15-مايو-2016

نور بهجت المصري/ سوريا

هبة

كانت أول وجه "عربي" قابلته في نقطة التجميع في المخيم الرئيسي بهورست قبل نقلنا إلى المخيم الطارئ. اسمها هبة، عمرها 24 عامًا وصلت إلى ألمانيا بصحبة شقيقها الذي يكبرها بعام واحد، لكنك لو نظرت إليهما لما قدرت العمر الشكلي لهما معًا بأكثر من 14 و15 عامًا، وذلك بسبب متلازمة وراثية تؤثر على بنية العظام كان السعي للشفاء منها هو السبب الرئيسي لاختيارهما ألمانيا كمحطة نهائية لدرب الهجرة.

- قولك بنلاقي الشفاء هون
- الله كريم

في خيمة الانتظار كانت تجلس هناك تبكي بحرقة ليس لها مثيل ويتحلق حولها أبناؤها وزوجها يحاولون تهدئتها دون جدوى.

غدير

غدير السيدة ذات الأربعين عامًا كانت تبكي كالأطفال حين زل لسان أصغر أبنائها ليخبرها عن وفاة جده؛ والدها. الخبر الذي حاولت العائلة بأكملها تأجيل إعلامها به لحين لحظة هدوء واستقرار.
- الرحمة والسلام لروحه.
- ما كان راضي على كل هالرحلة، ما كان راضي عنها أبي، مات ومانو رضيان عني يا الله.

هدى

في المخيم الطارئ التقيت بها أيضًا، هدى 37 سنة، من إحدى ضيع الساحل السوري، اضطرت للهجرة بعد ازدياد المضايقات لعائلتها لأسباب طائفية، وتتواجد هنا رفقة ابنها المراهق 15 عامًا، وابنها الآخر الطفل وليد 5 سنوات.
- لكن الفرق كبير بين أعمار ولديك!
- تركت وراي غيرهن بنتين مع أبوهن ناطرين لم الشمل. 
رقت دمعتها، أما أنا فابتلعت دمعتي وربتُّ على كتفها.

أم حيان 

مضيت إلى أم حيان، امرأة في منتصف الخمسينيات، تدخن السجائر بشراهة ملفتة، ولها لهجة أهل الحسكة المحببة "قربان روحك أنا".

أم حيان التي خرجت مع عدد كبير من أفراد عائلتها بعد استيلاء العصابات المتأسلمة على أجزاء من حيهم. ضيعت أقاربها في الطريق، وهي الآن وحيدة هنا حيث استطاعت أن تصل بينما أكمل معظمهم الطريق إلى السويد أو الدنمارك.
- ما بيهم يا خالتي المهم قراب.. أرض الله واسعة والدنيي صغيرة إلا ما نلتقي.

لمياء

أكملت سيري نحو لمياء المتشحة بالسواد، الأمر الذي يجعل من الصعب تحديد عمرها. هي صبية بوجه تعتريه سمرة طارئة وعيون غائرة وحيدة أبدًا، وصامتة دومًا، وحين تكلمت قالت: رفقاته جابو صورة حدا بيشبهه، قالو إنه مات تحت التعذيب، بس قلبي بيقول لي بعدو عايش، أهلي بدن يجبروني أتزوج ابن عمي. بس كيف أتزوجه وأنا على ذمة رجال تاني؟ ما قدرت.. هربت منهن.. ربطت مع مهرب يوصلني لهون.. إن شاء الله محمود يسامحني لأني بعت ذهبي مهو لما أخدوه من البيت كنت بعدني عروس.

ابتسام 

ربطت على طرف الطريق، وعند المقعد الأخير تراها تجلس مع طفلتها ذات الأشهر. لا يمكنك أن تتجاهلها بسبب طولها اللافت، أما لو نظرت إلى الوجه فستدرك بأن هذه التي أمامك ليست سوى طفلة تحمل طفلة!
ابتسام ذات الـ 15 ربيعًا وطفلتها من قرى حوران وصلت إلى ألمانيا رفقة زوجها عامر 18 سنة.
-أنتما صغيران جدًا على الزواج وتكوين أسرة ألا تعتقدين ذلك؟
-كان لازم نتزوج بعد ما كثرت غارات الزعران وولاد الحرام عالقرية لازم ننستر!

سمر

أما سمر، 28 عامًا، والتي تلفت النظر بلباسها الأنيق وأمتعتها الكثيرة رغم رحلة الهجرة، فقد بادرت بكشف السر حيث قالت إن طريقها اختلف لأن الواقع أنه قد تم ترحيلها وعائلتها من السويد بعد استقرار لمدة سنة ونصف، ظنت خلالها أنها وصلت إلى محطتها الأخيرة وذلك بسبب بصمة دبلن في إيطاليا.
-شو بدنا نعمل يا أختي رجعنا قدمنا هون عم يقولوا ألمانيا بتكسر البصمة.

مروى

في غرفة الطعام على طاولة تتوسط المكان قابلت مروى. امرأة شاحبة في بدايات الثلاثينات، إنما قد تبدو للناظر أكبر بسنوات يرافقها ولدها عمر 13 سنة وابنتها حنين 9 سنوات.
-والأب هل ينتظر لم الشمل في سوريا؟!
-الله لا يجيبه أنا هربانة منه إيد طويلة ولسان طويل، وآخر الهم يتزوج ويجيب لي ضرة، أصلًا ولادو ما بقى بدن ياه.

ناهد

صبية جميلة، 22 عامًا، تبدو عليها مظاهر العز والترف. وصلت إلى ألمانيا مع شقيقها الطفل حسن 7 سنوات برفقة رجال مخلصين لوالدها المدير العام لإحدى مؤسسات الدولة في مدينة دير الزور، حيث حرص على إخراجها مع أخيها من البلد بأي شكل بعد تهديدات بالخطف وطلب فدية من قبل ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية/داعش.
-أهلك أين هم الآن؟!
- بعدهن بالدير اشتقت لهن كثير وأنا والله مو أد المسؤولية. حسن دلوع وأنا تعبت
- بتهون، بتهون إن شاء الله.

أمل

عند دور الغسيل كان لي حديث مع أمل المتواجدة في الكامب مع طفلها ذي العامين ونصف العام وزوجها، الذي يستدعى كل حين للمساعدة بالترجمة لسكان المخيم في مكتب الصليب الأحمر.
- جيد أن زوجك يتكلم الألمانية هل قام بدراستها تحضيرًا للجوء إلى ألمانيا؟!
- لا، زوجي تعلم الألمانية هنا، فهو متواجد في ألمانيا منذ سنة ونصف.
- وكيف ذلك؟! إذن ماذا تفعلون هنا في المخيم الطارئ؟!
- هو متواجد هنا منذ سنة ونصف، أما أنا وابني فقد وصلنا منذ أيام فقط، والتقينا به بعد تعثر إجراءات لم الشمل. كان لا بد لي من اتخاذ القرار باللحاق بذات الطريقة. ما بقى عندي صبر يا أختي ابنه نسي شكله.

اقرأ/ي أيضًا:

جيمس بوند الصحافة

صغيرًا في بلاد.. كبيرًا في أخرى