا الجدار بالرسومات المتعددة، فبات اسم هذا الجدار لاحقاً "جدار العار"، وكان شعار البطولة 25 مليون أرجنتيني ينظمون بطولة كأس العالم، ولكن الواقع أثبت أن الشعار الحقيقي "25 مليون أرجنتيني سيدفع تكاليف كأس العالم"، كما نقلت حكومة الجنرالات معسكرات الاعتقال المكتظّة بعشرات الآلاف من الأرجنتينيين إلى مناطق بعيدة نائية أو إلى سفن لنقل البضائع.

تميمة الكأس

كان من المهمّ للجنرال فيديلا نجاح بلاده بتنظيم البطولة وتتويج ذلك بفوز بلاده بكأس العالم، ولم يكترث بحضور نجم فريق ما أو عدمه، بل أراد أن تشارك الفرق المتأهلة كافّة، وإن غاب أحد نجومها فسيخدم ذلك فريق بلاده وسيمهّد طريقها للفوز باللقب، إذ وجّهت الصحافة الهولندية آنذاك تهمة للمخابرات الأميركية في تهديد أبرز نجوم كرة القدم العالم بالقتل أو الاختطاف إن أرادوا الذهاب إلى المونديال، ونُسبت هذه المزاعم إلى العلاقة الجيدة بين وزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر ويده اليمنى في أمريكا الجنوبية الجنرال فيديلا، ورغم عدم إثبات هذه المزاعم إلا أن التاريخ يؤكّد على غياب أبرز نجوم منتخب ألمانيا الغربية الفائز بالنسخة السابقة عام 1974 عن المونديال، وهم جيرد مولر وفرانز بيكنباور وبول برايتنر وآخرون.

كذلك صدم النجم الهولندي يوهان كرويف عشاق كرة القدم في العالم عندما أعلن عن عدم سفره للأرجنتين لأسباب أمنية، وهنا تدخّلت ملكة هولندا كي تثنيه عن قراره فردّ على ذلك بإعلانه اعتزال كرة القدم نهائيّاً قبل أن يعود عن قراره مع نهاية المونديال، ويعود الفضل بتأهل فريق الطواحين إلى النهائيات إلى كرويف نفسه عندما قاد فريقه للفوز على بلجيكا في المباراة الفاصلة 2-0، فلماذا عزف نجم الفريق الأول عن المشاركة، وهل كان نظام الحكم في الأرجنتين سبباً في ذلك؟.. يصعب الإجابة عن هذا السؤال سيّما وأنه كان يلعب آنذاك في برشلونة خلال فترة لا تقلّ الأوضاع السياسية في إسبانيا سوءاً عن الأرجنتين.

تدخّلت ملكة هولندا كي تقنع كرويف بالمشاركة في كأس العالم، لكنه رفض وأعلن اعتزاله كرة القدم، وعاد للّعب بعد نهاية البطولة

رغم إفشاء يوهان كرويف لبعض الأسرار بعد ذلك بأعوام عندما أكّد في حوار تلفزيوني أنه تعرّض للخطف هو وأسرته قبل انطلاق كأس العالم بأشهر، حيث تم تقييده هو وزوجته وتوجيه البندقية نحو رأسيهما، قبل أن يلوذ بالفرار وفق روايته، لم تقنع هذه الرواية غير المكتملة أنصار فريق الطواحين، وينسب البعض عزوف كرويف عن اللعب في كأس العالم إلى فضيحة مقال صحيفة بيلد الذي كاد أن ينهي علاقته مع زوجته، حيث أكدت الصحيفة عشيّة المباراة النهائية لكأس العالم 1974 أن كرويف وبعضاً من زملائه كانوا يسبحون مع فتيات عاريات في حوض استحمام، ما أثار حفيظة زوجة كرويف التي طالبت بالانفصال عنه، فعاهدها كرويف المعروف بحبّه لزوجته أنه لن يبتعد عنها أكثر من 72 ساعة، أي لن يسافر مع فريق بلاده خارج القارّة.

ملعب المونيمينتال في بيونيس آيريس

على أنقاض البيوت المهدّمة، وفوق عظام المقابر الجماعية التي خلّفها الحكم العسكري، وخلال الساحات العامة التي امتلأت بالمتظاهرين الذين تمّ قمعهم وتجميعهم بمعسكرات اعتقال بعيدة، ستنطلق النسخة الحادية عشرة من كأس العالم في الأرجنتين عام 1978 بغياب أبرز نجوم كرة القدم في العالم، فما هي أبرز تفاصيل التصفيات المؤهلة للمونديال، وكيف ستستقبل الأرجنتين ضيوفها وما هي أبرز نتائج دور المجموعات؟

تابعونا في الجزء القادم من قصة كأس العالم 1978..