09-يونيو-2021

ضبور: الفلسطيني ليسَ مُضْطَرًّا للبكاء ليجذب اهتمام العالم

ضبّور، الشاب الذي يسكن حي الطور في القدس، ستتردد كلمات أغنيته المشتركة مع شب جديد "إن أن قد آن أوانه" حوالي عشرة ملايين مرّة منذ الثلاثين من نيسان/أبريل وهو اليوم الذي تم تحميل فيه الأغنية على "يوتيوب".

أغاني الراب ليست للجميع، لكنها تصير على كل لسان عندما تُخاطب الهمّ اليومي لشعب لا زال يكافح أعتى آلة استعمارٍ استيطاني على وجه الأرض

لم نعتد أن نسمع هذه الكلمات ضمن سياق وطني فلسطيني في أغنية محمّلة بكل أنواع المقاومة اليومية العادية التي لا نعرفها، صارت الأغنية الشعار الرسمي للهبة الفلسطينية الأخيرة، في اللد وعكا وحيفا ويافا ورام الله وغزّة وجنين وقلقيلية، ما عليك سوى أن تصرخ "إهدا" في أي شارع من شوارعهم لتسمع من يردد بعدك "مهو كلّه باين في المحنة/ الله بشهد مين احنا".

اقرأ/ي أيضًا: ألبوم "أحلى من برلين".. آخر معاقل المقاومة

أغاني الراب ليست للجميع، لكنها تصير على كل لسان عندما تُخاطب الهمّ اليومي لشعب لا زال يكافح أعتى آلة استعمارٍ استيطاني على وجه الأرض تستهدف القضاء على وجوده، صوته، تاريخه، إرثه وثقافته. تحمل الأغنية رسائل عديدة كما تطلعنا أيضًا على ما نجهله، نحن أبناء الشتات، من أصوات ولدت وكبرت أثناء الانتفاضة الثانية وهي اليوم تُشكّل جزءًا مُهِمًّا من المشهد في القدس ومدن فلسطين الأخرى.

في أغنيته الأولى التي أصدرها العام الماضي بعنوان لتر بلاك يصف ضبّور معاناة شباب القدس مع جنود الاحتلال في البلدة القديمة فيقول في لازمتها: "ضربت تنين زباط/ع الارض تدعيس وفدي (بيدي) اصفاد/ من ضرب فوق راسي نسيت شو صار"، وهذا أمر شبه يومي للشباب الفلسطيني، كما يصف أزقة القدس القديمة بقوله في بداية الأغنية: "داخل السور ملان زقاق/ بتفوت من هون تطلع من غاض"،  وهي إشارة لكيفية استغلال الفلسطيني لخبرته فيها فيحقق انتصارًا على الاحتلال يتمثل بالعودة سالمًا بعد أن يضرب هذا الجندي المدجج بكافة أنواع القتل المتطورة.

هل يمكننا اعتبار هذه الأغاني جزءًا من تاريخ الأغنية الفلسطينية؟

سيعترض البعض على استخدام كلمات بذيئة في هذا النوع منها، وكون تاريخ الأغنية الفلسطينية قد تنوع ما بين أغانٍ يؤديها فنانون عرب مثل عبد الحليم وأم كلثوم وفيروز إلى فرقة العاشقين والفنون الشعبية الفلسطينية وأبو نسرين واليرموك ومغنين كعبدالله حداد ومصطفى الكرد، وفرق أخرى مثل الإنس والجام ويلالان والأصوات المنفردة كالراحلة ريم بنّا وتيريز سليمان ورولا عازار وباسل زايد وشادي زقطان وغيرهم الكثير، فإنه لا يمكننا إنكار المعطيات التاريخية والاجتماعية التي استدعت قيام الشباب الفلسطيني إلى التوجه نحو هذا النوع من الغناء واختيار الكلمات لتعبّر عن واقع يومهم الذي لا يسمع عنه أحد.

ولقد جاءت الانطلاقة الحقيقية للراب الفلسطيني في بدايات القرن الحادي والعشرين حين أصدرت فرقة "دام" أغنية "مين إرهابي"، لتعبر عن سخط الشباب الفلسطيني المقيم في الأراضي المحتلة عام 1948 من وصفهم بالارهابين، هذه الأغنية التي حققت انتشارًا كبيرًا حينها ولا زالت، تعتبر من أهم من أُنتج في هذا المجال الغنائي فلسطينيًا.

يتميز هذا النوع من الغناء بكونه أداة للتعبير عن مشكلة سياسية أو اجتماعية تهدف إلى توعية الجمهور حولها، كما تعكس سخط المغني على صعوبات الحياة باستخدام مفردات وتعابير مباشرة، دون مواربة أو تجميل، فتنقل البشاعة كما هي دون خجل أو خوف، لأنها الحقيقة، فأحيانًا، نحتاج إلى البذاءة لنصف وقاحة المُستعمر.

بالعودة إلى أغنية "إن أن" التي حملت مشاركة الرابر شب جديد، فإنه مما لا شك فيه أنها قد جذبت جمهور جديد لم يتعود على هذا النمط من الأداء والمفردات، حملت الأغنية تحديًا واضحًا للاستعمار وإيمانًا راسخًا بالحق الفلسطيني، وكما قال شب جديد في مقابلة له عام 2019: الفلسطيني ليسَ مُضْطَرًّا للبكاء ليجذب اهتمام العالم.

هنالك مشهد مهم وجديد يتشكل بين جيلٍ ولد في زمن الاجتياحات وكبر على حصار وإغلاقات وحواجز عسكرية واضطهادٌ ممنهج، هذا الجيل الذي كانت آلة الاستعمار تراهن على تدجينه ونسيانه للأرض والقضية، برز من كل هذه الوقائع ليقول بكلمات سريعة ومحلية جدًا لأقرانه أنه: شفنا وياما وكله بصُف/ ولا مرة نخاف ولا مرة ونص.

لا تنتهي أهمية كلمات هذه الأغاني بكونها تراك يُسمع فقط، بل تتعداها لتصبح رسائل مقاومة وصمود كما يفهمها الشباب، ففي كل أغنية نجد دعوة وتعليمات مهمّة جدًا قد تكون دافعًا لتحمي العديد من المقاومين على الأرض، فمن المطالبة بعدم البوح عن أسرار المواجهات في أغنية "لتر بلاك" إلى الدعوة لنسيان هزائم الماضي والتجهيز للقادم في الأغنية الجديدة، تأخذ هذه الأغاني شكل الحافز لجيل لم يستطع السياسيون فهمه والتوجه إليه بخطاب لاحتواء طاقاتهم.

 جاءت الانطلاقة الحقيقية للراب الفلسطيني في بدايات القرن الحادي والعشرين حين أصدرت فرقة "دام" أغنية "مين إرهابي"

هذه ليست مراجعة نقدية أو فنية للأغنية، بل هي محاولة لتسليط الضوء على هذا النوع من الغناء  لضمه لتاريخ الأغاني الوطنية الفلسطينية، النوع الذي يعكس واقع الشارع الفلسطيني ويسعى أيضًا إلى تعريف العالم به باستخدام لهجته ومفرادته اليومية.

اقرأ/ي أيضًا: معرض مروان رشماوي.. 22 مدينة في فلسطين

في أواخر العام الماضي صدرت أغنية "في أسئلة براسي – أحلى من برلين" غناء فرج سليمان وكلمات مجد كيّال، وكان لهذه الأغنية والألبوم ككل دورٌ في تعريف كل من هو خارج فلسطين بتفاصيل عن حيفا وعن معاناة الفلسطيني المقيم على الأراضي المحتلة عام 48 لم نسمعها من قبل، ومثلها جاءت "إن أن" لتأخذنا هذه المرّة من حيفا إلى القدس، فتعرفنا على جيلٍ جديد لديه ما لديه من ثقافة المقاومة ما يبعث فينا الأمل أننا سنغني كل هذه الأغاني يومًا ما، هُناك، في فلسطين.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الراب في اليمن.. أصوات الشارع والحياة

طارق حاج قويدر.. الراب يتبنّى هواجس الصحراء الجزائريّة