16-سبتمبر-2023
بوستر فيلم قص ولصق ومشاهد منه (الترا صوت)

بوستر فيلم قص ولصق ومشاهد منه (الترا صوت)

في عوالم وسط القاهرة، حيث تقف المدينة الخديوية شاهدةً على ماضٍ عريق، تغزل الكاتبة والمخرجة المصرية هالة خليل حكاية أخرى من حكاياتها التي تظل جديدة مهما مر عليها من سنوات. فعلى الرغم من أن الفيلم من إنتاج عام 2006، إلا أن تفاصيله تنطبق على الواقع الراهن الذي يزداد سوءًا يومًا بعد آخر. 

"قص ولصق" فيلم من أفلام البطولة المشتركة التي اتسمت بها فترة مطلع الألفينات في السينما المصرية، حيث يتشارك بطولته شريف منير وحنان ترك وفتحى عبدالوهاب. والفيلم، بلا شك، من تلك الأفلام التي ننساها بمجرد أن نرى كلمة النهاية قد رُسمت على الشاشة، لكننا نكتشف فيما بعد بأنها لا تزال عالقة في أذهاننا مع أول موقف مشابه لأحد مشاهدها. 

يتناول فيلم "قص ولصق" الواقع المعيشي السيئ في مصر ورغبة المصريين بالهجرة بوصفها رغبة قديمة متجددة لا تفارقهم

تبدأ أحداث الفيلم بمشهد تظهر فيه جميلة (حنان ترك) في طريقها إلى سيدة ترغب في بيع آلة الهارب الموسيقية الخاصة بها. وفي المصعد، تصادف جميلة، التي تشتري الأشياء وتبيعها بهامش بسيط من الربح، يوسف (شريف منير) الذي يتجه هو الآخر إلى بيت السيدة نفسها ليقوم بتركيب الدش في منزلها. والمثير أن المشهد ينتهي بخيبة أمل كل من جميلة ويوسف بعد رفض تلك السيدة بيع الهارب، وتركيب الدش. وبالإضافة إلى هذه الحادثة، ستجمعهما لاحقًا مواقف كثيرة القاسم المشترك بينها هو الرغبة في الهجرة. 

جميلة فتاة تملك حظًا وافرًا من الجمال لكنها لا تملك نصفه لناحية الزواج، إذ تجاوزت الثلاثين وأصبحت في أنظار المجتمع "عانس"، ناهيك عن كونها ناقمة على الوضع الذي تتكسر فيه أحلامها صباح كل يوم. أما يوسف، فيعيش برفقة أخيه الكبير يحيى في شقة الأسرة بعدما توفي والديهما. 

يحيى الذي قارب الأربعينيات من العمر بلا أحلام وبلا زوجة، مجرد موظف روتيني في إحدى الشركات، يذهب إلى عمله في الصباح الباكر ثم يعود قبل انتهاء النهار ليتناول طعامه ويعود لعمله صبيحة اليوم التالي. أي حياة بائسة هذه! ورغم محاولته الزواج، إلا أن أهل العروس يرفضون أن يشارك يوسف ابنتهم شقة الزوجية.

نحن إذًا أمام شاب وفتاة يدفعهما كل شيء للرحيل، خصوصًا رغبة يحيي في الزواج وتسلّط أم جميلة التي قامت بدورها ببراعة واقتدار الفنانة سوسن بدر. جميلة شرعت في إجراءات الهجرة قبل أن تقابل يوسف، ولكن تجاوزها سن الثلاثين جعلها تفقد بعض النقاط التي لا سبيل لتعويضها إلا بالزواج، ما جعلها تعرض الأمر على يوسف، لتلقى لديه القبول بالطبع، فيقيمان فرحًا مجانيًا بائسًا لا علاقة له بمسمى الفرح من الأصل.

في مصعد الفندق، يتقابل سامي (فتحي عبد الوهاب)، صديق طفولة يوسف، مع زينب (مروة مهران). يُعجب سامي بزينب من النظرة الأولى، يتعطل بهم المصعد ليمنحه القدر قبلة حانية تمكنه من التقرب إليها، فيتشاركان لاحقًا الشوارع والأحلام، وتنشأ بينهما علاقة حب لا تملك سببًا واحدًا لكي تكتمل، ولكنهما يمضيان معًا حتى يقابلان الثنائي الآخر يوسف وجميلة، وجميعهم يتشاركون حلمًا واحدًا هو: الهجرة. 

وفي مشهد بديع من أهم مشاهد الفيلم، يدخل يوسف وجميلة إلى سينما مكتظة بالجمهور، ويلحق بهما سامي وزينب، بينما يظهر أفيش فيلم "ملك وكتابة" الذي تزامن عرضه مع "قص ولصق"، وهو من بطولة هند صبري ومحمود حميدة، ومن إخراج كاملة أبو ذكري؛ فيلم يمكن تصنيفه بأنه من الأفلام الجيدة لكنه لم يلق النجاح الجماهيري المنتظر له، ما دفع صناع "قص ولصق" إلى إيصال رسالة مفادها دعمهم له. 

ينتهي الفيلم بينما يتسكع أبطاله في شوارع وسط البلد الفسيحة، يتشاركون الخطوات والضحكات ولعبة "قص ولزق"، التي تبدأ بأن يقول أحدهم مَطلَعًا من أغنية، فيقوم الآخر بإكمال آخر جملة من المقطع بأغنية أخرى، وكأنها الأحلام التي لا يمكننا أن نكون أبطالها بمفردنا، لا بد من يد داعمة وقلب حاني وروح مؤازرة، وتلك فكرة الفيلم من وجهة نظري. قد نكون جميعًا منهزمين، ولكننا حين نتقاسم الهزيمة يصبح وقعها على نفوسنا أخف، كما يقول فؤاد حداد: حمل الليالي خفيف لما يشيلوه اتنين.