17-يناير-2019

تلقت تيريزا ماي هزيمة قاسية في البرلمان البريطاني (أ.ف.ب)

"هزيمة مدوية وإذلال"، و"واحدة من أكثر الخسائر المدوية لحكومة في السلطة"؛ هكذا تداولت الصحف البريطانية هزيمة تريزا ماي رئيسة الوزراء البريطانية، عقب تصويت أعضاء البرلمان البريطاني على صفقة الخروج من سطوة بروكسل، تلك الأخيرة التي تبدو ماضية في الرد على البريطانيين بقسوة، على قرارهم الخروج من عباءة الاتحاد الأوروبي.

لم تكن تصورات 27  دولة هي دول الاتحاد الأوروبي متماثلة حول البريكست، لكنها اتفقت أن بريطانيا لن تحصل على الامتيازات التي كانت تملكها قبل الخروج

لم تكن الهزيمة عادية، حيث صوت النواب بأغلبية 432 صوتًا رافضًا، مقابل 202 صوت مؤيد فقط، لصفقة شروط خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي المزمع في الـ29 من آذار/مارس القادم.

اقرأ/ي أيضًا: القفزة البريطانية إلى المجهول

الحكاية القديمة الجديدة لبريكست.. انقسامات ورؤى متضاربة!

بدأ كل شيء في حزيران/يونيو من عام 2016، حين صوت الناخبون البريطانيون لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، قبل أن تطلق بريطانيا في آذار/مارس من العام التالي دعوتها للاحتكام  للمادة 50 من معاهدة لشبونة التي تنظم عملية الخروج.

لم تكن تصورات 27 دولة هي دول الاتحاد الأوروبي متماثلة حول البريكست، ولكن دول الاتحاد الذي يعاني تحديات عديدة، اتفقت فيما بينها على أن بريطانيا لن تحصل على نفس الامتيازات التي كانت تملكها قبل الخروج. أما في الداخل البريطاني، فكانت هناك عدة تصورات عن الخروج، منها كتلة ترى أن الانقسام يجب أن يعني انفصالًا كاملًا دون الدخول في أي تربيطات اقتصادية مع بروكسل.

أما أنصار البقاء في الاتحاد الأوروبي فهم يريدون عقد استفتاء ثانٍ بعد التوصل لصيغة مرنة في العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، وهي الكتلة التي خرجت ببيان نشرته صحيفة الغارديان البريطانية، وضم 71 عضوًا من حزب العمال و13 عضوًا من الاتحاد الأوروبي، يرون أنه يجب على الإدارة السياسة في بريطانيا أن تفهم لماذا صوَت البريطانيون على الخروج، كما أن إعادة التفاوض بالنسبة لهم لم تعد تشكل أمرًا واقعيًا، كما عبروا في بيانهم عن ضرورة إعادة النظر في التاريخ المقرر للخروج، راجين تمديده إلى حين التوصل إلى صيغ مرضية مع بروكسل.

في نفس الوقت، اتفق القائمون على البيان على ضرورة تنحية حكومة ماي عن منصبها بسبب الفشل الذي آلت إليه بشأن مفاوضات بريكست، مضيفين أن "الخيار المنطقي الوحيد لمساعدة البلاد على المضي قدمًا، هو إعادة اتخاذ القرار مرة أخرى من الناس للحصول على القول الفصل، من خلال التصويت العام".

أما الفريق الثالث وهم أنصار الخروج السلس فيريدون الإمساك بعصا الخروج من المنتصف، أي يريدون الاستجابة لقرار الخروج بالإضافة إلى صيغة اتفاق تقي بريطانيا شر الفوضى، لكن حتى هذه الفئة انقسمت على نفسها إلى طوائف شتى. ففي داخلها من يريد إقامة اتحاد جمركي شامل مع بروكسل، أو مثلًا الاحتكام إلى النموذج النرويجي المعدل الذي يجعل من النرويج عضوًا في المنطقة الاقتصادية الأوروبية EEA، دون أن تنتمي إلى الاتحاد الأوروبي. هناك فئة أخرى تشكك في قدرة البلاد على إقامة الاتفاق المرن أو حتى الوصول إلى النموذج النرويجي و لكنها لا تجد بديلًا لكلا الطريقين.

تريزا ماي تقابل الوحش!

لم تكن رئيسة الوزراء البريطانية، لتلاقي أسوأ مما حدث يوم الثلاثاء، فلم يعد هناك مجال للحديث حول أي تماسك لكتلتها في البرلمان، كما تعرضت لمحاولة سحب الثقة من حكومتها، إلى الدرجة التي جعلت جيرمي كوربين زعيم المعارضة يصف أداء موظفي حكومتها بالـ"الزومبي"، الذي فقد شرعية إدارة المفاوضات بين الأطراف المتناقضة.

هل كانت ماي نفسها موقنة بنجاح صفقتها؟ تبدو الإجابة "لا" صريحة حسب عديد من المراقبين، حيث كانت هناك مؤشرات كثيرة تتحدث عن سيناريوهات اللاصفقة المرعبة التي ستشل الحياة السياسية في لندن، لكن أحدًا لم يتوقع أن يكون الفارق فوق مئتي صوت على أية حال.

تشير التقديرات إلى أنه لو كانت الخسارة بفارق ضئيل من 30-40 صوتًا، كان يمكن لماي أن تعود في الـ21 من هذا الشهر تحديدًا وهي تحمل اقتراحات أو تطمينات كمساومة على الترضية لكتلة صغيرة في البرلمان، لكن ستعيد مضطرة الاتفاق بعد 6 أيام على أمل بأن تقدم بروكسل مزيدًا من التنازلات.

السيناريوهات المتوقعة: خيبات فوق بعضها

حاولت تيريزا ماي المشي على حبل مشدود، فكان خطابها هو نتاج خطاب محافظ حول المهاجرين، مع محاولاتها المستمرة لإرضاء الطرف الأكثر تشددًا في البريكست داخل البيت البريطاني، وكانت النتيجة بريكست معصوب العينين على حد تعبير الغارديان.

لا تزال بروكسل ترفض أي صيغة تتضمن إعادة التفاوض، لكن فرنسا وألمانيا أعلنتا نيتهما تأجيل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، حيث عرض ميشال بارنييه، كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي، إعادة التفاوض مع تيريزا ماي إذا ما تمكنت الأخيرة من إقناع أغلبية برلمانية تشمل حزب العمل وتقبل علاقة أوثق مع الاتحاد الأوروبي.

كما ناقش سفراء الاتحاد القضية للمرة الأولى في اجتماع في بروكسل يوم الثلاثاء، حيث حاولت الدول الأعضاء اتخاذ قرار بشأن شروطها لتمديد فترة التفاوض بعد 29 آذار/مارس، وهو الموعد الرسمي الذي كان مقررًا للخروج.

اقرأ/ي أيضًا: ماهي تأثيرات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؟

مع ذلك، فإن هناك احتمال أن تتمكن ماي من تكوين أرضية مشتركة بين الأحزاب لتجنب الخروج من الاتحاد الأوروبي دون روابط اقتصادية. حيث قال حزب العمال إنه سيدعم صفقة تشمل اتحادًا جمركيًا دائمًا، وهو ما تعارضه ماي في كل مناسبة.

حاولت تيريزا ماي المشي على حبل مشدود، فكان خطابها هو نتاج خطاب محافظ حول المهاجرين، مع محاولاتها لإرضاء الطرف الأكثر تشددًا في البريكست

أما المؤكد فهو فشل الرؤية البريطانية الانفصالية التي تزعمها المحافظون في زهو البريكست، والتي كانت تبيع للناخبين وهمًا مفاده أن الخروج سيوفر ملايين الجنيهات الإسترلينية، التي ستتمكن الحكومة البريطانية من صرفها ببذخ على القطاع الصحي المتضرر بشدة في الآونة الأخيرة. انهارت تلك الأوهام تمامًا وبدت بريطانيا أمام العالم وكأنها عجوز عمياء اختارت طريقًا لم تكن تعرف نهايته، حيث أمسكت ماي ببندقية الاستفتاء على الخروج من أجل مصالح انتخابية ضيقة، فخرجت الأمور عن السيطرة عندما استجاب الناخبون للاستقطاب وصوتوا بنعم للخروج.

 

اقرأ/ي أيضًا:

التأقلم البريطاني مع جرائم السعودية.. احتياطات "بريكست"!

7 حجج وراء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي