12-أبريل-2020

يدفع اللبنانيون ثمن سياسات المصرف (Getty)

مع دخول التعبئة العامة في لبنان شهرها الثاني، وبالتالي استمرار التزام القسم الأكبر من المواطنين بالحجر المنزلي، تفاقمت الأزمة الاقتصادية والمالية، ولاح شبح المجاعة في الأفق مع انقطاع مداخيل مئات آلاف الأسر نتيجة للحجر.

فيما لم تظهر حتى الآن أية بوادر انفراج فيما يخص وباء كورونا، يشعر اللبنانيون اليوم بالقلق والخوف من المستقبل، فيما يزحف الجوع بشكل تدريجي نحو البيوت التي فقدت مداخيلها

وبالرغم من بعض الإجراءات الموضعية التي اتخذتها الحكومة في هذا الصدد، فإن الفساد البنيوي الذي يضرب المؤسسات اللبنانية، واستمرار منطق المحاصصة، انعكس في خلافات حادة بين أفرقاء حكومة اللون الواحد فيما يخص التعيينات الإدارية. وقد هدّدت بعض الجهات بالانسحاب من الحكومة في حال لم تحصل على الحصة التي تطلبها في التعيينات الجديدة، خاصة فيما يخص موظفي مصرف لبنان، في وقت تعيش فيه البلاد أسوأ أزماتها المالية والصحية، ما يعكس انسلاخ الطبقة السياسية عن الواقع، وعدم تمتّعها بالوعي اللازم لمواجهة الأزمات الخطيرة التي تعصف بالبلاد.

اقرأ/ي أيضًا: فيروس كورونا يشل الحياة في لبنان والخوف الأكبر مما هو قادم

الحجر المنزلي وقرار التعبئة العامة الذي تفرضه الحكومة، عطّل الدورة الاقتصادية، وجعل القسم الأكبر من الأسر بدون أي دخل خلال هذه الفترة، ما ينبئ بانفجار اجتماعي قادم، وهو الأمر الذي حذرت منه عدة منظمات دولية، خاصةً وأن معظم العاملين في القطاع الخاص وأصحاب المهن الحرة الذين توقّفوا عن العمل بسبب الحجر، لا يمتلكون أي مصدر دخل بديل. في الوقت الذي لم تنجح الإعاشات والمساعدات المادية والعينية التي تقدّمها البلديات والجمعيات وبعض المتطوعين من الأثرياء، سوى في معالجة جزء ضئيل من المشكلة.

وفي ظل الضائقة المالية الخانقة، وبعد ضغوطات سياسية من أكثر من جهة، أصدر مصرف لبنان تعميمًا يفرض على المصارف اللبنانية إعطاء صغار المودعين أموالهم كاملة، مع تحويل الحسابات بالليرة إلى الدولار، ثم تسليمها للمودع بالليرة اللبنانية بحسب سعر السوق، وبالتالي فإن المودعين سيضاعفون أموالهم، فيما سيتولّى مصرف لبنان دفع الفارق للمصارف.

وقد تخوّف الكثير من الخبراء الماليين من هذه الخطوة، حيث إنها ستُغرق السوق اللبناني بالليرة اللبنانية، وستُصرف هذه الأموال بشكل أساسي في شراء المواد الغذاية والتموين، ما سيزيد الطلب على السلع المستوردة، وبالتالي الطلب على الدولار الأمريكي الذي سيواصل ارتفاعه في مقابل الليرة اللبنانية. مع الإشارة إلى أن حسابات صغار المودعين تشكّل ما يقارب 90 بالمئة من مجمل الودائع في المصارف اللبنانية.

ويتخوّف اللبنانيون من أن تكون خطوة مصرف لبنان هذه، والتي سينجم عنها إغلاق أكثر من مليون ونصف مليون حساب دون الـ5 مليون ليرة، مقدّمة وتمهيدًا لتغيير سعر الصرف الرسمي للدولار، الأمر الذي سينتج عنه ارتفاع إضافي في أسعار السلع، كما سيؤدي إلى انخفاض القيمة الحقيقية للرواتب بالليرة اللبنانية. مع العلم أن سعر صرف الدولار في السوق السوداء اليوم، يساوي ضعف سعر الصرف الرسمي الذي يصدره المصرف المركزي، وتتعامل به المصارف.

وانتشرت في اليومين الأخيرين في لبنان، أخبار عن توجّه المصرف المركزي لخيار اقتطاع مبالغ مالية من كبار المودعين لصالح خزينة الدولة، في محاولة لسد العجز في القطاع المصرفي والذي يقدّر بأكثر من 60 مليار دولار. سيستهدف الإجراء المزمع تنفيذه الحسابات التي تفوق الـ 100 ألف دولار، والتي يفوق مجموعها الـ100 مليار دولار، وستتفاوت نسبة الاقتطاع بحسب قيمة الوديعة، فتتراوح بين 50 و60 بالمئة، حيث ترتفع النسبة مع ارتفاع قيمة الوديعة.

وقد لاقى الحديث عن الاقتطاع المحتمل للودائع فوق 100 ألف دولار ردّات فعل رافضة ومنددة، حيث رأى كثيرون أنه من غير المنصف أن يتحمل أصحاب الودائع، والذين جنوها بمعظمهم بتعبهم وكدّهم، مسؤولية الانهيار الذي وصلت إليه البلاد، بل يتحمّل مسؤوليته بشكل رئيسي السلطة الحاكمة، والمصرف المركزي، والمصارف اللبنانية التي حقّقت أرباحًا خيالية في السنوات الأخيرة، مستفيدة من الهندسات المالية التي وضعها مصرف لبنان. مع العلم أن اللبنانيين الذين خرجوا في انتفاضة ضد السلطة في 17 تشرين الأول/أكتوبر، لا يزالون يطالبون الحكومة بإقرار قوانين لاستعادة الأموال المنهوبة وزج الفاسدين بالسجون، ما سيعيد للدولة مليارات الدولارات، إلا أن أية خطوات عملية في هذا المجال لم تتخذ.

يتخوّف اللبنانيون من أن تكون خطوة مصرف لبنان، والتي سينجم عنها إغلاق أكثر من مليون ونصف مليون حساب دون الـ5 مليون ليرة، مقدّمة وتمهيدًا لتغيير سعر الصرف الرسمي للدولار

بعد تمديد قرار التعبئة العامة لأسبوعين إضافيين، وفي ظل الأنباء المتواترة عن استفحال الأزمة النقدية، وشحّ الدولار من السوق، وفيما لم تظهر حتى الآن أية بوادر انفراج فيما يخص وباء كورونا، يشعر اللبنانيون اليوم بالقلق والخوف من المستقبل الذي ينتظرهم، فيما يزحف الجوع بشكل تدريجي نحو البيوت التي فقدت مداخيلها بسبب الحجر وتعطّل الأعمال، فيما لا تبدو الإجراءات التي تقوم بها الدولة كافية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

 فيروس كورونا في لبنان.. أزمة "حكومة مواجهة الأزمات"