28-ديسمبر-2015

دفع حياته ثمنًا لهدفٍ واحد (راوول أربيلودا/أ.ف.ب/Getty)

تحكم عالم المستديرة الخضراء موازين عديدة فنية وتقنية ومالية وتكتيكية وسياسية، وينصب العمل الجماعي الضخم في سبيل الشيء الوحيد الذي تعترف به اللوحة التي تُعلن عليها النتيجة في نهاية المباراة وهو الأهداف. لذلك فإن النجومية غالبًا ما تظهر في الخطوط الأمامية -الهجومية- للفرق وتعتبر الفعالية التهديفية أفضل مقياس لها. إلا أن لتسجيل الأهداف وجهًا آخر يحكمه ميزان الحظ في كرة القدم ويتمثل هذا الوجه بما يُسمّى "الهدف العكسي" وهو الذي يمكن تعريفه باللحظة التي يُسجل فيها اللاعب في مرمى فريقه عن طريق الخطأ، إلا أنّ ثمن هذا الخطأ قد يكون خسارة مباراة ودية أو قد يتسبب في قتل اللاعب المتسبب بالخطأ.

في عام 1994 كتب كابتن منتخب كولومبيا آندريه إسكوبار في جريدة "بوغوتو إل تيامبي" : "الحياة لا تنتهي هنا، علينا المضي قدمًا، مهما كان الأمر صعبًا علينا مساندة بعضنا البعض. تحياتي الحارة للجميع. كانت تجربة رائعة، سنلتقي قريبًا لأن الحياة لا تنتهي هنا". هذه الكلمات كانت آخر الكلمات في حياة اللاعب ذي الـ21 عامًا. فكابتن المنتخب الكولومبي القوي الذي تنبأ بيليه بأنه سيصل إلى نصف نهائي مونديال 94، لم يُحسن التصرف مع الكرة العرضية المتجهة نحوه وسجل في مرمى فريقه في المباراة الثانية في الدور الأول لتخسر كولومبيا بنتيجة 2-1، وتكون هذه الخسارة سببًا رئيسيًا بمغادرة كولومبيا المبكرة لمونديال إيطاليا.

لم تشفع كلمات إيسكوبار الذي قرر العودة مباشرةً إلى كولومبيا الخطأ الذي ارتكبه فقتل بالرصاص

لم تشفع كلمات إيسكوبار الذي قرر العودة مباشرةً إلى كولومبيا الخطأ الذي ارتكبه، وكان الثمن الذي دفعه في الثاني من تموز عام 1994 عند الساعة الثالثة فجرًا، أي بعد عشرة أيام من هدفه العكسي، رصاصات اخترقت جسده في أحد مواقف السيارات بجانب ملهى ليلي في مسقط رأسه في مدينة ميديلين. وأشارت التحقيقات إلى أن تنفيذ الجريمة تم على يد إحدى العصابات وقد صرخ أحد أفرادها في وجهه مذكرًا إياه بالهدف العكسي قبل إطلاق النار عليه.

يُعد مقتل "إيسكوبار" أفظع ما تعرض له لاعب قام بالتسجيل في مرمى فريقه، فالهدف العكسي يُشبه الرصاصة العكسية وقد يكون مُدمّرًا لعمل موسم كامل. لقد كان "ديبورتيفو ألافيس" الإسباني فريقًا مغمورًا صاعدًا من الدرجة الثانية حين فاجأ الجميع وفاز على برشلونة ذهابًا وإيابًا واحتل المركز السادس في الدوري ضامنًا التأهل إلى كأس الكؤوس الأوروبية. وتكلل هذا العمل الدؤوب بوصول الفريق إلى نهائي كأس الكؤوس في عام 2001 ليواجه نادي ليفربول الإنجليزي. وبعد انتهاء الوقت للمباراة المجنونة بالتعادل بنتيجة 4-4 وعودة فريق ألافيس من تأخّر بنتيجة 3-1، كان نظام "الهدف الذهبي" هو القائم. ورغم ما قدمه الفريق الإسباني خلال عامين من الإنجازات جاءت الدقيقة 116 لتحكم تغير المسار التصاعدي للفريق، حيث حول اللاعب دلفي جيلي إحدى الكرات العرضية برأسه ليسجل في مرمى فريقه هدفًا "قاتلًا" كان كافيًا ليتوج نادي ليفربول بالثلاثية حينها، ويؤدي إلى تراجع نادي ديبورتيفو ألافيس الذي عاد إلى الدرجة الثانية في الموسم التالي ولم يغادرها.

يشكّل الهدف العكسي المتعارف عليه خطأ عاديًا، إلا أنه كأي خطأ قد يكون مقصودًا، وأفضل مثال على ذلك هو ما حدث في "دربي بوليا" في الدوري الإيطالي في عام 2011، حين انتظر لاعب فريق باري أندريا مازيللّو حتى الدقيقة 70 لينقل تسديدة لفريق ليتشي إلى شباك فريقه، وأظهرت التحقيقات بعدها أن مازيللّو قبض ثمن هذا الهدف خمسين ألف يورو حيث كان واحدًا من اللاعبين الذين قاموا بالتلاعب بالنتائج وكان قد ساهم ببقاء ليتشي في أندية الدرجة الأولى وأدى إلى إيقاف مازيللّو عن اللعب لستة وعشرين شهرًا.

كان للمافيا في إندونيسيا دور رئيسي في تسجيل 5 أهداف عكسية في مباراة واحدة وفي 4 دقائق فقط

بعيدًا عن إيطاليا ومافياتها المالية، كان للمافيا في إندونيسيا دور رئيسي في تسجيل خمسة أهداف عكسية في مباراة واحدة وفي أربع دقائق فقط. حدث ذلك في المباراة التي جمعت فريقي سيمارانغ وسليمان حيث حاول الطرفان خسارة المباراة لتفادي لقاء فريق بورنيو المدعوم من المافيا المحلية، وبدأ في الدقيقة 86 كل فريق بالتسجيل في مرماه لتنتهي المباراة بفوز سيمارانغ بنتيجة 3-2، وجاء قرار الاتحاد الإندونيسي ليستبعد الفريقين من المسابقة بسبب محاولتهم الخسارة عمدًا.

يحمل الهدف العكسي العديد من المبررات والأسباب، لكنه في الحالات العادية خطأ إنساني يقوم به لاعب يكون على كاهله ضغوطات ضخمة من جماهير قد ترفعه إلى المجد حينًا وقد تقتله حينًا آخر.

اقرأ/ي أيضًا:
رحيم ستيرلينغ.. قنبلة أم مجرد رصيد بنكي زائد؟
بوفون ودوناروما.. تسلم وتسليم