02-أكتوبر-2016

بيت في ريف حماة- قرية سروج

ما أجمل اللمة الأسرية، أو اجتماع كل أفراد العائلة الواحدة؛ الأب والأم والأولاد والبنات، يفترشون المساطب الطينية في باحات المنزل الواسعة في الصباح الباكر، يتناولون الفطور وفي المساء يأكلون القضامة (الحمص المملح)، وأيضًا الزبيب (المصنوع من العنب)، ويحتسون الشاي في جلسات عائلية مفعمة بالمحبة والمودة التي فقدناها في أيامنا هذه.

للتنور في البيت السوري منظر ولا أروع، فهو يجعل أرض الدار ذات جمالية لا يمكن الاستغناء عنه

وعندما أنثر تلك الأوراق القديمة وحكايات أيام زمان فإنني أستحضر تلك الذكريات الجميلة من ريفنا الحموي العتيق، وأرسم من خلالها صورة البيت العربي السوري الذي سكنه أجدادنا الأقدمون وعشنا جزءًا صغيرًا من تفاصيله وحكاياته السحرية. 

اقرأ/ي أيضًا: مدينةٌ أخرى ستوجَد أفضل من هذه

منزلنا كما باقي بيوت حارتنا وحارات قريتنا الجميلة كان عربيًا بسيطًا قبل استخدام الإسمنت المسلح والحديد والحجارة والبلوك، وفي مثل ذلك معظم البيوت التي تمتاز بمساحتها الكبيرة التي تحوي أرض الدار، وهي مسورة إما بالطين والحجارة أو الأسلاك المعدنية، وتكون مليئة بالتراب الأحمر الخاص بزراعة عدد من أنواع الخضراوات كالبقدونس والنعناع والفليفلة وغيرها، مما يحتاجه البيت بشكل يومي. 

وفي إحدى الزوايا يوجد بئر ماء للشرب يتسع لأكثر من 250 برميلًا، حيث يقوم أصحاب البيت بتعبئته من مياه الأمطار، شتاءً عبر المزاريب وأسطح البيوت، ولتلك البيوت باب واحد كبير والسطوح متباعدة نظرًا لقلة البيوت المشيدة ووجود مساحات من الأرض بدون بناء عكس أيامنا، حيث السطوح متلاصقة وكأنها بناء واحد، وهناك في أرض الدار حظائر صغيرة للعائلات التي تربي الحيوانات كالأغنام والماعز والدجاج والأرانب، وكذلك المواقد الطينية التي تسمى عندنا "التفية"، وهي مخصصة للطبخ على الحطب وروث الحيوانات.

للتنور في البيت السوري منظر ولا أروع، فهو يجعل أرض الدار ذات جمالية لا يمكن الاستغناء عنه في كل بيت من بيوتنا فهو مصدر غذاء لأهل البيت يوقدونه كل صباح، أو كل ثلاثة أيام، حسب الحاجة للخبز الشهي والطعم اللذيذ غير المتوفر حاليًا، ولا ننسى المساطب الطينية أو الحجرية المصنوعة خصيصًا للجلسات العائلية، أو للضيوف القادمين صيفًا حيث تحلو السهرات العائلية على تلك المساطب، وعلى أنغام العتابات والمواويل وأصوات الربابة.

لا تخلو بيوتنا الريفية من المساطب الطينية أو الحجرية المصنوعة خصيصًا للجلسات العائلية أو للضيوف

اقرأ/ي أيضًا: الحصان الذي لم يسر بصاحبه صوب الهاوية

ولكل أسرة غرفتان أو ثلاث حسب مساحة البيت المشيد. غرفة مخصصة للأسرة تسمى غرفة العيلة، أو القعدة، وغرفة أخرى للضيافة تكون طويلة وقريبة من الباب الخارجي، وبابها مستقل، مقابلة الباب الخارجي لاستقبال الضيوف، وهناك غرفة في البيت تخصص للمونة وأغراض المنزل غير اللازمة بشكل يومي، وأدوات الزراعة وغيرها. وفي غرفة العيلة، في صدر البيت، ضمن الجدار مكان خصص وفرغ لوضع الفراش والبطانيات والمساند والسجاد، وفي زاوية أخرى تجد قربة الماء الفخارية والأباريق.

وقديمًا كانت المواد الأساسية المكونة للبناء هي الحجر والطين والقش الذي يجعل الطين متماسكًا متينًا، وتشيد بطبقات من الحجر والطين بسماكة كبيرة، قد تصل إلى المتر الواحد، وكانت قديمًا على شكل قناطر تسمى القبب، ثم تطورت مع تطور الحياة الاجتماعية والبشرية، ومع وجود الإسمنت والبلوك، علمًا أن تلك البيوت تصبح دافئة شتاء ولطيفة باردة صيفًا، لا يحتاج البيت إلى مكيفات أو مراوح.

لم يغفل أجدادنا الأولون عن كتابة تاريخ إنشاء البيت، أو اسم المهندس المعماري الذي شيده وصممه على طراز عمراني جميل، وفنية رائعة تعكس اللمسات تحكي التنسيق الجميل والإتقان الفريد في البناء.

اقرأ/ي أيضًا:

البيت.. ترويض وحشية الأمكنة

عدسات تبحث عن مدن لا مرئية