24-يناير-2021

غلاف ألبوم أحلى من برلين

"أحلى من برلين" ألبوم تمّ نشره على الوسائط الإلكترونية في كانون الأول/ديسمبر 2020. متوفّر على يوتيوب وسبوتيفي (غير متوفر على ساوند كلاود)، من كلمات مجد كيّال، ألحان وغناء فرج سليمان (ومشاركة بعض الأصدقاء).

أهم ما خسرناه في انكساراتنا هو تلك التفاصيل الصغيرة التي تجعل لدينا ما نحبه وما نخسره تفاصيل

في تدهورها المتسارع لقضيتنا أمام الغيلان من الشرق والغرب، بدءًا من الرجل المريض، ونهاية بالعم سام، والصراع بين ذوي العمامات الخضر وذوي العمامات السوداء، نسينا أو تناسينا أن محور القضية هو الإنسان، رفاهيته وتطلعاته ورغباته في حياة حرّة كريمة، وأن أهم ما خسرناه في انكساراتنا هو تلك التفاصيل الصغيرة التي تجعل لدينا ما نحبه وما نخسره تفاصيل مثل مناقيش أم صبري، أو زيتونة فتّوش، أو البرندات التي تقبّل بعضها البعض.

اقرأ/ي أيضًا: فرج سليمان.. تطويع البيانو لحكاية المدينة

رغم أنّ الدولة السادسة في بيع الأسلحة في العالم وعضوة النادي النووي المصغّر، بعد سرقة عمر المكان، انتقلت إلى البروبوغاندا متعددة الأيدي، بدءًا بالغسيل الوردي، مرورًا بمطاعم الغورميه الإسرائيلية بوجباتهم الوطنية: الحمص والكنافة والمجدّرة، وكذلك مسلسلاتهم المجبولة بالدعايات الكاذبة مثل "فوضى" الذي قفز فوق التاريخ ليصبح أمرًا واقعًا بالنسبة لمشاهديه، بينما ما زالت قياداتنا تتحلّى بالثبات وتبقى في الوادي –وادي النسناس – كالحجارة. لكنّ هذه الدولة على كل جبروتها ما زالت ترتعب من القهر الكامن فينا، حتّى لو خرج على شكل ألبوم موسيقى لتعتقل المؤلف في خطوة تذكيرية لمن السيادة. ولتؤكد أنّها لن تسمح لنا في بناء كياننا في وطننا حتى لو كل ما بدر منّا على شكل موسيقى، ولتومئ لنا بأنها هي فقط الوحيدة المخولة باحتكار "الحقيقة".

يتخلّص مجد كيّال في كتابته من كل المخلّفات الشعرية، بلا كلمات فخمة ولا فذلكات وتطريزات لغوية معقّدة، فلا يستحي أن يقول "بيلبط معي الرز"، "العالم كله مكدونالدز"، "يمكن هادا اللي عندي" وعنده الكثير، ويكتب قرارة الشعر، ويخلق أرضًا صلدة ليبنى فوقها فرج سليمان أبراج أغانيه، فتخلق رحمًا بديلًا يلفنا كل مرة لمدة خمس دقائق نتماهى مع هذا الوطن المؤقت. لا يستحي أن يجلد ذاته، أو أن يضرب ضرباته تحت الحزام، حيث نجح مرة تلو الأخرى في صفعنا بقنابل الكلمات المطعمة بالبيانو والساكسفون وصوت فرج سليمان، لا أستطيع حقًا التطرّق لتفاصيل الموسيقى في الأغاني، فهي تحتاج إلى خبراء موسيقيين يستطيعون فك الغاز هذا السحر الموسيقى الذي يعبر طبلتي أذنيك ويأسرك.

في أغنية "في أسئلة براسي" –التي تتصدّر قائمة المشاهدات على اليوتيوب- يتذكّر أننا ورغم كل الألم في غربتنا عن وطننا، ما زالت هنالك ملامح الوطن السليب تتسلل وتتجلى لنا بشكل أوضح في غربتنا في برلين التي توجع قليلًا. لنشتاق لحسن الذي "يخزق عجال اللي أخذ له الصفّة". وأننا بعكس أفلام هوليوود، أفلامنا تخلص بلا نهاية. قلوبنا قست في هذا الصقيع، لقد جاء الشتاء واحترقت بردا كل ينابيعنا، لنصبح مجموعات من الزومبيز نقتل بعضنا البعض. نشتاق لحيفا في حيفا.

ما زلنا هنا، لم يهدّنا التعب، نستنشق غيوم القلق، نلمح همومنا تخرج من زجاج البنايات الشاهقة على حطامنا في شارع يافا وفي وادي الصليب، وفي البلد التي لم يعد بالإمكان قطعها مشيًا، نحن مجرد خيالات نحيا مدينتنا الافتراضية على الهوامش المتروكة لنا نقتنص الفرصة كي نسرق فرع البريد، أو كي نشرب القهوة وننشر الإشاعات عن جيراننا، أو لربما كي نبكي جماعيًّا على طلعة العروس.

"أحلى من برلين" ألبوم يذكّرنا أنّنا نسير في حقل ألغام، فنخيّر بين غربة في الوطن، أو وطنٍ في الغربة

يبدو أن البئر الذي ما زلنا نهوي به لا حضيض له، ويبدو أيضًا أننا لدينا الكثير من الأسس التي نحتاج لبنائها قبل أن نقدح ثقبًا في الرأس من الحديث في السياسة، علينا أن نبني الإنسان الواعي الذي يستطيع أن يحب ويكره ويحرق أغاني الجاز، ويصلّي قبل أن يشرب "آخر شوت". أناس عاديون لا كرامات لديهم أو حتى بندقية، ليسوا جميلين ولا مميزين بأي أمر سوى كونهم هنا ينتظرون خلاصًا غير معرّف.

اقرأ/ي أيضًا: فريد عمارة.. سحر البساطة

لقد تضافرت الصهيونية بمعية رأس المال علينا، قادمة من بولندا عبر تل أبيب إلى حيفا، رأس المال الذي "إن حطّك براسه فش ولا حدا بيحميك"، لتبدأ مرحلة الاحتلال الناعم، البحر المعسكر، وألوان السمار التي تختفي، في أفضل الأحوال يبدلوننا بـ"الإثيوبية".

أنا واثق تمامًا أن مجد لم يقصد كسر التاء كما غنّاها فرج في كلمة "الكتِب" – اللي ولا مرة رح تطلع من بطنك صاغ – لكن هذا السجال بين قرى ومدن ومحافظات فلسطين على النغمات والتشكيلات، لم يكتب له حتّى أن يؤرّخ أو يوثّق كما يجب، ليبقى سجالًا افتراضيًا، أخشى أنه سينقرض تمامًا معنا ومع التوت الذي لم يثمر.

يغوص الألبوم ويتشعب في الخصوصية، الخصوصية التي تدخل عميقًا لتدق نزعات النفس البشرية، وقضايا المرأة التي تطرح بشكل غير مباشر في نقد حاد لمجتمعنا، كما في أغنية شو بدك بجوزك "أيقونة حلوة الأمومة بس لو بتتعلق عالحيط". أو ليس العالم طريقًا نركض به؟ لو أرجع ولد عمره ما خاف من الأمل في أيام يسوقها الهبل؟ تمامًا كما تتنوع الآلات والأساليب الموسيقية التي تطرح القصص المختلفة كل واحدة كصلاة مختلفة ذات وتيرتها الخاصّة.

"أحلى من برلين" ألبوم يذكّرنا أنّنا نسير في حقل ألغام، فنخيّر بين غربة في الوطن، أو وطنٍ في الغربة، فقد "نسينا أسماء اللي عاشوا وإحنا متنا بإسرائيل".

اقرأ/ي أيضًا:

إطلاق ألبوم "مولود سنة 80".. حمزة نمرة صدىً لأبناء جيله