25-نوفمبر-2016

هاني زعرب/ فلسطين

لم أستطع أن أحب كل الناس يالله
لم أبذل جهدًا ولو ضئيلًا لإخفاء ذلك
دفعتهم بقسوة لما أرادوا معانقتي
نفضت يدي بلؤم وهم يهمون بمصافحتي
كان ذلك مخجلًا 
لكنه صادقٌ
انظر ماذا حل بي
كيف جعلني غيابك فظة 
بعد أن كنت دمثة وطيبة 
أصاحب الحجيج السمر في جبال أريحا
وأتهاوى من عيونهم كدمعة كلما رأوك
طلبت منك يقينًا طفيفًا 
يجعل العطش محتملًا في طريقي إليك
لكنك ماذا فعلت؟
ملأت قلبي بالحب العظيم
ولم تترك لي أحدًا أحبه.
*

تفعل الحياة فعلتها ثم تمضي 
إلى حيث لا ندري
تاركة لنا الأغنيات 
والأثواب السوداء؛
التي أنقذتنا من مأزق الأسئلة الكبيرة عن حالنا 
من أعيننا
وقلوبنا 
من دمائنا الحارة
اكتسبت الألوان بلاغتها 
لكنني أقسمت بكل شيء 
ألا أنساك
بالرجاء الذي قطعه فقدانك سأتذكرك،
وللوداع الأخير الذي شهدته بوابتنا 
سأشعل شمعة
*

آه يا أسئلتي اللحوحة
عن أشياء جميلة 
لا تحدث بالعمر مرتين
ستجيء اللحظة
التي أتحدث بها 
كثيرًا
كثيرًا
عن حروب صغيرة 
ثم
لا تقع.
*

من أعماق قلبي
تمنيت
ألا تكون المفردات قاسية 
كحديثنا عنها
في القصائد،
والأفلام
لطالما رددتها بإعجاب وصدق 
مفردات الحب والنسيان
شغفًا
وتحسبًا
كنت ألفظهن والدموع تبرق في عيني 
وصراخ جريح يرعد في قلبي
أذكر يومها قلت لي
ما لي أراك سماء؟
حلمت كثيرًا بالمفردات
التي أنقذتنا من هول الضياع 
بالشجاعة ألا تخذلني 
بالذكريات ألا تحرقني
بالقلب ألا يخونني
لكنهم ذهبوا
بعيدًا 
اقتلعوا الحب من جذوره،
نسيوني
وانتهى الأمر.
*

لقد حطمه العابرون
حزني المتروك قرب النهر
كصخرة ملساء وثقيلة
جاعلين منه
سياجًا لنار ليلهم الطويل
تذكارًا في بيوتهم البعيدة 
مكاييل لأوزان طارئة 
ونردًا منحازًا لأكثر حوافه حدة!
لقد حاولت مرارًا
أن أقول لك كيف تجعل حزني مثمرًا 
لكنك آثرت أن تبقيه أملسَ
وثقيلًا
لتجلس عليه.
*

الثانية ظُهرًا
ماذا أفعل بكل هذا الصمت
ألتقط لساني أولًا
أتأكد من وجوده 
ثم أخلق لكل صامت صوتًا ما 
صوتًا للجدار
للسرير
للحقيبة
للملح
للأرقام المحفوظة في هاتفي
مُشبَعة بالأصوات 
هكذا أعيد للصمت رشاقته
في المساء 
أسمع صوت الودّ منبثعًا من هناك 
من حزن مذاقك العالق في فمي 
نحو هذه الهشاشة
أردت أن أصوب وجهتي
لذا
كان يكفيني أن أكون وحيدة
أو ربما 
مُثقلة بوزر الصوت 
كي أتفقد لساني كل دقيقتين 
ثم أنبُذَه داخل فمي 
كفرصة إحتياطية
للنجاة.
*

من غيرهم
أنقذنا من الملل؟
اللصوص
والقتلة
والعشاق 
لقد جعلونا نحظى
في قريتنا النائية
بقصص إضافية 
تتناقلها الألسن.

سمِّ لي ما شئت من البلدان
المشمسة منها والباردة 
وسأخبرك كيف تكون هناك الأغنيات
وقصص العشاق والقتلة 
لقد سمعت البارحة أغنية شيقة 
أحدهم يشعر بالبرد في أغسطس!
ويغني لحبيبته البعيدة
لا تحزني يا جميلتي
ستعودين لديارك في ديسمبر
أووه 
إنها أوديسا.

بعد أعوام سيتغير كل شيء 
سنظهر بملامح كبيرة 
بحنين مرير
وحكمة فاضحة 
كلانا صامت 
وندين للشائعات
بالأمل 
الذي مكننا من احتمال كل هذه 
المحن.
*

إنه يوم ميلادك
وفي يدي بطاقة صغيرة وفارغة
وفكرة ما تلح علي بأن أكتب لك شيئًا جيدًا ومفيدًا
رغم أنني لا أكترث لفوائد الأشياء
لقد استهلكت في أعياد الأحبة ومصائبهم 
كل الأفكار،
والعبارات
التي لا تثير الريبة أو الشك
ماذا عليّ أن أكتب لك؟
هل أرسم لك قلبًا 
وألونه بالأحمر؟
هل أضع صورة لي بين دفتي كتابك 
وأكتب على ظهرها
أحبك! 
حسنًا 
لا شيء يخطر في البال
فكن سعيدًا وكفى
ها 
نسيت
لقد رأيتك اليوم 
وكان وجهك منهكًا وهزيلًا
لذا 
احلق ذقنك.
*

أشياء قاسية تحدث في العمر مرتين
ولا تثير ريبتي
أشياء كثيرة
كالحرب 
والحب
والضعف
والكآبة
وزيادة الوزن
ونقص المال،

والأصحاب
شيءٌ واحدٌ يا صغيري
يثير الريبة والطمأنينة في قلبي
يثيرهما في آن واحد
ككثرة الأمهات
المستعدات لهذا الشقاء
عندما يتعلق الأمر 
بك.
*

أعلم أنك لن تقتنع بما سأقوله لك
فأنت صغير
ومثقل
ولكن لدي كتفان 
يحملان أشياء ثقيلة أيضًا
كالرؤوس
والحقائب
وشيالات الثياب
لذا كف عن الشكوى 
أيها القلب.
*

ليس من الحكمة أن أخبرك كيف يكون الألم 
فأنت كل آلهته
غير أن شيئًا مفترسًا يحدث ثقوبًا في قلبي
كلما تذكرتك
سأشرح لك ذلك
أقول:
لعله الأرق
أو الخبل
الإفراط بالطعام
ها إنها الحمية 
ربما الوحدة 
أو كثرة الناس 
ولكنني لا أجد جوابًا دقيقًا
أحاجج به 
كل الوجوه القادمة الي
من بعيد
تركض كوحوش سئمت
من كونها نقطة 
في عين امرأة بعيدة 
لا منظار بحوزتها 
أو ظنون.
*

أكان عليّ أن أحبك هكذا؟!
ليموت حبك لي
اللعنة
كيف جعلت مني امرأة ثرثارة 
ومتوسلة
أنظر كم يبدو مريبًا
طيفك القادم من بعيد
متعب وحزين
طيفك المنسي في الغابات 
وعلى سفوح الجبال
طريقي إليك وعرة
وموصولة بالحبال 
حيث التوازن شرط للنجاة
والجنون طريقة مشوقة للطيران
لست مؤرخة لأجعل من ذلك حدثًا 
أنا شاهدة عيان
على حريق يشب في صدر امرأة
تحبك
وتفتقدك
بإمكانك هذه المرة فقط
أن تثق بي 
بحواسي الضعيفة 
التي تفوح منها
رائحة دخان.
*

بخشوع خاص
ونفقات محددة
على غرار من يشعلون الشمع لذكرى موتاهم
ويلقون الأكاليل على قبورهم
حاولنا أن نتذكر المآسي التي تخصنا
بشيء من الحيرة
لكن شيئًا من ذلك لم يحدث
لم يعد الجوار شيقًا،
وجميلًا
فالليل مظلم وبارد
والألفة لم تعد تكفي 
لبناء عش صغير
أو صنع عشاء دافىء
والأمهات صرن أكثر جرأة
ليخبرننا
أن الأمومة هي
الجانب البائس من الحب
والأكثر وضوحًا من القلق
وأن حدسهن الذي اعتنقناه طويلًا
لم يكن إلا أمنيات
ومخاوف 
غير أن أحدًا لم يخبرنا بذلك
*

لمرة واحدة
ادخل حياتي 
هكذا 
ككل الذين دخلوها قبلك ولم يخرجوا 
ولن يخرجوا للأبد
لمرة واحدة فقط
قبّلني لأن صوتي أبكاك 
وانا أغني
أغنية لا تحبها!
قصتي الغريبة معك
مع قلقي الدائم من عيوب مربكة 
لا تجمعنا
كالنسيان 
وتصديق الأكاذيب؛
التي أفتعلها لأكون سعيدة
بينما
أربي لك بين أضلعي عناقًا طويلًا
حيث الجو في الخارج يبعث على الحب،
والنعاس 
وأنا مستيقظة منذ ساعتين
ويغلبني الظن بأنني لم أنم 
منذ الأزل.
*

حزانى وطيبون
يغني أحدهم بصوت تملؤه الدموع
وأنا ذاهبة لشراء الخبز
غير أنني لا آبه بذلك
لكن الفكرة الملهمة تنمو 
في الهواء الطلق
وفي المرحاض أيضًا 
حزانى وطيبون
لعلهم كذلك من يدري
أقول
ينقصه وجهك
هذا الحزن 
كي لا يكون حالة اعتيادية
تنقصه عيناك،
وشرودك
لأضمك كاستثناء
دون أن أهمس في أذنك
تخيل
الأعداء أيضًا يحزنون
وأغنياتهم تذكرني بذلك دومًا.
*

أنت تشرح لي الحب 
بطريقة مفصلة 
ودقيقة 
لا أقوى على احتمالها
بينما أكتفي بشروحات قصيرة وموجزة 
أعتقد أن
طباعي العجولة 
هي السبب
كأن أخبرك 
أنني لم أنم منذ أيام 
وانا وألعن البعد والعمل والاشتياق
حتى أنني لم أعد أما حازمة
فيما يتعلق بطفلي
هآنذا أعطيه قطع الحلوى 
التي أمنعها عنه عادة 
ليتركني انتظرك بهدوء 
بينما أفكر في غيابك.
*

أكتب لك منذ القِدم
أنا لا أبالغ في ذلك 
فالزمن مبهم وشائك 
في رأسي
أنني أكتب لك دومًا 
ولا شيء يصل
ذلك أن ساعي البريد يقرأ رسائلي لحبيبته 
التي تمزقهن دوما بغضب 
هو لا يعرف لم تفعل هي ذلك 
غير أنني أعلم 
ولا أجرؤ على القول!
أكتب لك منذ القِدم
منذ شروق الشمس الأول وغيابها كذلك
منذ نباح الكلاب
ودموع الخيل 
منذ عداء الأحبة
ومنذ
شرود السائق بوجه امرأة تعكسه المرآة 
وهي آتية إليك
أكتب لك
ولا أكف عن ذلك
حيث الساعات ثقيلة في القلب
وعلى الحائط
والقدِم بكل عظمته يكافىء 
يومين فقط.

اقرأ/ي أيضًا:

هرطقات شارد عن الطريق

في براري الكهولة