08-مارس-2022

(Getty)

يستيقظ الأتراك ومن يشاركهم العيش في بلدهم على نشرة الأخبار الاقتصادية منذ فترة بعيدة، يتفقدون جدول أسعار العملات مقابل الليرة التركية، ويقارنون أسعارها بين اليوم والأمس، فمن غير المستبعد أن تلحظ بشكل شبه يومي تغيّرًا بسعر الصرف، ومن الطبيعي جدًا أن تطرأ تغيّرات أيضًا على أسعار السلع، لكن المسألة تفاقمت بعد بدء الحرب الروسية على أوكرانيا، البلدين الذين تربطهما علاقات مشتركة كبيرة مع تركيا المُحرجة اقتصاديًا وسياسيًا، والذي بات فيها المواطن التركي يجابه للحفاظ على مستواه المادي مقارنة برفاهية الماضي.

ومع بدء روسيا حربها على أوكرانيا، انخفضت العملة التركية في بورصة إسطنبول نحو 9%، وبلغت قيمة الليرة التركية أمام الدولار الأميركي أكثر من 14.5 للدولار الواحد أي بانخفاض بلغ 3%، فيما ارتفعت قيمة الذهب نحو 8%.

صحيفة "سوزجو" التركية، كانت قد أشارت إلى أن الاقتصاد التركي من بين الدول الأكثر تضررًا من الحرب في أوكرانيا، لا سيما في قطاعات الطاقة والغذاء والسياحة، في حين حذّر خبراء من مخاطر استمرار النزاع الروسي الأوكراني لفترة طويلة على الاقتصاد التركي.

سيطرة الدبّ  الروسي

رغم تبادل المصالح بين روسيا وتركيا، والتعاون المشترك بمجالات عدّة أبرزها التجارية، إلا أن الدبّ الروسي يبدو هو المسيطر، ومن الصعب على أنقرة أن تقف موقف عداء صريح ضد موسكو، حتى لو كانت ترفض الحرب الروسية على أوكرانيا، ولها عضوية ضمن حلف الشمال الأطلسي الرافض أيضًا للغزو الروسي.

تعتمد تركيا بشكل رئيسي على القمح المستورد من روسيا وأوكرانيا، ما يجعلها في مرمى نيران العوز الذي يهدد أمنها الغذائي

في حديث خاص لموقع ألترا صوت يقول الباحث في العلاقات الدولية والاقتصاد جلال سلمي، إن "العلاقات الاقتصادية بين روسيا وتركيا، تحكمها الاعتمادية التركية المُطلقة على السلع الروسية، لا سيّما في مجالي الطاقة والمواد الغذائية"، مشيرًا إلى أن حجم التجارة المتبادلة بين الطرفين 26 مليار دولار عام 2019، كان حجم صادرات روسيا لتركيا منها ما يقارب 23 مليار مقابل 3 مليار دولار من تركيا إلى روسيا، ما يصب في الصالح الروسي بشكل واضح.

ويضيف سلمي أن روسيا هي الشريك الأول لتركيا في مجال الطاقة، حيث تغطي روسيا ما مجموعه 55% من حاجة تركيا للطاقة في مجال النفط والغاز الطبيعي، وفي ذات الوقت تعتمد تركيا بنسبة 30% على المواد الغذائية الروسية، لا سيّما القمح وزيوت الطعام، معتبرًا ما يعانيه الاقتصاد التركي حاليًا أمرًا طبيعيًا، نظرًا للحرب الجارية في أوكرانيا لاسيما قرب البحر الأسود، ما يعني تأثر الواردات إلى تركيا بشكل ملحوظ.

ويؤكد بدوره الباحث في الاقتصاد السياسي يحيى السيد عمر لموقع ألترا صوت، أن الحرب الروسية الأوكرانية أثرت اقتصاديًا على العالم أجمع، وكذلك انسحب الأمر على تركيا، مرجعًا ذلك إلى حجم التبادل التجاري الروسي التركي السنوي، والذي يبلغ نحو 25 مليار دولار، إضافة إلى حجم التبادل مع أوكرانيا والذي يقدّر بـ5 مليار دولار، علاوة على أن الحرب سببت ارتفاعًا عالميًا بأسعار الطاقة وهو ما يضغط من جانبه على الميزان التجاري التركي.

الغذاء في مهبّ الريح

مؤخرًا، بدأت تظهر انعكاسات الغزو الروسي على أوكرانيا في تركيا، لا سيما بعد سيطرة موسكو على ميناء "روستوف" على حدود بحر آزوف، فشهدت الأسواق التركية مثلًا، ضغطًا على طلب الزيت النباتي "دوار الشمس"، ما أدى إلى فقدانه ببعض المتاجر، وارتفاع ضخم في أسعاره بمتاجر أخرى، على خلفية منع روسيا خروج نحو 15 – 16 سفينة محملة بالزيت الخام، كانت وجهتها تركيا، عبر بحر آزوف، وفقًا لما ذكره موقع "t24" التركي.

بدوره، حذّر برنامج الغذاء العالمي من مخاطر الغزو الروسي لأوكرانيا، وتأثير ذلك على إنتاج وتصدير القمح، خصوصًا أن روسيا وأوكرانيا تؤمنان نحو 29% من صادرات القمح العالمية. ووصلت أسعار المواد الغذائية العالمية الشهر الماضي إلى أعلى مستوى لها في 10 سنوات، وفقًا لأحدث مؤشر لأسعار الغذاء من منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو).

وتعتمد تركيا بشكل رئيسي على القمح المستورد من روسيا وأوكرانيا، ما يجعلها في مرمى نيران العوز الذي يهدد أمنها الغذائي المتعلق بالقمح الروسي أو الأوكراني، وقد يستدعيها لإيجاد بدائل احتياطية، إذ أن تركيا تستورد نحو 9 ملايين طن من القمح، 65% منها من روسيا و15% من أوكرانيا، غير أن "سوزجو" الصحيفة التركية استبعدت حدوث توترات تتعلق بوصول القمح إلى تركيا، موضحة أن المشكلة قد ترتبط بارتفاع الأسعار وليس العرض.

ويرى الباحث سلمي أنه يمكن لتركيا إيجاد بديلين عن روسيا وأوكرانيا بما يتعلق بالاستيراد، لكن ذلك سيكون باهظ الثمن، منوهًا إلى ضرورة تنويع مصادر الاستيراد على المدى البعيد ورفع مستوى الاكتفاء الذاتي، لتحسين الوضع الاقتصادي في تركيا مستقبلًا.

مستقبل السياحة

تقول وزارة الثقافة والسياحة التركية إن بلادها استضافت نحو 24.7 مليون سائح أجنبي في عام 2021، كان منهم 4.7 مليون من روسيا و2.1 مليون من أوكرانيا، أي أن أكثر من ربع السياح الذين قدموا إلى تركيا، قد لا يتواجدون هذا العام فيها.

وحول ذلك، يرجّح السيد عمر أن يتأثر قطاع السياحة في تركيا سلبًا، نظرًا لتراجع قيمة الروبل الروسي، وبالتالي ضعف المقدرة الاقتصادية للروسيين وهو ما يعني تراجع القدرة على الإنفاق على السياحة، إضافة لصعوبات الانتقال في ظل حظر شركات الطيران، مردفًا "كل هذه الضغوطات تظهر على قيمة الليرة بشكل مباشر وعلى المؤشرات الاقتصادية التركية بشكل غير مباشر"، وسجلت أسهم الخطوط الجوية التركية "بيغاسوس" تراجعًا بنحو 10%، في حين ارتفعت فوائد السندات.

وإن وضعت الحرب الروسية في أوكرانيا أثقالها على ظهور دول عدة، إلا أن لتركيا نصيبًا كبيرًا من ذلك، دون أن تمتلك الكثير لتفعله، خصوصًا أن علاقات أنقرة مع موسكو لا تقتصر على التجارية منها فحسب، فهناك اتفاقات عسكرية تربط البلدين في دول عدة، فضلًا عن صفقات تسليح اشترت بمقتضاها تركيا المنظومة الدفاعية الصاروخية الروسية S-400، واحتمالية شرائها مقاتلات سوخوي الروسية أيضًا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

كم بلغت عائدات قطاع السياحة في تركيا عام 2021؟

ما الذي يهم تركيا في النزاع حول أوكرانيا؟