أيام قليلة تفصلنا عن انطلاقة مونديال البرتقالية، كأس العالم لكرة السلة في نسختها التاسعة عشرة، والتي تقام وسط استضافة ثلاثية من اليابان والفلبين وإندونيسيا، خلال الفترة من 25 أغسطس/آب إلى 10 سبتمبر/أيلول المقبل، حيث ستشهد البطولة مشاركة 32 فريقًا من بينها ثلاثة منتخبات عربية هي مصر و لبنان، والأردن.
استضافة هي الثالثة في تاريخ القارة الصفراء بعد الفلبين 1978 والصين 2019، وفيها تعود كأس العالم الى مانيلا بعد خمسة وأربعين عامًا، في بلد يعشق شعبها كرة السلة بشكل جنوني وهو الذي حقق افضل انجاز في تاريخ الفرق الاسيوية، بحلوله ثالثًا في النسخة الثانية بالبرازيل عام 1954
ولادة الفكرة
بالرغم من أن النسخة الأولى من مونديال البرتقالية تعود الى الارجنتين عام 1950، إلا أن بطولة دولية لكرة السلة قد أقيمت في القارة الأميركية الجنوبية عام 1930 بعد قرابة أربعين عامًا من اختراع اللعبة عبر الدكتور جيمس نايسميث، بعدها بعامين تأسس الفيبا، أو الاتحاد الدولي لكرة السلة، وفي عام 1935 أقيمت أول بطولة أوروبية، وفي عام 1936 أصبحت كرة السلة في برلين لعبة اولمبية، و مع اندلاع الحرب العالمية الثانية توقفت اللعبة في أوروبا و استمرت في اميركا الجنوبية، قبل أن تعود مجددًا في أولمبياد لندن 1948، ويجتمع كونغرس الفيبا في لندن و يقرر إقامة كاس العالم لكرة السلة مرة كل 4 سنوات بين كل بطولة دورة ألعاب أولمبية، و في عام 1949 فازت مصر ببطولة أوروبا لكرة السلة في انجاز تاريخي، و حلت خامسة في أولى نسخ المونديال بعدها بعام في بلاد التانغو.
وعلى مدار 18 نسخة سابقة، توجت يوغوسلافيا والولايات المتحدة الأميركية باللقب خمس مرات لكل منها، كما توج الاتحاد السوفييتي باللقب ثلاث مرات، أما البرازيل وإسبانيا فنالت كل منها اللقب مرتين، وأخيرا بلاد التانغو مرة واحدة. كما شهدت البطولة في نسخها الثمانية عشرة ظهورًا عربيا من مصر لبنان الجزائر قطر الأردن و تونس.
النسخ الأولى.. سيطرة أميركا الجنوبية (1950-1963)
في الوقت الذي كانت تتعافى فيه الدول الأوروبية من أثار الحرب العالمية الأولى ، كان أول عقدين من عمر مونديال البرتقالية ينبض نبضًا لاتينيًا، فنسخ البطولة أقيمت حتى عام 1970 على أراض لاتينية احتكر اللاتينيون ألقابها إلى عام 1967، باستثناء النسخة الثانية.
النسخة الأولى عام 1950 أقيمت في بلاد التانغو الارجنتين ، وتوج أصحاب الأرض باللقب العالمي الأول و الأخير على حساب بلاد العم سام بالفوز على الولايات المتحدة بنتيجة 64-50 وسط حضور 25 ألف متفرج في ملعب لونا بارك أرينا، فيما كان المركز الثالث لمصلحة تشيلي، وذهب المركز الخامس لمنتخب مصر في انجاز هو الأفضل لاي دولة عربية بكل تأكيد.
تتفوق الولايات المتحدة ويوغوسلافيا على الجميع تاريخيًا بخمسة ألقاب مونديالية لكلّ منهما
ومن الأرجنتين الى البرازيل، أقيمت كاس العالم في نسختها الثانية عام 1954، بمشاركة 12 فريقًا من بينهم الاحتلال الإسرائيلي، الأمر الذي دفع مصر للانسحاب من البطولة، وأقيمت البطولة في ملعب ماراكانا زينهو الجديد والذي يتسع لنحو 25 ألف مشجعًا، و المجاور لملعب ماراكانا الشهير الذي يتسع الى 200 الف متفرج.
أولاد العم سام لقنوا خصومهم دروسا في عالم البرتقالية بعد الاستعادة بستة لاعبين فاقت قامتهم المترين، وتغلبوا على البرازيل أصحاب الأرض 62-44، ليحل راقصو السامبا في المركز الثاني وجاءت الفلبين ثالثة في انجاز اسيوي فريد لم يتكرر حتى الان.
الى العاصمة التشيلية سانتياغو عام 1959، والتي استضافت 13 بلدًا منها الاتحاد السوفييتي ومصر والصين، ومع تأهل الصين المفاجئ للدور النهائي وبسبب السياسة رفض الاتحاد السوفييتي مواجهة جمهورية الصين، ليهبط إلى المركز قبل الأخير، وكانت البرازيل المستفيد الأكبر من هذه الأحداث فتوجت باللقب على حساب الولايات المتحدة الأميركية، وحلت تشيلي في المركز الثالث.
بقي مونديال البرتقالية في الأراضي اللاتينية بعد سحب ملف الاستضافة من الفلبين لرفض الحكومة إصدار تأشيرات للاعبين والمسؤولين من الدول الاشتراكية، ليتم إسناد الاستضافة إلى البرازيل من جديد، و يحتفظ راقصو السامبا باللقب العالمي بقيادة نجميها ولامير ماركيز وأماوري باسوس.
سيطرة أوروبية (1967-1982)
على أراضي مونتفيديو في الأورغواي أقيمت النسخة الخامسة من مونديال البرتقالية عام 1967، ووسط أجواء باردة للغاية ، توج الاتحاد السوفياتي باللقب العالمي الأول وجاءت يوغسلافيا ثانية و البرازيل ثالثة، لتبدأ السيطرة الأوروبية على ميادين السلة العالمية، عبر يوغسلافيا والاتحاد السوفياتي.
وفي لوبليانا استضافت يوغسلافيا أول نسخة أوروبية من مونديال البرتقالية عام 1970، بمشاركة 13 منتخبًا من بينهم مصر، ليتوج أصحاب الأرض باللقب العالمي الذي سيرسم لهم خريطة الطريق للسيطرة على اللعبة، في حين كانت البرازيل والاتحاد السوفيتي تحتلان المركزين الثاني والثالث تواليا، لتكون المرة الثالثة التي ينال فيها أصحاب الأرض اللقب، بعد الأرجنتين 1950 والبرازيل 1963.
وفي بورتوريكو 1974 أصبح الاتحاد السوفييتي بطلًا للعالم للمرة الثانية، وجاءت يوغسلافيا ثانية والولايات المتحدة ثالثة، أما في مانيلا ،1978 شهد أول مونديال آسيوي تعديلا في نظام البطولة، حيث أقيمت مباراة نهائية لتحديد الفائز باللقب للمرة الأولى، وتم الاستغناء عن النظام السابق المتمثل بمرحلة المجموعات النهائية لتحديد البطل، حيث فازت يوغوسلافيا على الاتحاد السوفييتي 82-81 بعد الوقت الإضافي لتحرز لقب البطولة للمرة الثانية، فيما جاءت البرازيل ثالثة.
الى كولومبيا 1982 والتتويج الثالث للاتحاد السوفييتي على حساب أولاد العم سام، بالفوز في النهائي 95-94، والمركز الثالث يذهب ليوغسلافيا.
مد وجزر بين القوى العظمى يوغسلافيا، الاتحاد السوفييتي، الولايات المتحدة 1986-1990
في اسبانيا أقيم مونديال ،1986 بمشاركة 24 دولة، في نسخة ثورية بكل المقاييس، حيث تم اعتماد خط الرمية الثلاثية للمرة الأولى، و التي شهدت ولادة اسطورة برازيلية اسمها أوسكار شميدت، والذي كان اللاعب الأكثر تسجيلا من هذه المسافة.
أولاد العم سام جلبوا لاعبين مميزين، مثل ديفيد روبنسون وتيرون بوجيز وديريك ماغغي، فنالوا لقبًا عالميًا جديدًا، تاركين المركز الثاني للاتحاد السوفييتي والمركز الثالث ليوغوسلافيا.
وفي عام 1990 عاد مونديال البرتقالية في نسخته الحادية عشرة إلى بلاد التانغو، بعد غياب أربعين عامًا، نسخة قدمت فيها يوغسلافيا فريقا استثنائيا ضم طوني كوكوتش ودرازان بتروفيتش وفلادي ديفاتش، وجاء الاتحاد السوفييتي ثانيًا، في حين حلت الولايات المتحدة بالمركز الثالث.
دخول نجوم الـNBA وبداية السيطرة
في مونديال شاكيل اونيل الذي أقيم على الأراضي الكندية عام 1994، دخل فريق الاحلام الأميركي على صيت ذهبية أولمبياد برشلونة عام 1992، فنالت الولايات المتحدة اللقب العالمي الثالث تاركة المركز الثاني و الثالث لكل من روسيا وكرواتيا، وريثتا الاتحاد السوفياتي و يوغسلافيا، التي حرمت من المشاركة.
وضمت تشكيلة المنتخب الأميركي، عددًا من نجوم "إن بي إيه"، أمثال، ألونزو مورنينغ ودومينيك ويلكينز وريجي ميلر ومارك برايس وشاكيل أونيل الذي كان افضل لاعب في البطولة بمعدل 18 نقطة في المباراة الواحدة، و8.5 متابعة.
في اليونان 1998 غاب نجوم الان بي ايه عن البطولة بسبب قيام مالكي الدوري الأميركي بإغلاق جميع أعمال الدوري لحين التوصل لاتفاق عمل جديد، فحلت الولايات المتحدة في المركز الثالث، وعادت يوغوسلافيا إلى حلبة المنافسة بفريق من نجوم صربيا والجبل الأسود، لتحرز اللقب على حساب روسيا.
رقم قياسي ليوغسلافيا، مشاركات عربية متعددة، ونهضة اسبانيا 2002-2019
في بلاد العم سام مسقط رأس كرة السلة أقيمت النسخة الرابعة عشرة من مونديال البرتقالية في مدينة إنديانا بوليس، وسط مشاركة عربية أولى من لبنان والجزائر، نسخة أحرزت فيها يوغوسلافيا اللقب على حساب الأرجنتين بالفوز 84-77 بعد وقت إضافي، فيما احتلت ألمانيا المركز الثالث على حساب نيوزيلندا بفضل ديرك نوفيتسكي أفضل لاعب في البطولة.
وفي النسخة الخامسة عشرة من المونديال التي جرت في اليابان شاركت 24 دولة من بينها قطر للمرة الأولى و لبنان للمرة الثانية، وأحرز الماتادور الاسباني لقبه العالمي الأول بتخطيه عقبة اليونان بنتيجة 70-47 في المشهد النهائي بغياب نجمها باو غاسول، فيما كانت الولايات المتحدة الأميركية تكتفي بإحراز المركز الثالث.
عادت الولايات المتحدة الى واجهة الألقاب العالمية من جديد، فأحرزت لقب النسخة الخامسة عشرة التي أقيمت في بلاد الاناضول على حساب تركيا، في حين صعدت ليتوانيا إلى منصة التتويج للمرة الأولى في تاريخها بحلولها في المركز الثالث. وشهدت البطولة التي شارك فيها 24 منتخبا الظهور الأول للأردن وتونس، ليحلا في المركزين الـ 23 والـ 24 بالترتيب العام.
في اسبانيا 2014 أحرزت الولايات المتحدة لقبها العالمي الخامس على حساب صربيا في النهائي، واختير نجمها كايري ايرفينغ أفضل لاعب في البطولة، ودخلت فرنسا التاريخ بحلولها في المركز الثالث بفضل نجمها نيكولا باتوم، في حين جاء منتخب الفراعنة في المركز الأخير.
وأخيرا في الصين 2019 شارك في النسخة الثامنة عشرة من مونديال البرتقالية 32 فريقًا للمرة الأولى، من بينها الأردن و تونس، ونجح الأردن في تحقيق فوزه التاريخي الأول في المونديال على حساب السنغال بنتيجة 79-77، وتوجت إسبانيا بطلة للعالم للمرة الثانية في تاريخها، بعد فوزها على الأرجنتين 95-75.
وحقق لاعب الارتكاز مارك غاسول إنجازا نادرا بتحقيق ثنائية عالمية لقب مونديال البرتقالية مع منتخب بلاده، ولقب الان بي ايه الذي يطلق عليه أيضًا اسم بطولة العالم الذي أحرزه مع تورونتو رابتورز الكندي العام 2019، ولم يسبقه سوى لاعب واحد قد حقق نفس الإنجاز، وهو لامار أودوم الذي توج في العام 2010 بلقب الدوري مع لوس أنجلس ليكرز، قبل أن يحرز اللقب العالمي مع الولايات المتحدة.
