30-مايو-2016

وقفة لأجل ضحايا ماسبيرو (Getty)

في مشهد درامي يتكرر بصورٍ مختلفةٍ؛ بدايةً من القنوات الرسمية وانتهاء بالفضائيات الخاصة، حيث يجلس الإعلامي الشهير أمام ملايين المشاهدين يلقي عليهم محاضرته الرتيبة. يتحدث عن الأوضاع الراهنة بعد الثورة وعن الشارع الملتهب بفعل المظاهرات المخربة للبلاد. يتحدث تفصيليًا عن شباب الثورة الذي لا يملك سوى الحماس القاتل والاندفاع المُضِر بصحة الوطن، ولا ينسى أن ينعت أغلبهم بالخيانة والعمالة. 

يجلس الإعلامي المصري أمام الملايين ليتحدث عن شباب الثورة دون أن يفوته نعت أغلبهم بالخيانة والعمالة

يتحدث عن الحركات الشبابية التي تدربت على يد منظمات أجنبية لإسقاط الدولة. وعن السياسيين الذين لا يجيدون سوى رفع الشعارات الجوفاء، ولا يرغبون سوى في الظهور على شاشات وصفحات الجرائد دون فائدة أو وظيفة محددة. 

اقرأ/ي أيضًا: صحيفة عكاظ.. تجهيل وتشهير ضد الإعلام الديمقراطي

وعن جماعات الإسلام السياسي تجار الدين أصحاب اللحى والنوايا السوداء. بالإضافة إلى أساتذة الجامعات محترفي التنظير، الفاشلين في أي تطبيق عملي لنظرياتهم على أرض الواقع. وينهي محاضرته بتحية لرجال القوات المسلحة الذين أنقذوا الوطن من الضياع على مرّ السنين، بدايةً من الظباط الأحرار وحتى يومنا هذا وقيادات المجلس العسكري الذي انحاز إلى مطالب الشعب الثائر وحمى الثورة. فكيف كان أثر هذا الخطاب الإعلامي على الدولة في أعقاب "ثورة 25 يناير"؟

تجاوب عن هذا السؤال سناء سيف حين قالت: "فكرنا لماذا لا نصدر صحيفة في الميدان دون أن نحصل على تصريح لها، ولنبيعها في الشوارع؟"، فكان رد الدولة عليها محضرًا في النيابة العامة محرر فيه حيازة أسلحة ومفرقعات ومواد حارقة، ومقاومة السلطات، والتعدي على قوات الأمن.

أحداث ماسبيرو

 

صهيب سعد "معتقل سجن العقرب": سلام على أولئك الذين اجتباهم الله جنودًا في ساحات المعركة ميادين كانت أو سجونًا

جاءت أحداث ماسبيرو في 4 تشرين الأول/أكتوبر 2011، لتمثل تخطيًا كبيرًا لدور الكنيسة كوسيط دائم بين الأقباط والدولة، حين تجاوز الشباب القبطي الكنيسة للتعبير عن احتجاجهم على أحداث هدم كنيسة لهم في أسوان، باعتصام أمام ماسبيرو، صحيح أن الكنيسة استوعبت الأمر بمشاركة بعض رموزها في الاعتصام، لكن فكرة تحرك المجتمع القبطي للتعامل المباشر مع الدولة دون وساطة الكنيسة كانت بلا شك نقلة نوعية كان عنوانها "يوم الغضب القبطي". في المقابل تمكن خيوط السلطة من نشر جماعاتها "القبطية" ذات التي خلقت بعض التعبيرات غير المستساغة في الوعي العام والشعبي المصري. 

جاء تعامل الدولة والجيش مع أحداث ماسبيرو، في الإطار التقليدي وهو قمع المتظاهرين، حيث راح ضحيتها 27 قتيلًا و343 مصابًا، إضافة إلى فشل الدولة في احتواء الأزمات الطائفية المتلاحقة وتعزيز نبرة الاستقطاب الديني في الحياة السياسية في مصر، وهو ما أدى إلى تكريس عزلة الأقباط من جديد.

اقرأ/ي أيضًا: فرنسا..موجة احتجاجات جديدة ضد قانون العمل

أحداث محمد محمود

بدأت في يوم السبت 19 تشرين الثاني/نوفمبر 2011، حيث كان هتاف الجماهير متبلورًا في "سلم السلطة يا مجلس"، حتى 25 تشرين الثاني/نوفمبر 2011، حيث النهاية وكان عنوانها "اشهد يا محمد محمود.. كانوا ديابة وكنا أسود"، اعتبرها البعض الموجة الثانية لثورة "25 يناير"، ولكن هذه المرة كانت ضد حكم المجلس العسكري لمصر في الفترة الانتقالية، وفي ظل انقطاع التيار الكهربائي المتعمد من قبل قوات الشرطة المصرية عن شارع محمد محمود المتفرع من ميدان التحرير، تعاملت قوات الشرطة المصرية مع المتظاهرين بالرصاص الحي والمطاطي والخرطوش والغاز المسيل للدموع حتى تم تفريق التظاهرة. وراح ضحية هذه الأحداث 61 قتيلًا وأكثر من 2000 مصاب.

أحداث العباسية

 

   لسنا مهزومين ما دمنا نقاتل  

في شارع الخليفة المأمون بالقرب من وزارة الدفاع المصرية، في يوم 2 أيار/مايو 2012، دعت حركة "حازمون" التابعة للشيخ حازم أبو إسماعيل، أنصارها إلى الاعتصام السلمي أمام وزارة الدفاع؛ لتحديد مهلة زمنية محددة لتسليم السلطة عقب تباطؤ المجلس العسكري في تسليمها، وإصداره مادة في الإعلان الدستوري المكمل تمنع الطعن على قرارات اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية. في ظل مقاطعة حزب الحرية والعدالة الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين للاعتصام بداعي أن الموقف لا يحتمل التظاهر ولا بد من أن تنتهى الفترة الانتقالية. وقال حزب النور السلفي في بيان رسمي: "أن هذا المكان خطأ وأنه لا يصح الاعتصام أمام وزارة الدفاع من أجل ما يتبعه من عواقب وخيمة".

وفي يوم 3 أيار/مايو 2012، قام مجهولون مسلحون باعتلاء كوبري العباسية للهجوم على المعتصمين في شارع الخليفة المأمون، بينما حاول المتظاهرون حماية أنفسهم بالدروع الخشبية في الوقت الذي تم الاعتداء عليهم بزجاجات المولوتوف والخرطوش والألعاب النارية والحجارة. ثم انتقلت الاشتباكات إلى شارع امتداد رمسيس أمام مسجد النور، وتزايدت الإصابات في صفوف المتظاهرين بشكل متتابع وكانت عبارة عن اختناقات وإصابات بالخرطوش، وتم نقل المصابين بدراجات بخارية إلى المستشفى الميداني بشارع الخليفة المأمون، وذلك في غياب تام لسيارات الإسعاف.

وفي يوم الجمعة 4 أيار/مايو 2012، دعا عدد كبير من القوى السياسية للتوجه بمسيرات لمؤازرة معتصمي العباسية والمطالبة بإسقاط حكم العسكر، والدفاع عن حقوق من سقطوا ضحايا تلك الاشتباكات. لكن حينما وصلت تلك المسيرات إلى منطقة العباسية كان الجيش قد أغلق مداخل ومخارج المنطقة، وقبض على من تبقى من المعتصمين في شارع الخليفة المأمون، وكلما حاولت إحدى المسيرات التقدم إلى ميدان العباسية، يرد الجيش بقنابل الغاز المسيلة للدموع وطلقات رصاص في الهواء.

في 3 أيار/مايو 2012، قام مجهولون مسلحون باعتلاء كوبري العباسية للهجوم على المعتصمين في شارع الخليفة المأمون

وحين حاول بعض المتظاهرين الاحتماء بمسجد النور بالعباسية، قامت قوات الجيش بمحاصرة المسجد وألقت القبض على المتواجدين بالمسجد، بدعوى تواجد مسلحين داخل المسجد، وكان من بين المعتقلين قائد المقاومة الشعبية بالسويس الشيخ حافظ سلامة.

اقرأ/ي أيضًا: مصر..إضراب "سجناء الأرض" ينتصر

وقتها ألقى اللواء مختار الملا عضو المجلس العسكري، بيانًا قال فيه إن المجلس أصدر قرارًا بفرض حظر التجوال فى محيط وزارة الدفاع والشوارع المؤدية إليها، والمحيطة بالوزارة، ابتداءً من الساعة 11 مساء الجمعة، وحتى الساعة 7 صباح السبت، وقال إن الشوارع التي فرض حظر التجوال فيها هي الفنجري مع صلاح سالم، وشارع سرايا القبة مع مترو الأنفاق، وتقاطع شارع محمود شكري مع سرايا القبة وشارع رمسيس حتى مستشفى الدمرداش وشارع لطفي السيد حتى مستشفى الدمرداش. وقال إنه سيتم اتخاذ كافة الإجراءات تجاه من يخالف قرار حظر التجوال، بالإضافة إلى اتخاذ الإجراءات القانونية ضد المحرضين على أحداث العباسية، كما أهاب بكافة المواطنين بضرورة الالتزام التام بحظر التجوال.

ولاحتواء الموقف الذى خرج عن السيطرة، أصدر المشير طنطاوي أمرًا بالإفراج عن الشيخ حافظ بعدها بساعات، وقد أكد الشيخ حافظ في تصريحات صحفية وقتها أنه لم يكن بالمسجد مسلحون، وجميع من تم إلقاء القبض عليهم أبرياء، مشيرًا إلى أن من تم القبض عليهم من قبل الشرطة العسكرية يصل عددهم إلى 40 مصليًا، وجميعهم أشخاص كانوا يؤدون صلاة العصر بالمسجد، ولم يكن أحد منهم معه شيء.

وقد تناولت صحيفة الجارديان البريطانية أحداث العباسية فى تقرير بعنوان "حلقة جديدة من أوراق لجنة تقصي حقائق قتل المتظاهرين"، قالت فيه إنه كان هناك اتفاق بين قوات الجيش وقيادات عسكرية رفيعة ومجموعة من البلطجية خلال أحداث العباسية أيار/مايو 2012، لفض التظاهرة من أمام وزارة الدفاع.

كما أشارت الصحيفة إلى أنه تم إثبات وفقًا لشهادات أطباء داخل مستشفى كوبري القبة العسكري أنه تم علاج مصابي أحداث العباسية دون "تخدير"، وإجراء جراحات دقيقة دون عمليات تعقيم، فضلًا عن تعرض المصابين للاعتداء داخل المستشفى وفقًا لتعليمات صادرة من قيادات عسكرية رفيعة.

فض اعتصامي رابعة والنهضة

في تقرير أصدرته منظمة "هيومان رايتش ووتش"، كشفت من خلاله عن اتهامات بحق الرئيس المصري الحالي ووزير الدفاع السابق عبد الفتاح السيسي وقوات الأمن المصرية بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في شهر آب/أغسطس 2013، خلال عمليات فض اعتصامات للمتظاهرين المؤيدين للدكتور محمد مرسي الذي تم الإطاحة به من قبل الجيش.

كشف تقرير أصدرته "هيومان رايتش ووتش" عام 2013، عن اتهامات بحق السيسي والأمن المصري بارتكاب جرائم ضد الإنسانية

ووصف التقرير الانتهاكات في رابعة باعتبارها إحدى أكبر جرائم قتل لمتظاهرين في العالم في يوم واحد خلال التاريخ الحديث، خلفت وراءها ما يقرب من تسعمئة ضحية، وقد أطلقت "هيومان رايتس ووتش" دعوات للمجتمع الدولي بضرورة إجراء تحقيقات من قبل الدول الأعضاء بمنظمة الأمم المتحدة مع السيسي وتسعة من أكبر مسؤولي الأمن في مصر، من بينهم اللواء محمد فريد التهامي، رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية، الذي التقى جون كيري وزير الخارجية الأمريكي خلال شهر نيسان/أبريل الماضي، وفقًا لمبدأ الولاية القضائية العالمية التي تبدو السبيل نحو إجراء محاكمات دولية بحق الأفراد المتهمين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في أي مكان في العالم.

اقرأ/ي أيضًا: كيف أصبح الدولار حاملًا للمشروع الصهيوني؟

وقد استندت النتائج الرسمية للجنة التحقيق بالمنظمة في مجملها على شهادة مائتين من شهود العيان ممن كانوا بالاعتصامين ولقطات فيديو وبيانات حكومية وكشفت عن أن حوادث القتل التي طالت أكثر من ألف متظاهر في ستة حوادث من الفترة التي امتدت من الخامس من تموز/يوليو وحتى السادس عشر من شهر آب/أغسطس 2013، كانت جزءًا من سلسلة متعاقبة من جرائم ضد الإنسانية، ما يشير بانتهاج السلطات في مصر لممارسات عنيفة بحق المعارضين السياسيين العزل المؤيدين للرئيس المعزول محمد مرسي.

"لعلنا نستطيع بأجسادنا النحيلة أن نرسم طريق النجاة لهذا الوطن، وأن نوجه ضربة لدولة الظلم، لسنا مهزومين ما دمنا نقاتل" كلمة قالها محمد يوسف أحمد سعد "ميزا"، عضو حركة شباب "6 أبريل" الجبهة الديمقراطية، قبل اعتقاله في حزيران/يونيو 2014.

"سلام على أولئك الذين اجتباهم الله جنودًا في ساحات المعركة ميادين كانت أو سجونًا؛ وطوبى لتلك الأرواح التي روت كلتا الساحتين بدمائها" كلمات قالها صهيب سعد معتقل سجن العقرب قبل اعتقاله على خلفية القضية المعروفة إعلاميًا بـ"خلية الماريوت".

ويبقى السؤال: هل يستطيع هؤلاء الشباب أن يرسموا بكلماتهم الذكية طريقهم الثوري وحياتهم الثورية خارج طاولة القمع العسكري؟

 

 

اقرأ/ي أيضًا:

الثورات العربية وثقافة اللاعنف.. حدود الرفض

بنقردان.. عاصمة مقاومة الإرهاب في إضراب عامّ