14-سبتمبر-2020

لوحة لـ ويليام سكوت/ بريطانيا

لا يد عندي

لأقفل الباب على من يتسلقون نوافذي في الليل

أنا مزهرية عتيقة يا أمي

أنسى نفسي قرب الإكواريوم

لأتذكر أن الورود لا يجب أن تموت جائعة

وأن السمك العتيق سيكبر ليبتلع النهر

أنا حزن شفيف على شفاهك

ينام ولا يتنهد

يصرخ فوق الوسائد لأن الثلج قريب

وقطة جارنا لا تمتلك معطفًا

أنا البريد الذي لم يسأل عنه أحد

فكبر وحيدًا

من غير حروف نافرة

وخطوط عريضة وطوابع وابتسامات

أنا ظلك يا عادل

أبحث في العتمة عن وجهك

أتسلق صمتك بأصابعي

وأنسى أنك لست لي

ولست لك

وأن من مثلي

لا يحبون ليكتبوا

أسماء عشاقهم على الرمال

ولا ليحفروها

أسفل الشجرة

 

من مثلي يا عادل

يحبون لينجوا

لأن العالم أضيق من بؤبؤ العين

ولأن الحزن يجد طريقه دومًا إلى المسامات

ليرسم لنفسه لوحة

لرجلين اثنين، اغتالا بعضهما البعض

لأن القتل في هذه البلاد

أسهل من أن تعثر في فم أحدهم

على قبلة.

 

لا عظام في ظهر أبي

لا فم في وجهه

لا أقدام عنده ليتنزّه

لا يد في كتفه ليلوّح بها نحو الأعلى

 

أبي فوق السطح

يقفز مع الحمامات التي يربيها

يحتمي بريشها

من الموت الذي ينتظره على العتبة

من صوت الرجل البعيد في سماعة الهاتف

من غضب أمي في المساءات

 

أبي فوق التربة

له ولدان اثنان

يترك لهما النقود على المنضدة

يخبئها في الجوارير

يعرضها كجثث في فاترينة عتيقة

وولد ثالث

يقفل عليه في صندوق

يتركه للأعياد

والإناءات المثقوبة في الشرفة

المهملة كالمهرّجين

وأصحاب السيرك

 

لي أب لا أعرف منه إلا تعبه

لا يحب التقاط الصور

ولا الابتسام خلف الكاميرا

ربما لأن أسنانه سقطت

أو لأن من مثله يخافون من الفلاش

وانعكاس وجوههم على العدسة

 

لي أب أحفظ تاريخ ولادته من الأرشيف

أتعرف على ملامح وجهه بسهولة

وجهه مالح بلا زوايا

وبلا خرائط تدل عليه

 

لي أب أختبئ في أظافره

أبني أعشاشًا كثيرة في صدره

للعفاريت

والصيادين

أربط كتفه بحبل

وألقيه كمرساة

بوجه الأسماك الكبيرة في إكورايومات النهر

أبني بصمته سدًا

بوجه من يطلقون النكات بشراهة

ويحتفون بعائلاتهم

وأطفالهم

ومن يلعب الغميضة في الخاصرة

 

لي أب

يشبه الإسمنت الذي ينام عليه

والغيم الذي يتأمله

والشجرة التي يحتمي بظلالها

والسماء التي يدعو الله دومًا

أن تسقطَ على رأسه

 

لي أب يمدد أصابعه على جسده

ليبحث فيه عن أماكن صالحة للعيش

عن أماكن رطبة

لا تشبه القش اليابس الذي يكدسه فوق ظهره

ويدان ناعمتان

تمران على الوجه كنسمة صيفية

وتقفلان على الغبار في الحنجرة

 

لي أب أحبه

أخاف عليه

أبحث له عن قميص ليرتديه

وحذاء ليخبئ فيه جسده

وحزام مشدود يمنعه عن الموت

 

لي أب أكرهه أحيانًا

لأني أغار عليه

وأتمنى موته

لأرسم أثره على الرمل

لأزرعه في بيتي

لأصنع به معطفًا

وأحوّل كل ما بقي منه مسدساتٍ

وشوارع

لا تطل على المنارات القديمة

وبكاء من يعبرون البحر غرقًا

ليتنزهوا

قبل أن يصلوا إلى الضفة مبتلين بنجاتهم

 

لي أب

ليس عندي ما أمنحه إياه

سوى يد واحدة

ستصفق لرحيله

وسلة صغيرة

أجمع بها صوته وهو يتلطّى بين الغابات

وحيدًا

يبحث عن غصن

وصدى واسعين

ليعزف كونشرتو أخيرًا

لكل من يمر وينسى الحياة وراءه

مخبأة في راديو

أو معلقة على حبل غسيل طويل

ينتظر أن تجفّ دموعه.

 

اقرأ/ي أيضًا:

آنا كاستيلو: أطلبُ المستحيل

الأنا في حضرة البؤس